دليل المرأة القوية في "لعبة نيوتن"

فاطمة خير لعبة نيوتن

ليس من السهل صياغة بطولة نسائية متميزة، خاصةً لو كانت بعيدة عن الصورة التقليدية للمرأة: المظلومة التي تنعي حظها، أو المظلومة التي عادت لتنتقم، أو المتجبرة “المفترية”، أو الجميلة المستغلة، أو الراضخة المستسلمة.

أصبحت المرأة في هذا العالم بعيدةً إلى حدٍ كبير عن صورها الدرامية النمطية، امرأة هذا الزمن مختلفة إلى حدٍ كبير، من لا يرى ذلك فقد غابت عنه حقيقة واقع جديد.

نرشح لك: مواعيد عرض لعبة نيوتن في رمضان 2021


وفي سياق يؤطر المرأة درامياً، يأتي مسلسل “لعبة نيوتن” ليقدم بطلة مختلفة، امرأة تبدو مهزوزة في البداية، لتكتشف كلما تقدمت الحلقات مدى صلابتها، فالسيدة التي تذهب إلى الولايات المتحدة الأمريكية ساعيةً وراء الحلم الأمريكي، تسعى بسذاجة للمقامرة في بلد لا تعلم عنه شيئاً، لا تتسلح سوى بتصوراتها السطحية عن الحياة هناك، وترتيبات أعدتها مع زوج غير مقتنع حقاً بالفكرة، لتصطدم بكل ما يبدو أنه سوء حظ، من عقبات لم تخطر ببالها، يسمونها في الثقافة الشعبية المصرية “عكوسات”، لكنها في واقع الأمر اختبارات حقيقية من الحياة لمدى تمسكها بحلمها، اختبارات تستهدف استخراج شخصيتها الحقيقية من باطنها، لتظهر على حقيقتها: إنسانة قوية وشجاعة.. بل ومغامرة من الطراز الأول.

في المشهد الذي تتحدث فيه البطلة “هنا” منى زكي، إلى زوجها تليفونياً للمرة الأولى منذ سفرها ووقوع الخلاف الكبير بينهما؛ تجلس في الشارع على الرصيف، تحدثه وهي تضحك وتبكي في الوقت نفسه، لم تكن حاضرةً سوى في المكالمة.. لم تهتم للشارع حولها، لم يتعرض لها أحد، لم تسمع ما يؤذي أذنيها، مشهد كامل لامرأة تجلس في الشارع تهاتف زوجها بحب وأريحية، تصفي خلافاً بينهما، يبدو عادياً كمشهد درامي، لكن وحدها امرأة محرومة من ذلك تفهمه: أن تسير سيدة في الشارع، وتجلس على الرصيف، وتتحدث في هاتفها المحمول، كل ذلك ولم تتعرض لتحرش أو “رزالة”، ربما احتاجت هنا أن تسافر كل تلك المسافة لتحصل على ذلك!

المرأة التي ظهرت في مشاهدها في أمريكا تسير في الشوارع مستمتعة بالسير، خاصةً بعدما حصلت على وعد بوظيفة، بدت “مفرودة الظهر” واثقة من خطواتها، وكأنها غير تلك التي بدت في الحلقات الأولى مهزوزة ومرتبكة طوال الوقت، حتى أن المشاهد لا بد أن يندهش كيف لهذهِ السيدة غير الواثقة في نفسها أن تحلم بهذهِ الجرأة؟! والإجابة ببساطة، أن امرأة “تعافر” وتحارب لأجل خلق فرصة لنفسها في مجتمع لا يعتبر كونها امرأة عائقاً في سبيل ذلك، ستعاني بالضرورة لكنها ليست المعاناة نفسها التي “تكسر الظهر”، فالمصرية المغتربة المقيمة بشكل غير قانوني في أمريكا، لا تحارب معتقدات وسلوكيات “تعكنن عليها حياتها”، لديها معارك أُخرى، لكنها معارك “تقوي” الظهر.

“هنا” التي تتعرض للتقليل من شأنها من جانب زوجها، هي في الحقيقة شخصية جسورة، فالمرأة التي تخاف الكلاب والأماكن المغلقة، وقفت وحدها في طريق موحش ليلاً في أمريكا بلا مال ولا سند، ولم تيأس، كل ما كانت تحتاجه أن تجد شريكاً يؤمن بها ولا يسفه من أحلامها، يستمع إليها ويؤمن بحقها في الاختيار، يحبها لكنه لايعتبر أن هذا الحب بديلاً عن الاحترام، يراها إنسان كامل تماماً كما يراها امرأته التي يحبها.

تحدت البطلة كل مخاوفها، وتقليل زوجها من شأنها، وحملت حلمها على ظهرها، تصالحت مع مخاوفها، وتقبلت المساعدة بكرامة وعزة نفس، لم تستلم لكل سوء الحظ الذي قابلته، كل ذلك وهي تحمل جنينها في أحشائها، جنينها أو حلمها الذي انتظرته طويلاً وقررت المغامرة بكل شئ لأجل أن تحظى له بفرص أفضل في الحياة أو هكذا اعتقدت.

“هنا” هي امرأة قوية..امرأة عادية قوية، تحب زوجها، وتريد الأفضل لابنها، اختارت ما تصورت أنه الصواب وارتضت دفع الثمن، لا أدري ما ستحمله لها بقية الحلقات، لكنني حتى هذهِ اللحظة أرفع قبعتي احتراماً لشجاعتها، وتحيةً للمؤلف وفريق الكتابة الذي صنع شخصية مركبة وقوية ومختلفة.