فن صناعة الشخصيات "الحية" من مسيرة يوسف شعبان

شادن عصام الدين

رحل عنّا الفنان الكبير يوسف شعبان اليوم، مخلفاً فراقاً باهتا، رحل عنا الجسد، فالغائب ترك بصمة خلال ما أثمره بحياته ليظل مخلداً باسمه، بل يظل عبق تميزه وبصمته مستمراً، وإن غاب صاحبه تحت سطح الأرض. فها هو الفراق الوحيد الذي يعشقنا، ولا مفر منه، بل ونتحين بكوننا شهودا على حدوثه بشغف وتركيز، إنما هو فراق الشمس للسماء، حين يسقط واحداً من رموز الفن الجميل، هو أحد أعلام ممثلي القرن العشرين.

شهد الفنان الرحل يوسف شعبان علي عظمة السينما المصرية، وشارك كوكبة من الفنانين على تجسيد العديد من القصص والروايات، واستلهامها في مختلف من الأعمال الأدبية.

نرشح لك: فنانتان وأميرة وكويتية.. 4 زيجات في حياة يوسف شعبان

ميلا نجم:

هو يوسف شعبان شميس ولد بحي شبرا في القاهرة، للسيد شعبان شميس مصمم إعلانات مشهور في شركة (إيجبشان جازيت)، تلقى تعليمه الأساسي في مدرسة الإسماعيلية والتعليم الثانوي في مدرسة التوفيقية الثانوية، وبسبب تفوقه في مادة الرسم قرر الانتساب في كلية الفنون الجميلة ولكن عائلته رفضت بشدة وخيرته بين كلية البوليس أو الكلية الحربية أو كلية الحقوق، ونتيجة للضغط الشديد عليه قرر الالتحاق بالكلية الحربية، ولكن في اختبار الهيئة أسقط نفسه فرفضوا انضمامه، ولكن عائلته علمت بما دبره فأجبرته على الانضمام لكلية الحقوق في جامعة عين شمس، وهناك تعرف على أصدقاء عمره الفنان كرم مطاوع والممثل سعيد عبد الغني والكاتب إبراهيم نافع.

من هنا بزغت موهبته الفنية وقرر بناء على نصيحة كرم مطاوع الالتحاق بفريق التمثيل في الكلية، ثم قدم أوراقه اعتماده في المعهد العالي للفنون المسرحية، وبسبب ضغط الدراسة في الكلية والمعهد قرر التركيز في دراسة المعهد وسحب أوراقه من كلية الحقوق وهو في السنة الثالثة، ليضحي من أجل دراسته الفنية ثم تخرج من المعهد العالي للفنون المسرحية من سنة 1962.

فلسفة وعظ المجتمع:

إن الأعمال الدرامية ليوسف شعبان بها من العشق والقوة والقدرة على تجسيد الشخصية بكل أبعادها، فتجده وكأنه ينسلخ من شخصه ليتقمص الدور ويحيا علي النسج والربط والحبكة الدرامية، وإن لم تكن كذلك لما كتب لها أن تعيش الي يومنا هذا كعلامة مميزة بذاكرة كل من السينما والدراما المصرية، فلقد تعلم الأسس والقواعد بالمعهد العالي للفنون المسرحية وتتلمذ علي يد النخب الفنية، ليخرج منافساً لأكبر الأسماء الفنية منافسة شرسة ولكنها شريفة من أبرز نجوم فترة الستينات وهم رشدي أباظة، كمال الشناوي، صلاح ذو الفقار، حسن يوسف، وشكري سرحان.

نرشح لك: يوسف شعبان.. 60 عاما من النجومية “خارج البطولة”


لم يتقيد بالمبادئ الكلاسيكية في تجسيد أدواره هادفاً من رمزيتها أن تكون علاجاً ووعياً يوجه المجتمع لتحكيم العقل في مواجهة القضايا المجتمعية، كمثل دور الرسام رؤوف في فيلم “حمام الملاطيلي”، الذي أثار الجدل في وقتها لتجسيده دور الرسام الشاذ، إلا أن تراجيدياته العنيفة دفعت بالشخصية للحصول على العديد من الجوائز المحلية والعالمية، وتقرر تدريس دوره في هذا الفيلم في “معهد السينما” وأكاديمية الفنون.

الفن مرآة الحياة:

استطاع الفنان يوسف شعبان أن يتوغل في نفوس المصريين، واستطاعت أدواره أن تكون إلهاما لكثير من الفنانين. لقد قام الفنان الراحل بخلق أدور تمثل كائنا حيا يتنفس برئتين قويتين ويطير بجناحين لا يخضعان لقانون غير قانون الفن، يضحك في ظله الناس حينما يؤدي الأدوار الكوميدية كالعقيد مدحت في فيلم “بكيزة وزغلول”، ويبكون حينما تحزنهم ظروف لا يكون لهم فيها من البكاء مفر مثل دور حافظ رضوان عاصياً ثم راجيا التوبة؛ نذكر واحد من أروع المشاهد الذي جمعه بالفنان عبد المنعم إبراهيم بمسلسل “الشهد والدموع” عند ترديده “منه له.. جاي رايح.. منه له”، مدركاً حقيقة الحياة المجردة، وروعة الحيرة وتألق كلاهما بمشهد تتخلله الدموع، وكأنها دموع التوبة، وألم عذابها، لن تستطيع أن تشكك بكونه تمثيلا من شدة المصداقية بهذا المشهد.

عبده الأخ الخائن بفيلم “صابرين”، محسن بك بمسلسل “رأفت الهجان”، فرج القواد بـ”زقاق المدق”، المتصنع الاشتراكية والناشط سرحان البحيري، سيد بمسلسل “ليلة القبض علي فاطمة”، الشر المطلق وهبي السوالمي بمسلسل “الضوء الشارد”، ملعون الحرام الحاج سلامة فراويلة بمسلسل “المال والبنون”، الخائن للقيم والمبادئ عباس بفيلم “الرصاصة لا تزال في جيبي”، من خلال هذه الأدوار كونها نموذجا لا للحصر، هدته إليها عبقريته الخاصة والمعجزة الفنية، فارتقي بنا الفنان الراحل يوسف شعبان وشكل لنا وجدانا وذكريات وضميراً يحيا تجاه كل قضية، وأنماطاً متنوعة تذخر بها ذاكرة السينما والتلفزيون. وداعاً للعاشق والجلاد.. وداعاً للفنان يوسف شعبان.