محمد هاني يكتب عن وحيد حامد: "لا" بلا خوف.. "نعم" بلا تردد

نقلا عن كتاب “وحيد حامد الفلاح الفصيح” الصادر عن مهرجان القاهرة السينمائي للناقد طارق الشناوى

في دار سينما كريم قبل ثلاثين عاما رأيته لأول مرة، بالتحديد أبريل ١٩٩٠ في العرض الخاص لفيلم “الراقصة والسياسي” إحدى أيقوناته التي تزهو بها السينما المصرية.. كنت وقتها صحفيا متدربا في “روزاليوسف”، تقدمت إليه وصافحته وسط عشرات غيري وربما قدمت له نفسي ولم ينتبه .. ولكن أكثر ما استوقفني ليلتها هي سطوة حضوره والتفاف الجميع حوله رغم وجود نجوم كبار، بل أن النجوم أنفسهم كانوا يتحركون في فلكه.

نرشح لك: 5 أسباب تجعل من وحيد حامد “مخاوي” السينما المصرية


كان ذلك المشهد يحمل معنى وقيمة خاصة في نظري فهو يؤكد لي أنه “في البدء تكون الكلمة” فعلا، فالسيناريو الذي يكتبه وحيد هو الذي يخلق شخوصا ومشاعر وأحداث …هو الذي يدفع للضحك والبكاء.. للخوف والتهور.. للتأمل والتفكير والحب والرفض والصراخ والسخرية.. هو الذي يصنع هذا السحر الذي نراه على الشاشات نجومًا يبدعون ويتأثر ملايين الناس بما يقدمونه.. وهو الذي يصنع ما أراه الآن من تحلق النجوم حول الكاتب عندما يكون من طراز وحيد حامد.. ليلتها أيقنت حقيقة أنه لكي تكون نجما ليس شرطًا أن تكون صورتك على إعلانات الشوارع ولكي تصنع أسطورتك ليس بالضرورة أن تظهر على الشاشة.. وأن البريق إذا لم ينعكس من ذهب أصلي يكون برقًا خادعًا ومؤذيًا أيضًا.. وأن تلك هي آفة بلدنا إذا مرضت وحربها إذا تعافت.

وحيد حامد وعادل إمام معا في “البيت بيتك”-التليفزيون المصري ٢٠٠٥

**
بعد تلك الليلة بعامين كنت قد أصبحت زائرًا منتظمًا لمائدة وحيد حامد الشهيرة بفندق “الميريديان “، فتجربة “روزاليوسف” الأشهر والأجرأ بقيادة عادل حمودة كانت قد بدأت، وكنت واحدًا من شباب روزا الذين صنعوا تلك التجربة، وقد أصبح وحيد أحد أهم الكتاب الكبار الذين استقطبتهم روزا وجذبتهم تجربتها الجديدة الجريئة.. وبدأت مقالاته النارية تتوالى في السينما والثقافة والفكر والقضايا الاجتماعية الجدلية والسياسية الشائكة ، ووقف في مقدمة صفوف “روزاليوسف” في مواجهة الإرهاب وتجار الدين وجماعات الإسلام السياسي والتطرف ونفاق السلفيين وخداع الأخوان وخستهم ..خاض معارك وفجر سجالات على صفحات روزا بقلم أشجع من أن يهادن وأوضح من أن يزايد أحد عليه.. وفي تقديري فإن عنوان أحد مقالات وحيد يلخص رسائله ومعاركه في تلك الفترة.. ” استيقظوا أو موتوا”.. لقد كان يصرخ في وجه المجتمع والنخبة والسلطة في نفس الوقت بهذا المعنى ويكرره مهما تغيرت الألفاظ وتباينت القضايا.

فهل استيقظنا ؟..لا أظن
هل متنا ؟..لا أظن أيضا !!
مازلنا بين اليقظة والموت ومازال تحذير وحيد ينتظر استجابة ..”استيقظوا أو موتوا”.
**
في تلك السنوات حاورت وحيد حامد كثيرا وحصلت منه على انفرادات مهمة حول أعماله السينمائية والتليفزيونية قبل أن تظهر ولم تكن مجرد أعمال فنية بل مواجهات سياسية واجتماعية تكشف وتحلل وتستشرف الغد وما بعد الغد: “أوان الورد”، “العائلة “،”طيور الظلام” ، “الجماعة “،”معالي الوزير”، “كشف المستور ” ،” النوم في العسل “وغيرها ..وكتبت ناقدًا أعماله.. وفي جميع الأحوال ظل الحوار معه متواصلًا والثقة قائمة.

وعلى مائدته التي كانت قد انتقلت من مبنى “الميريديان ” القديم إلى المبنى الجديد ” جراند حياة” انضممت إلى “مجلس الشر” الشهير الذي ينعقد كل يوم جمعة ،حيث تدخل في مناقشات ذكية وساخرة وتشهد سجالات وتعرف أخبارًا وأسرارًا وتستمع إلى آراء مهمة ..وبالتأكيد فأنت محظوظ إذا أتيحت لك في بدايات طريقك الصحفي أن تجمعك مائدة واحدة أسبوعيًا مع أسماء بحجم عادل إمام وأحمد زكي وعبدالرحمن الأبنودي وفاروق حسني ونجوم وصحفيين كبار ومسئولين من كل مجال يرتادون “مجلس الشر” الذي ليس هو بالتأكيد تجمعًا للأشرار ، ولكن ربما لأنك إن لم تكن فيه صقرا ستكون فريسة ،فلابد أن تظل يقظًا في المناقشة حاضر الذهن والبديهة.. وهو لا يقبل عضوية الخاملين والبلداء والمنافقين ..ولا ثقيلي الظل.
**

لقد سألت نفسي كثيراً: ما هو سر وحيد حامد؟ ولم أصل إلى إجابة محددة.. ربما السر في أنه لا يتعالى بإبداعه ولا ينعزل فلم يفقد أبدا البوصلة الشعبية ولا الحس الإنساني.. إنه متواصل مشتبك طول الوقت مع أكبر مسئول أو مع أبسط إنسان.. مع مشاهير ونجوم بنفس الطريقة التي يستخدمها مع شاب موهوب يبحث عن فرصة أو نصيحة.

ربما يكون هذا جزءا من سره.. الحس الصحفي والاشتباك اليومي مع الحياة،ودائمًا هو قادر على أن يقول “لا ” دون خوف و”نعم ” دون تردد دون أن يلتفت إلى مزايدة أو تشكيك.. وأظن أنه لذلك ظل حريصا على أن يكتب للصحافة متنقلا بقلمه من صحيفة لأخرى باحثًا عن مساحة حرية ممتنعًا حين تضيق، ويظل مقاله البديع “القرود الخمسة” على صفحات “المصري اليوم” في ظل حكم الاخوان أحد أهم المقالات في تاريخ الصحافة المصرية في تقديري.

**
إذا وجدت وحيد حامد يكتب ويتحدث للصحافة والتليفزيون.. يدعم ويرفض ويشاغب فاعلم أن البلد بخير.