"علاء الدين" قبلة الحياة للمسرح المصري.. فتش عن التكنولوجيا!

إنجى الطوخي

 

هل تستطيع التكنولوجيا الحديثة إعادة المسرح إلى رونقه القديم؟

تبدو إجابة السؤال تائهة فى ظل انخفاض عدد العروض المسرحية، بل وتوقفها لفترة لا بأس بها بسبب أزمة فيروس كورونا المستجد!.

ولكن الإجابة تطرحها ببساطة شديدة مسرحية “علاء الدين” من بطولة النجم أحمد عز وتارا عماد، التي تعرض حاليا على مسرح “كايرو شو” وهى “نعم” .

نرشح لك: أحمد عز.. النجاح بدون مصباح علاء الدين


قد تبدو الإجابة غريبة، في ظل توجيه أصابع الاتهام للتكنولوجيا الحديثة من مواقع تواصل إجتماعي وتطبيقات إلكترونية، بل وشبكات تليفزيونية خاصة بسرقة الأضواء من المسرح، حتى أصبح رواده قلة نادرة.

ولكن التكنولوجيا سلاح له حدين، ما خاب من نجح في استخدام الإيجابي منها، وهو ما فعله المخرج مجدى الهواري وفريق العمل كله، من حيث تقديم حدوتة قديمة يكاد المرء يحفظها،من شدة تكرارها، بشكل جديد معتمدا على 4 عناصر الإبهار التكنولوجي والاستعراضات الغنائية، والديكورات الساحرة وتصميمات الملابس.

القصة المأخوذة من حكايات ألف ليلة وليلة “علاء الدين والمصباح السحري”، والتي تم تحويلها إلى مئات من الأفلام والمسلسلات بل وأفلام الكارتون، وكان آخرها الفيلم الذي انتجته شركة ديزني من بطولة “ويل سميث، والمصرى مينا مسعود”، وحقق إيرادات تجاوزت مليار دولار في عام 2019.

وفي شكل كوميدى نجحت المسرحية في إحياء الأسطورة العربية، من جديد ولكن بشكل كوميدى لطيف، تم تمصيره بـ”أفيهات” مصرية خالصة مستوحاة من تفاصيل الحياة المصرية العادية.

بدت التكنولوجيا كأنها قبلة الحياة للمسرحية، خرجت بها عن المألوف، وجعلتها تحظى ببعض المؤثرات السينمائية.

ظهر ذلك في شاشة عرض إلكترونية تقدم شكل القصور في تلك الحقبة، إلى جانب الديكورات بالطبع، وبعض المعارك التي خاضها علاء الدين ضد الحرس، من القفز والهرب، أما الأكثر وضوحا فكان فى تصميم المغارة التى يدخلها علاء الدين للحصول على المصباح السحري، عبارة عن تصميم جرافيك لوجه سيدة برمال الصحراء، كان الأمر مربكا وجذابا وحداثيا، والمشاهد يرى امتزاج العنصر البشري – الممثلين- بالتكنولوجيا بالاعتماد على فنون الجرافيك ليقدم شكل مسرحي جديد.

وبدا أيضا واضحا في تقديم خلفية عن حياة “الجني” الأزرق – الفنان محمد ثروت- قبل أن يقابل علاء الدين بتقنية الهولوجرام، وكيف كانت حياته داخل المصباح.

أما الأكثر إمتاعا وإبهارا فكان في ذلك الملمح الأساسي في قصة علاء الدين، البساط السحري الذي يجوب به عبر قارات العالم، هدية زواجه من الجني، حيث تم عرض فيديو معتمدا على تصميمات الجرافيك، يصور الفنان أحمد عز، مع الأميرة ياسمين – تارا عماد، وهم يجلسون على البساط ويتجولون فى الفضاء الرحب، ويتمتعون بمشاهدة عجائب العالم القديم، وهو ما أعطى العرض قدرا من الإقناع، ما كان يتوفر، لو أن فكرة البساط تمت بالطريقة التقليدية والتي تعتمد على الكلمات فقط، بينما على مشاهد العرض المسرحي أن يتخيل بنفسه شكل البساط.

ونهاية العرض، كانت دليل على أن التكنولوجيا صارت أمرا واقعا على المسرحيين، عليهم أن يفكروا كيفية استغلاله فى تطوير عروضهم، وإعادة المشاهد مرة أخرى إلى مسارحهم، فبعد أن عُرض الفيديو الذى يصور علاء الدين يجوب العالم بالبساط السحري، واختفى فجأة من على شاشة العرض الإلكترونية، فوجئ الجمهور، بذلك الدخول المفاجئ للفنان أحمد عز ومعه الفنانة “تارا عماد” وهما يجلسان على ما يشبه بساط معلقا فى سقف المسرح عبر “جرار” آلى، ويمر به بين الجماهير.

نرشح لك: منى الشاذلي تشيد بعرض “علاء الدين”


إلى جانب الإبهار التكنولوجي، كان هناك عنصرا آخرا لم يكن أقل إبهارا، وهو تصميم الملابس، والذى من فرط جماله، وألوانه المبدعة، لا يمل المشاهد منه أبدا خلال العرض المسرحى، وهو يتأمل تلك الخيوط المتلألئة المخاطة بطريقة رقيقة فى ملابس تارا عماد، و”البذلات” التى ارتداها أحمد عز، محمد ثروت، هشام إسماعيل، سامي مغاورى، إلى جانب ملابس الاستعراضات، لمصممة الأزياء”نيفين رأفت”التى مزجت بين الأسلوب الهندى فى التصميمات، مع دراستها للأزياء التاريخية للملابس فى باريس، فخرجت الملابس بذلك الشكل الجميل لتستحق اللقب الذى أطلقه عليها الاتحاد الأوروبى”نفرتيتي”.

أما الأداء، فمازال أحمد عز يلعب في منطقة الولد الشقي خفيف الظل الشعبي “الحلنجي” الذي يسعى لجذب الفتيات، وهى منطقة اتقنها، وظهرت في الكثير من أفلامه، ولكنها صارت حبس قدراته الفنية، التي تحتاج إلى تطوير لتصل إلى مناطق أخرى أكثر عمقا وتأثيرا، ونجحت تارا عماد في أداء دور الأميرة ياسمين، فكان أدائها يتميز بالسلاسة والبساطة.

بينما مثل محمد ثروت فى دور الجنى، الاكتشاف الحقيقي للعرض، حيث نجح في نزع الابتسامة من الجمهور بتلقائية الأداء، وثقته العالية فتجاوب معه الجمهور ومع “إيفيهاته” الكوميدية بسهولة، ونفس الحال كان الفنان “كريم عفيفي” في دور “أوفة” فظهرت خبرته التي اكتسبها من عمله فى مسرح مصر، في أدائه الكوميدي الرشيق.

أما سامي مغاوري، في دور “السلطان قلاووظ” فقد أثبت صحة المثل الإنجليزى”old is the gold”، فبان نضجه الفني الذي جعله يعرف التوقيت والطريقة التي ينتزع بها الابتسامة من الجمهور دون تكلف، وبدا قادرا على منح الدور أبعاد اجتماعية أخرى منها الأب الذى يريد تزويج ابنته مهما كلفه الأمر كنوع من الأمان لها، أما هشام إسماعيل ومحمد جمعة، كان نجاحهما متمثلا فى الخروج من عباءة الأدوار التقليدية التي انحصرا فيها، والخروج عن المألوف بدور كله شر وهو مختلف عن كل ما قدمه “هشام إسماعيل من قبل، ونفس الحال لمحمد جمعة الذى كان كوميديا خفيف الظل يتسلسل لثنايا الروح بسهولة.

في النهاية عرض “علاء الدين” يبدو مثل الشعلة الصغيرة في بداية نفق طويل للعاملين فى مجال المسرح، للقدرة على استعادة جمهورهم من الشباب الصغار قبل الكبار، باستخدام التكنولوجيا، أو مثل خطوات أقدام ترسم طريقا ناضجا جديدا لعودة مسرح بمعايير عصرية، يقف أمامه الجمهور طوابير انتظارا لإشارة الدخول، ويعود بنا إلى زمن الصفحة الثانية من صحيفة الأهرام، حيث الإعلانات المتراصة بل والمتكدسة بجانب بعضها البعض، التي تنبئ عن عشرات العروض المسرحية الحديثة ،بشكل يجعل من المستحيل أن تتجاهلها أو على الأقل تتمنى حضور إحداها، لتستمع فيها بجرعات من الضحك الصافى من قبل الفنان المفضل لديك لا يفصل بينك وبينه شئ!

نرشح لك: محمد جمعة عن مشاركته في “علاء الدين”: حلم لكل فنان عربي