"أرطغرل" يثير الغضب في العالم الإسلامي

محمد إسماعيل الحلواني

عندما نشرت إحدى نجمات المسلسل التركي “قيامة أرطغرل” صورة لها بفستان قصير، على حساب إنستجرام الشخصي الخاص بها، لم تكن تتوقع المناحات الجماعية التي تبعت ذلك، حيث بدت في تناقض حاد مع التواضع الذي أظهرته في المسلسل.

تلقت الممثلة، التي لعبت دور حليمة خاتون، الأميرة السلجوقية المحاربة المتزوجة من “أرطغرل غازي” وأم عثمان، مؤسس الدولة العثمانية في نهاية المطاف، آلاف التعليقات، لكن تعليق شريحة معينة من معجبين كان مسليًا، فتساءل أحد المعلقين “أين حليمة التي رأيتها ليلة أمس”، وتساءل آخر: “ماذا ستفعلين عندما يسألك الله عن هذا الموقف؟”.

نرشح لك: 15 مشروعا في الدورة السابعة لملتقى القاهرة السينمائي


وعلى الرغم من بث المسلسل عبر نتفيلكس والتصريح في عرضه في 72 دولة، وتعمد قناة “تي آر تي” التركية الحكومية بث حلقته الأخيرة – بالصدفة – في ذكرى الاستيلاء العثماني على القسطنطينية وسقوط الإمبراطورية البيزنطية، إلا أن الجمهور المتدين عبر عن ضيقه من كم الأساطير المهول الذي تضمنه المسلسل وهذا الضيق يعبر عن حالة الأوهام والقلق الراهنة في تركيا والعالم الإسلامي.

يصور المسلسل أرطغرل على أنه رجل شريف، يستحق المجد ويحترم الناس والغرباء على حد سواء؛ إنه شخصية تجمع بين البر والجرأة والعدل، كما يحاصره الجواسيس والخونة. سلسلة تلو الأخرى، تواجه أرطغرل شخصيات القوى العالمية بما فيلا ذلك المغول أو الصين؛ البيزنطيون أو الغرب وفرسان الهيكل كموقف عام للقوى المسيحية.

احتفى الرئيس التركي رجب أردوغان بالعرض ومنتجه، كمال تيكدين، هو عضو في حزب أردوغان الحاكم ومؤلفه، محمد بوزداج، إن لم يكن عضوًا، فهو من محبي الحزب ومن محبي أردوغان، كما ذكر تقرير نشرته مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية وكتب على تويتر: “لقد انتهى 86 عاما من الشوق”، وجاءت تغريدته بعد أن أقيمت الصلاة في كاتدرائية آيا صوفيا بحضور أردوغان ومجلس وزرائه بعد أن ألغت محكمة مكانة الكنيسة البيزنطية في القرن السادس كمتحف.

وبعد دبلجة المسلسل إلى الأردية؛ وهي اللغة الرابعة التي يُدبلج بها، بعد العربية والإسبانية والروسية، أثار عرضه في باكستان والهند ردود فعل جيوسياسية عنيفة على الرغم من التقارب بين باكستان وتركيا التي كانت من أوائل الدول التي اعترفت بباكستان بعد تأسيسها عام 1947 وضغطت من أجل عضويتها في الأمم المتحدة، فالهند تبتعد عن أصولها العلمانية لتنزوي في ركن أقرب إلى ميول الأغلبية الهندوسية، وخاصة منذ تولي ناريندرا دامودارداس مودي السلطة رئيس الوزراء الرابع عشر والحالي للهند منذ 2014.

أضافت “فورين بوليسي” إن أردوغان المتقلب والمثير للانقسام ليس مثيرًا للانقسام في الداخل فحسب؛ بل في الخارج أيضًا، بدليل تحركاته العدائية في ليبيا والعراق وسوريا واليمن وفي شرق المتوسط وحتى بين أروقة الناتو.

ويبدو أن الرأي العام في باكستان والهند يدرك أن أردوغان يقوم بعمل مسرحية لإعادة تركيا إلى دورها التاريخي ويضع نصب عينيه هدف أن يصبح قائدًا للمسلمين السنة، ويسعى لإزاحة المملكة العربية السعودية من مكانتها الروحية والدينية.

وتتردد شائعات بأن المملكة العربية السعودية طالبت باكستان أيضًا بالتوقف عن بث “أرطغرل” وأنفقت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، في إنتاج مشترك، 40 مليون دولار على مسلسل ممالك النار، الذي عرض حقيقة المقاومة العربية لهيمنة الإمبراطورية العثمانية على الشرق إبان العهد المظلم القاتم للسلطان العثماني سليم الأول، وقالت مجلة فورين بوليسي إن “ممالك النار” للمخرج البريطاني “بيتر ويبر” يُعد ضربة موجعة ضد تيار “العثمانيين الجدد الثقافي السائد في تركيا بدعم أردوغان وحكومته.

وفي تقريره المنشور بمجلة Eurasia Review تحدث الدكتور “راجيش تي كريشناماتشاري” عن شجب الليبراليين، في باكستان، مثل عالم الفيزياء الشهير “بيرفيز هودبهوي” مسلسل “قيامة أرطغرل” بسبب ترويجه للعنف، وأعرب عدد كبير من المشاهدين إنهم كانوا يفضلون أن يقدم الأتراك في مسلسلهم شخصيات العلماء المستنيرين مثل “تقي الدين” و”علي قوشجي”؛ بدلاً من وصم الإسلام بالعنف بمشاهد مشهد أرطغرل غازي وهو يقطع رأس الفرسان المسيحيين.

أعربت أصوات أخرى داخل صناعة الترفيه الباكستانية عن أملها في أن يحصل إنتاجهم على دعم مماثل مثل هذا الإنتاج التركي الأجنبي.

ومنعت السعودية والإمارات بث المسلسل التركي على شاشاتها وفي فبراير 2020، حذرت الإفتاء المصرية من مشاهدته.