The social Dilemma.. نتفليكس تتهم فيسبوك بإشعال الحرب الأهلية.. وتقترح الحلول

فاطمة خير

يبدو أن حرب المنصات لن تتوقف عن إدهاشنا يوما بعد الآخر، حروب في ظاهرها الموضوعية، أما الباطن فوحده الله يعلم حقيقته.

نرشح لك: “المعضلة الاجتماعية”.. هل خرجت السوشيال ميديا عن السيطرة؟

 

في إنتاجها الوثائقي الخاص، تحرص شبكة نتفليكس على تقديم موضوعات شيقة وشائقة، يتصف تنفيذها بالحرفية العالية، حتى أصبحت منافسا حقيقياً في مجال الإنتاج الوثائقي، منافس يحظى بمنصة يسهل الوصول لمحتواها في أي مكان، وتتمتع بدعم تقني يجعل المشاهدة أمرا سلسا، لم تكتف المنصة بعرض أفلام وسلاسل وثائقية قيمة من إنتاج أكبر الشبكات التليفزيونية، وإنما اختارت أيضا إلى جانب ذلك تقديم إنتاجها الخاص الذي يتضمن رؤيةً ولا بد، لكنها هذه المرة دخلت في منطقة هي الأكثر قدرة على جذب الأنظار، فالمنصة التي لها نصيب كبير من الانتقاد فيما يخص خيارات العرض لديها، دخلت عش الدبابير بفيلم يهاجم بشراسة وموضوعية في الوقت نفسه إمبراطور العصر: شبكات التواصل الاجتماعي.

The social Dilemma ليس مجرد فيلما وثائقيا يمكن المرور به مرور الكرام، فهو في حد ذاته وثيقة شيقة العرض على خطورة تغول “شبكات التواصل الاجتماعي”، وقدرتها على السيطرة المخيفة على البشرية، لا يقدم الفيلم “آراء”
بقدر ما يقدم أدلة موضوعية وعلمية، وآراء تشرح وتحلل من جانب خبراء ومتخصصين على أعلى مستوى في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، يحللون ويشرحون- مدعومين بسيمي دراما – آلية عمل هذهِ الشبكات وقدرتها على تتبع حياة الشخص، وتحليل سلوكياته، والتحكم فيها، بهدف الحصول على المال، وذلك عن طريق بيع “الشخص نفسه”، بمعنى آخر.. يقدم الفيلم شرح للعبودية الحديثة، ويميط اللثام عن “وهم الحرية” في الاختيار الذي تتيحه هذهِ الشبكات، والأخطر من ذلك، يكشف كيفية توظيف ذلك لأهداف سياسية متطرفة.

نرشح لك: الحياة السرية للمراهقين على السوشيال ميديا في كتاب جديد

المخيف في الفيلم هو اعتراف بعض ممن شاركوا في صناعة تغول هذهِ الشبكات، بأنهم لم يكن ذلك هو المقصود مما فعلوه، وأن الأمر خرج عن السيطرة!

يقدم الفيلم إحصائيات من داخل المجتمع الأمريكي عن التأثير السلبي لهذهِ الشبكات على العلاقات الإنسانية، وكيف أدت إلى انخفاض معدل المواعدة والتفاعل الإنساني! ويشرح آلية ذلك الذكاء الاصطناعي في التحكم بالمشاعر، ليس لشئ إلا من الخوارزميات تتطور في ذلك الاتجاه: خوارزميات بلا قلب تتحكم فيما نحب ونكره، وفيما نشتريه.

من خلال قصة عائلية مؤلمة في خلفية الفيلم، تبدو قسوة النتائج التي لا ننتبه لها قدر ما نستحق ونتصور أننا وحدنا من نواجهها لا أنها أصبحت شأنا إنسانيا. الخبراء والمؤسسون للشبكات يقولون بأنهم يمنعون أبنائهم تماماً عن هذهِ الشبكات حتى انتهاء المرحلة الثانوية! ماذا يبيعوننا إذن؟!

يعترف من شاركوا في الشهادات التي ينقلها الفيلم، بأن لهذا الذكاء الاصطناعي أدوارا مذهلة وعظيمة في خدمة البشرية لا يمكن إنكارها ولا الاستغناء عنها، وأن شبكات التواصل الاجتماعي تلعب أدوارا لا بأس بها في التواصل الإنساني، لكن الخطر الذي صارت تمثله لم يعد ممكنا السكوت عليه، فقد خرج الأمر عن السيطرة، ونشأ جيل كامل لايمكنه الاستغناء عنها، ولا يمكنه التفاعل في بيئات حقيقية، جيل يتصور أن الوهم حقيقة، بل أن الجميع وليس جيل المراهقين والشباب وحدهم، الكل صار يعيش في فقاعات تصنعها خوارزميات، ويعزز ذلك الاقتتال المجتمعي ويصنع الحروب الأهلية والتطرف السياسي، وقد بدأت الإنسانية بالفعل تعاني من ذلك، وكل ذلك بناءَ على معلومات مغلوطة في وسائط لا يمكن فيها التيقن من صحة الأخبار والمعلومات.. لا أحد يمكن أن يفعل ذلك ولا آلية أيضا، لكن بالطبع يمكن توظيفه في إشعال الحروب وإفساد المجتمعات.

الفيلم الذي يستخدم الإيقاع السريع، والموسيقى التصويرية في الخلفية تنذر بالخطر، هو نفسه الذي ينفي رغبته في نشر التشاؤم، بل يقول على لسان أصحاب الشهادات رفيعي المستوى العلمي، بأن خطورة الأمر كان يمكن تجنبها لو أن الأمر نال ما يستحق من النقاش المجتمعي العالمي جنبا إلى جنب مع التطور التقني المذهل، لوضع آليات وقوانين تضمن إلى حدٍ ما وصول الأمر إلى دائرة الخطر.

نرشح لك: في محكمة السوشيال ميديا.. الحكم يسبق المداولة

وفي نهاية الفيلم يقدم هؤلاء مقترحاتهم لإعادة نشر الأمل بعد أكثر من ساعة قدمت عرضا مخيفا للقضية، “النقاد هم من يقودون التغيير” هكذا يقول الفيلم في دقائقه الأخيرة، فهم المتفائلون الحقيقيون هنا بعد كل ما قالوه! حيث يعتقدون أنه بالإمكان تغيير ما تعنيه وسائل التواصل الاجتماعي وكيف تبدو، ذلك أن طريقة عمل التكنولوجيا ليست جامدة أو عصية على التغيير، إنها مجرد خيارات يتخذها البشر، كل ما نحتاجه لتغيير ذلك هو الاعتراف بأن النتائج السيئة جاءت بسبب ما عملناه بأيدينا، وعلينا تحمل مسئولية التغيير الذي يضمن بناء مجتمع صحي، والتعامل مع هذه الشبكات باعتبارها مُنتَج يعاد تصميمه بطريقة إنسانية، وليس باعتبار الإنسان سلعة استهلاكية، تغيير يكون شعاره” كيف يمكن أن نجعل العالم مكاناً أفضل”؟

فهل سيتحقق ذلك؟ لا أعتقد أن الإجابة عند شبكة نتفليكس. وحدها الإرادة الجماعية ستضع حدا لكل ذلك.