البحث عن السعادة في "الميديا" المغلقة

فاطمة خير

مسألة وقت لا أكثر، حتى تمتلك ميديا “الغرف المغلقة” مساحة لا يُستهان بها لدى اهتمامات الكثير من الناس.

سنوات طويلة مرت على اقتحام “فيسبوك” لحياتنا، تحول فيها من منصة للتواصل الاجتماعي ولم الشمل، لما يمكن اعتباره “مُكَوِن” أساسي ضمن عناصر الحياة لكل البشر تقريبا وفي كل بقاع الأرض، صار أداة أساسية للتواصل الاجتماعي، وأداة للعمل، أداة تأثير سياسي،…إلخ.

نرشح لك: تحليل.. كيف تستخدم قطر المنصات الإعلامية للسيطرة على الإعلام العربي؟

 

وبرغم ما حققه هذا الكيان من مكاسب خرافية ونفوذ أسطوري؛ إلا أن دوره الحقيقي كمنصة للتواصل الإنساني اهتز لفترة بعد تراجع رغبة المستخدمين في اعتباره منصة اجتماعية لصالح الأخبار والعمل، انتبه “فيسبوك” لذلك، وطور نفسه كعادته في الإصرار على استمرار استحواذه على “حياة” المستخدمين مقدما نفسه على أنه “مصباح علاء الدين”، لكن ما يبدو واضحا في الفترة الأخيرة هو تغير في سلوك المستخدمين أنفسهم، في تجاوز “الإطلالة” الجافة التي تسببت فيها أجواء الأخبار، وكذلك في تجاوز انحسار الخصوصية عن أنشطتهم على الشبكة، فجاء الاتجاه الكبير نحو “المجموعات” المغلقة.

من المدهش بشدة متابعة النمو الكبير والمتزايد لاتجاه مستخدمي فيسبوك إلى تكوين مجموعات عامة مغلقة، يتشارك أفرادها الاهتمامات نفسها، ليست مجموعات عائلية صغيرة، ولا مجموعات زملاء العمل ولا المهنة الواحدة، بل مجموعات يكون المشترك بين أعضائها هو هواية أو خبرة. أتحدث هنا عن المجتمع المصري، ومن المعروف أن المصريين من أكثر الشعوب استخداما للفيسبوك إن لم يكن أكثرها، وذلك باعتبارها شبكة التواصل الاجتماعي الأقرب لمزاجه، ومن هنا (بعيدا عن الإحصائيات) نجد نموا و”تنوعا” في المجموعات، باعتبارها البديل الأفضل عن التايم لاين الخاص بالحساب الشخصي، وعن الصفحات المفتوحة، فمؤسسي ومديري الصفحات يطلبون الإجابة على بعض الأسئلة للتأكد قدر الإمكان من جدية طالب العضوية، ويتشارك الأعضاء في الاهتمامات التي تأسس “الجروب” لأجلها، ليست اهتمامات عامة كما كانت حتى وقت قريب، ليست جروبات للنساء فقط ولا الرجال فقط، بل لموضوع واحد فقط.

أحد أجمل وأحدث هذه الجروبات ومن أسرعها نموا، جروب Dorganize، هو مغلق وللنساء فقط، وفكرته ذكية للغاية حيث تدور حول إعادة الترتيب والتدوير باستخدام الموجود والمتاح، وتوظيف إمكانيات بسيطة بطريقة ذكية ومبتكرة ومبدعة، هذا الجروب باعث على البهجة بشكل متجدد، فليس فيه سوى أفكار مُحبة للحياة، ومواهب مدفونة تجد طريقها، وفرصة ذهبية لتبادل الأفكار والخبرات.. والبهجة، صور جميلة لـ”قبل وبعد”، قدرة مذهلة على تحويل البيوت إلى أماكن دافئة وحميمية بعيدا عن أذواق المُنتَج الجاهز، وبأقل التكاليف، ذكرني كثيرا بالمهارات التي كانت يتم تعليمها في المدارس قديما، وكانت نتيجتها أشخاص قادرين على التعامل بذكاء وذوق مع تفاصيل البيوت، ليس كل شئ يحتاج إلى أن نشتريه، هناك الكثير يمكن تصنيعه في البيت، مما يضفي بهجة وتجديد وبأقل التكاليف. تخيلوا ما يقرب من 145 ألف امرأة تتبادل خبرات وأفكار جمالية لبيوتهن، شيء رائع بالتأكيد!

هذا الجروب يذكرني بآخر مشابه فيما يبثه من طاقة إيجابية، وإن كان أقدم عمرا، وهو Health Keepers، والذي أضاف خبرات إيجابية لكل أعضائه الذين يتبادلون التشجيع والتحفيز لأجل حياة صحية من حيث أنماط التغذية وممارسة الرياضة والإقلاع عن التدخين.

هذهِ الأنشطة التي يقوم بها أعضاء الجروبات بعيدا عن زحام التايم لاين، كلها بالصورة والفيديو، هي ميديا متعة للغاية.. ومتخصصة للغاية.

من ناحية أُخرى، تلفت نظري تسجيلات الصوت على “التليجرام”، فقد انتشرت أيضا مجموعات مغلقة، يتشارك أعضائها في الاهتمامات نفسها، وبالإضافة إلى الرسائل تكون هناك التسجيلات الصوتية، خاصةً إذا كان مؤسس المجموعة هو وحده الذي يتولى الإرسال، هذه المجموعات تبتعد تماما عن الأخبار والسياسة، أفرادها يبحثون عن السلام النفسي، والاستمتاع بالحياة، وممارسة الهوايات، وتلعب التسجيلات الصوتية الدور الأكبر في هذا الوسيط.

ما فات يمكن اعتباره “ميديا”، فهو يعتمد الصوت والصورة والفيديو إلى جانب النص المكتوب، ويخدم أفرادا يتشابهون في الاهتمامات، ويحظى بتفاعلهم ومتابعتهم، ويقدم خدمات هناك من يحتاجها بالفعل، وكل هذا ينطوي تحت مسمى الميديا، بل هي ميديا متخصصة، حتى وإن كانت ميديا “الغرف المغلقة”.