ماندو موهبة.. هل تعادي ميديا الحرافيش المرأة؟

فاطمة خير

“ميديا الحرافيش” هكذا أطلقت عليها وهكذا أراها، فهي “ميديا” متكاملة تتضمن الفكرة والتنفيذ، وهي معبرة بشكل مباشر عن فئات لا فرصة أمامها في عالم الميديا التقليدية، لكن ذلك لم يكن عائقا أمام التعبير عن نفسها من خلال أدوات الميديا الحديثة، فطالما هناك “موبايل” وبرامج مونتاج و”إنترنت”.. ويوتيوب، فلا شئ ينقص “الإنتاج”، ميديا هدفها الواضح والمباشر هو الربح، وهي قادرة على تحقيق ذلك بذكاء التجار، ميديا يقف خلفها حلم وربما مواهب لا أمل لها في منافسات تقليدية، ميديا تفهم جيدا الجمهور الذي ترغب في الاستحواذ على اهتمامه.. وأيضا بغرض الربح أولا.

نرشح لك – فاطمة خير تكتب: ميديا الحرافيش والمهمشين.. الوريث العصري للميديا التقليدية

“ماندو موهبة” هو اسم القناة الرئيسية للشاب ماندو، وضمن القنوات المرتبطة بها قناة فرعية تحمل اسم “ميديا الفن”، قناة “ماندو موهبة” لديها 126 ألف مشترك، ولكن بعض فيديوهاته تتعدى مشاهدتها المليون في وقت قصير نسبيا بالنسبة لشاب عادي جدا لا عناصر نجومية لديه!

لا تخلو عناوين الفيديوهات من أخطاء إملائية، وهي ليست صدفة، فبرغم الإنتاج المتزايد للفيديوهات، إلا أنه من الواضح أنه لا أحد يهتم بهذهِ النقطة على الإطلاق، وتتنوع العناوين معبرةً عن تنوع الفيديوهات ذات الموضوعات التي تجذب اهتمام متابعي الفئات الشعبية، بل أنها تستفز الجمهور للمشاركة بالتعليقات ما بين مؤيد ومعارض، بمعنى آخر: تفاعل حقيقي.

تتراوح نسب المشاهدة بين الفيديوهات، لكن ذكاء التاجر اكتشف أن الفيديوهات التي تظهر فيها المرأة مخطئة هي التي تحظى بنسبة المشاهدة الأعلى، وقد كان. أربعة أشهر كانت كفيلة بأن تتحقق فيها أكثر من مليون مشاهدة لفيديو يحمل عنوان “فتاة جميلة تقع في حب صاحب أخوها”، بالمناسبة.. الفيديوهات تتخللها إعلانات كثيرة.

مرور سريع على الفيديوهات يظهر الصورة التي تقدمها عن المرأة: “سابت خطيبها بمقابل عربية بـ2 مليون جنيه”، “لما تخبطك عربية ويطلع اللي سايقاها موزة حلوه مش هتصدقه عملها اي”، “بت بتحكي لصحبتها بعمل اي انا وزوجي في البيت بعد جوازنا بـ يومين”، “فتاة تسخر عروسة من الجن لتجعل حبيبها يعشقها لكنها انقلبت عليها”.

يلعب المونتاج دورا مهما في التغلب على بساطة الإمكانيات الإنتاجية، لكن يبقى الأهم هو “الفكرة”، فالفيديوهات تحمل وجهة نظر سلبية عن المرأة، شديدة التخلف وتعتبرها محلا للانحلال والخيانة والتسبب في التفرقة بين الأصحاب، وكلنا نعرف أن الفكرة هي شئ خطير.

فيديوهات “ماندو موهبة” تحظى بالمشاهدة، وتتلقى فيها المرأة الصفعات من الجميع. لا تخلو الفيديوهات أيضا من “العبر” والتي يحبها المزاج الشعبي، وينتقد سلوكيات سلبية، على سبيل المثال الشاب الذي يرتبط بفتاة ثم يرفض الزواج منها لأنها “مشيت معاه” قبل الزواج، فيسخر القدر منه ويتزوج فتاة كانت على علاقة بآخر تركها للسبب نفسه، لا يبدو الموقف هنا فيه إنصاف للمرأة قدر ما يبدو الدافع أخلاقيا.

ويظهر في الفيديوهات “ضيوف شرف”، وشباب يبدو جدا أن ظهورهم لاستعراض مواهب غنائية، وهو ما يعني وجود تنظيم جيد للعمل. موهبة ورغبة في التحقق وجهد وذكاء في التعامل مع أدوات التكنولوجيا، كلها تقف وراء هذهِ الفيديوهات، لكن بكل تأكيد فإن غياب الرؤية يجعلها خاوية من المعنى، بل أنها تؤكد على إعادة تدوير قيم متخلفة ورجعية، على سبيل المثال فيديو من المفترض أنه كوميدي، يحمل عنوان “فتاة جميلة تشرب سجاير أمام الناس في الشارع مش هتصدق رد فعل الشباب عليها”.

تظل هذهِ الميديا مدهشةً بالنسبة لي، ففيها عفوية وذكاء وحدس، وأجمل ما فيها إيمان أصحابها وفرق عملها بأنفسهم، ورغبتهم في التواجد والمنافسة، نحن بالفعل أمام عصر جديد في هذهِ الصناعة، هي ليست بديلا بالتأكيد عن الميديا التقليدية، لكنها أوجدت لنفسها مكانا.. ومكانة لدى متابعيها، يبقى أن إنتاجا بلا رؤية.. لا يعول عليه.