متقوليش يا ليفي.. عن صاحب المقام والفيلم الإسرائيلي

محمد سقراط

“ماتقوليش يا ليڤي” هي إحدى الجمل الشهيرة لمحمود عبد العزيز A.K.A رأفت الهجان، قالها بانفعال لمحسن ممتاز A.K.A يوسف شعبان في أحد مشاهد مسلسل رأفت الهجان، في سياقٍ درامي معين بلغ فيه رأفت فيه مبلغه من التوتر فهو لا يعرف ما يعده له محسن ممتاز الذي كان في مرحلة إعداد وتجنيد رأفت ليكون مواطنا إسرائيليا، واختار له اسم ” ليڤي كوهين”، وكنوعٍ من التعايش أخذ يناديه بـ ” ليڤي ” حتى انفعل رأفت في مرة وقال له ” ماتقوليش يا ليڤي”.

 

نرشح لك: مخرج “صاحب المقام”: دور يسرا أهم دور في السينما المصرية



ملحوظة: الوصف السابق لا يوجد به حرق لأحداث المسلسل لمن لم يشاهده بعد!
المهم، استحضرت هذه الجملة وأنا أتابع الآراء التي تتجه إلى أن فيلم “صاحب المقام” فيلما مقتبسا من فيلمٍ إسرائيلي اسمه “مكتوب” إنتاج 2017، وتخيلت “سيدي هلال” A.K.A “صاحب المقام” مدافعا عن نفسه بنفس الجملة.. “ماتقولوليش يا ليڤي”.

كنت قد شاهدت فيلم “صاحب المقام” بالفعل واستفزتني فكرة كونه مقتبس أو “مسروق” كما يتداوَل – وبقوة – في أعقاب عرض الفيلم بساعات.

شاهدت فيلم “maktub” الإسرائيلي المصنف كفيلم كوميدي، وبعيداً عن مستوى الكوميديا والإفيهات الممكن تصنيفها بضميرٍ مستريح كـ “إفيهات للنسيان”، فأحداث قصة “مكتوب” التي تدور في زمن ساعة وأربعين دقيقية حول صديقين “ستيف” و “تشوما”، عضوان في عصابة مع فرد ثالث ظهر في مشهد واحد يقابلهما فيه في أحد المطاعم ومعه شنطة نقود لتسليمها لرئيس العصابة، فيتركاه ليتناول طعامه ويذهب ستيف وتشوما للحمام، لينفجر المطعم ويموت كل من فيه ما عدا ستيف وتشوما اللذان يصابا بالذهول وهما ينظران للضحايا في المكان، ويلتقط “ستيف” شنطة النقود ويخرجان من المطعم.
تشوما وستيف يعتبران نجاتهما بأعجوبة من الانفجار أمرا يستدعي الشكر والذهاب لحائط المبكى والحمد، ويعيدا التفكير في طبيعة عملهما، ويذهبان بالفعل، وخلال وجودهما أمام حائط المبكى يوجه “ستيف” حديثه ل “تشوما” فلا يسمعه الأخير ويلاحظ أنه أصيب بالصمم بسبب الانفجار، فيأخذ رسالة من الرسائل المتروكة في الحائط ويكتب له ما يريد أن يقوله، يذهبان إلى المنزل بعدها ويتناقشان في خططهما المستقبلية، ويقرران اقتسام النقود، ويواصل ستيف حديثه لتشوما بطريقة الكتابة، ويلاحظ تشوما هنا الرسالة التي أخذها ستيف من على الحائط أنها من رجلٍ يتمنى مالا ليسعد به زوجته كثيرة المتطلبات، ويقرران مساعدته استكمالا للحمد والعرفان لنجاتهما من الانفجار، فهما الآن يملكان الكثير من المال، خاصة وأنهما في اللحظة التي قررا فيها مساعدة الرجل كاتب الرسالة أصبح تشوما يسمع بشكل طبيعي واعتبراها علامة على أنهما يسيران في الطريق الصحيح.

بعد تحقيق أول أمنية يواصلان تحقيق ثلاث أمنيات أخرى مكتوبة في رسائل على حائط المبكى، والوقت المتسع لتحقيق هذه الأمنيات هو نفسه الوقت المتاح لـ ستيف حتى يسافر أمريكا آخر الأسبوع وحده، بعد أن قرر تشوما البقاء بعد تقسيم النقود بينهما، ويحاول رئيس العصابة خلال نفس ذات الأسبوع جاهدا التحقق من صحة روايتهما عن نجاتهما من الانفجار وضياع النقود فيه، فهو يشك فيهما.

آخر نصف ساعة من “مكتوب” هي المدة الأجمل من الفيلم وتبدأ فيها كمشاهد احترام القصة والحبكة – وهو العنصر ذو المستوى الفني الأقوى في الفيلم إن لم يكن الوحيد – فالأمنية الثالثة هي أمنيةٌ لطفلٍ يتمنى عودة والده الذي لا يعرفه، وتعرف كمشاهد أن ستيف هو والده الذي ينكره ظنا منه أن زوجته خانته، فهو لا ينجب، ويخبر تشوما بذلك عندما يواجهه تشوما، وعلى جانبٍ آخر، ومنذ بداية أحداث الفيلم، تشوما يعتني بهذا الطفل ويرسل لزوجة ستيف الهدايا والنقود ويخبرها أن ستيف هو الذي يرسلها لها، لتنتهي أحداث الفيلم بعودة ستيف لابنه واعترافه به بعد أن يتأكد.

ملحوظة: الوصف السابق يوجد به حرق لمعظم أحداث الفيلم..
وهو ملخص بسيط للقصة، يوضح خلو أحداث الفيلم من هدم ضريحٍ لأحد الأولياء – كما يشاع – ولا تتطابق شخصيات الفيلم الأساسية أو الفرعية، ولا فكرته أو الرسالة التي تتضمن أحداثه مع فيلم “صاحب المقام”.

وجه الشبه الوحيد هو التقاط رسائل يكتبها آخرون يضعونها في مكان له قدسية ما، ويسعى من يقرؤها لتحقيق أمنيات من كتبها، ويختلف دافع تحقيق الأمنيات في الرسائل اختلافا تاما، وهو وجه شبه لا يكفي للقول بأن الفيلم قصته مسروقة.

– صاحب المقام فيلم يغازل أحلام البسطاء أكثر مما يغازل الصوفية – كما يشاع أيضا من مجموع آراءٍ عدة – ويؤكد أن جميعنا على اختلاف “مقامنا” فنحن بسطاء، نحتاج إلى الأمل والعون وللدعاء، ولأن ننقي أنفسنا باستمرار، بعد أن تلوثت من أثر اللهث والسعي للمادة في حياتنا، غافلين عما تحتاج إليه روحُنا .. تمثل روحَنا في الفيلم.. “روح” A.K.A يسرا.

– صاحب المقام، فيلم يناقش قضية لم تناقَش من قبل، وناقشها بطريقة عذبة، سواء على مستوى الكتابة أو على مستوى التصوير والإخراج.

– صاحب المقام، وباستثناء إيمان السيد ومحمد ثروت، السمة الأبرز فيه هي أداء ضيوف الشرف، وتوظيفهم بشكل مؤثر، فريدة سيف النصر، هالة فاخر، ريهام عبد الغفور، إنجي المقدم، محمود مسعود، سلوى محمد علي. سلوى عثمان، محمد عادل.

– صاحب المقام، يؤكد نجومية “إبراهيم نصر” الله يرحمه، بنفس درجة تأكيد الأسطورة التي أؤمن بها، والتي تقول: “إن آفة محمود عبد المغني هي التجويد” قدم مشهداً مهمًا بأداءٍ أكثر من رائع، اتجه أداؤه بعدها إلى التجويد والاستظراف، وهي في رأيي سمة أساسية في أداء أدواره المميزة التي يقدمها بشكل عام.

– صاحب المقام، وبعد إذن الناس يعني، فيه انفعلت بمشهد إنجي المقدم في اللحظة التي حضنت فيها آسر ياسين، بنفس درجة انفعالي بمشاهد إبراهيم نصر ومحمود عبد المغني، وأعتبره من اللحظات المهمة في الفيلم والمعبرة بشكلٍ بليغ على مستوى الأداء.

– صاحب المقام، قدم بيومي فؤاد بشكلٍ مختلف، يقدم شخصيتين لتوأمين، لكل منهما اتجاه وطريقة تفكير مختلفة، كما أن التفريق بينهما بلدغة في حرف الراء لأحدهما تفصيلة ذكية بنفس قدر بساطتها.

– صاحب المقام، قدم يسرا أيضا بشكل مختلف، ولم أجد ظهورها بكثرة وفي أكثر من موقف في أحداث الفيلم غريبًا، يستوعب غرابة ذلك ويتقبلها من يستوعب دورها في الفيلم، ويشعر الرسائل التي توجهها، وكذلك من يستوعب اسم الشخصية التي تقدمها.. “روح”.

– صاحب المقام، لم تنتقل أحداثه بالتدريج المقبول والمقنع بشكلٍ كافٍ لمن يشاهد الفيلم إلى منطقة “رسائل إلى الإمام الشافعي”، كذلك غاب الإتقان عن خط رسالة “أمل” وبطلها “محمد لطفي”، بحيث تشعر كمشاهد أنه كان هناك أفضل في طريقة عرضها، ولم تكن على نفس درجة الإتقان في طريقة عرض قصص باقي الرسائل.

 

نرشح لك: مُلخص الكلام عن فيلم صاحب المقام



– صاحب المقام، من أجمل تفصيلاته هو اسمه، وما يحمله من تورية، فالمعنى القريب لصاحب المقام هو “سيدي هلال” الذي تهدم ضريحه، والمعنى البعيد هو شخصية آسر ياسين، الذي يظن أنه ملك كل شيء بذكاءه وثروته وغروره الذي يجعله لا يهتم ولا يقدر معنى أو أبعاد وجود ضريحٍ على قطعة أرض ينوي بناء كومباوند عليها ويتعامل مع فكرة هدمه ببساطة ولا يعبأ بأي نتائج سلبية عن هذا التصرف، لكنه يكتشف ضعفه الإنساني على كبر “مقامه”.

– صاحب المقام، سيدي هلال، أكاد أسمع صوته وهو يقول:
انتقدوني.. حللوني.. ناقشوني.. لكن لا تهدموا الضريح، ليس لأجل الضريح في حد ذاته فهو مجرد رمز

فإن هدمتموه فأنتم تهدمون “روح” قد توجهكم وترشدكم يوماً ما لطريق أفضل..
واتقوا ربنا ولا تقولوا أن قصتي مسروقة من فيلم إسرائيلي..
وعلى فكرة بقى، قصة فيلم “مكتوب” هي اللي مسروقة من فيلم مصري… “مهمة صعبة” إنتاج 2006 وان طارق علام ومجدي كامل هما ستيف وتشوما، وأن رئيس العصابة في الفيلم الإسرائيلي هو “لولو” A.K.A حجاج عبد العظيم في فيلم مهمة صعبة، على اعتبار أن دوري ستيف وتشوما ووظيفتهما في العصابة كانت تشبة وإلى حد كبير أدوار طارق علام ومجدي كامل في “مهمة صعبة”.. أفكر هنا بمنطق من يصل لنتيجة أن قصة “صاحب المقام” مسروقة من “مكتوب” وأن قياسه على نفس القدر من السذاجة في رؤيته لأوجه شبه كثيرة بينه وبين “صاحب المقام” الذي أسمع صوته واضحًا الآن وهو يقول “ماتقولوليش يا ليڤي”.