صناعة المسلسلات في مصر (5).. التأكد من أن القادم بعد 2010 مختلف

إياد صالح

في فترة الثمانينات والتسعينات، أصبح التلفزيون هو مصدر الترفيه الأول للجمهور المصري، ونجح في أن يسحب الجماهير بشكل كبير من السينما والمسرح، كان ذلك لأسباب مختلفة أهمها هو الاتاحة حيث دخل التلفزيون لكل منزل، وكذلك الظروف الإقتصادية التي جعلت الترفيه التلفزيوني المجاني يتصدر المسرح والسينما التي تحتاج لشراء تذاكر لمشاهدتها، وبالتالي كانت تلك الفترة هي العصر الذهبي للمسلسلات، حيث كان المسلسل الذي يعرض علي القناة الأولي يحظي بمشاهدة الجميع في مصر فلم تكن هناك اختيارات كما في زمن القنوات الفضائية.

نرشح لك: رمضان 2010 “نهاية وبداية”.. صناعة المسلسلات في مصر (1)


ومع دخول المسلسلات في عصرها الذهبي، كان هناك تغيرهام في صناعتها جعلها تختلف عن صناعة السينما وهي أن في المسلسلات كانت هناك نجومية “للمؤلف” مثل “المخرج” وهو ما لم تكن تقدمه صناعة السينما طوال تاريخها بسهولة “للمؤلف”.

 فقليل من كتاب الأفلام هم من حازوا علي نجومية وشهرة، فحتى علي مستوى الجمهور فكان يعرف أسماء مخرجي الأفلام وفي حالات قليلة كان يعرف أسم المؤلف.

نرشح لك: يحيى الفخراني – يسرا “معايير قياسية”.. صناعة المسلسلات في مصر (2)

 
أما في صناعة المسلسلات فالمتفرج العادي يعرف أسم “المؤلف” بل ويتحمس للعمل، من أسم مؤلفه، بالطبع كان لتجربة أسامة أنور عكاشة دورا هاما في تحقيق سقف أكبر لسيطرة ونجومية كتاب المسلسلات – وذلك موضوع أخرسنتحدث عنه لاحقا- ولكن كان الناس يعرفوا محمد صفاء عامر، صالح مرسي، محسن زايد، محمد جلال عبد القوي، يسري الجندي كما كان يعرف أسماء المخرجين مثل “يحي العلمي، مجدي ابوعميرة، محمد فاضل، إسماعيل عبد الحافظ، وجمال عبد الحميد وأحمد صقر”..ومن هنا أصبح للمؤلفين مشروع فني واضح كما للمخرجين.

نرشح لك: هل كانت الأزمة في الكاميرا الواحدة؟.. صناعة المسلسلات في مصر (3)


كل تلك المقدمة تقودنا لأحد عناصر، التراجع الفني والتقني لصناعة المسلسلات في الفترة من (2000 لـ 2010).. فمع سيطرة المعلنين والنجوم علي مسار الصناعة، مع تراجع مستوى المؤلفين فإن المستوي التقني والفني من المؤكد إنه سيتراجع وتصبح الأزمة واضحة وجليه، لأن حتي وإن كانت مسلسلات التسعينات ومطلع الألفية لا تحظي بأفضل تصوير وتقنيات إلا أنها كانت تقدم نصوص وسيناريوهات تحقق لها النجاح، ولكن مع ضعف السيناريوهات وضح جليا ضعف المستوي الفني والتقني لشكل المسلسل المصري

هذا مايجعلنا عندما نتناول عام 2010 ونتتحدث عن العمل الفني الذي يعد نقطة فاصلة، نذكر المخرج محمد ياسين، وما قدمه في مسلسل الجماعة، وذلك لأن الصناعة أصبحت في حاجة لمخرجين مختلفين، لأن الأزمة كانت أنه في حالة توافر النص القوي والجيد، فهناك أزمة في الحاجة لرؤية فنية وإخراجية مختلفة.

نرشح لك: صناعة المسلسلات في مصر (4).. هل كان “الجماعة” نقطة مفصلية للصناعة؟


في الجزء السابق توقفنا علي أن في نفس عام عرض مسلسل “الجماعة 1” كان هناك مسلسلين أخرين يؤكدان أن التغيير حدث بالفعل، بعد أن كان يقال أنه قادم، ودعني أذكرك أن مانتحدث عنه هو الشكل الفني والتقني للمسلسلات أكثر من أي شئ أخ.ر

العمل الأول هو: “أهل كايرو” والذي حقق نجاح كبير وقت عرضه، بالطبع كانت قصة العمل للكاتب بلال فضل وخط الجريمة ومن قتل “صافي سليم” ؟ له دور كبير في نجاح المسلسل، ولكن الأهم هو نجاح المخرج “محمد علي” أن يقدم تلك القصة بطريقة تختلف عن الشكل التلفزيوني المعتاد، فنفس هذا السيناريو كان من الممكن أن يقدم بطريقة تقليدية، بالطبع ساعده أن العمل بطولة جماعية.

  نجاح “محمد علي” كان في تقدم إيقاع للعمل، وصورة للشخصيات جعلتها حقيقية وواقعية بطريقة تختلف عن ما أعتاد الجمهورعليه، فمثلا هناك 4  حلقات تدور داخل كواليس فرح في فندق، وهناك شخصيات تتحدث لفترات طويلة بشكل كبير جدا، لذلك فالإختلاف كان في قدرة محمد علي أن يقدم الشكل التقليدي للمسلسل التلفزيوني علي مستوي الكتابة والدراما الكلامية كمحرك رئيسي للأحداث، لصورة وإيقاع حديث جعل العمل مختلف في تجربة المشاهدة ومختلف فيما كان سائد.

كان لـ محمد علي تجارب سينمائية بإخراج فيلمين، ثم قدم نفسه كمخرج مسلسلات قبل “أهل كايرو” بعام واحد من خلال تجربة مسلسل “حكايات وبنعشها- مجنون ليلي” في 2009، وهي التجربة التي كانت مختلفة حيث كانت تقدم مسلسل بقصتين كل قصة 15 حلقة ، ولكل قصة مخرج ومؤلف مختلف وممثلين مختلفين ، والعامل المشترك هو الأسم الرئيسي، وأن القصتين من بطولة ليلي علوي، تلك التجربة التي تكررت مرة أخري في عام 2010 وعمل فيها في العامين 4 من المخرجين جميعهم لم يخرج مسلسلات من قبل وفقط قدموا أفلام سينمائية وهم “مريم أبوعوف/ محمد علي” 2009 “سميح النقاش/ هالة خليل ” 2010
 وكان الوحيد الذي كرر تجربة إخراج المسلسلات في العام التالي مباشرة هو “محمد علي” في “أهل كايرو” وهو ما جعل لديه “العمدية” لتقديم عمل تلفزيوني مختلف، في تجربته الثانية.

العمل الثاني هو: “الكبير قوي” الجزء الأول، والذي جاء في قمة نجومية “أحمد مكي” الذي كان قد قدم 3 أفلام كوميدية حققت نجاحا ضخما جعلت تقديمه لمسلسل تلفزيوني حدث هام، سبق المسلسل فيلم “طير أنت” لأحمد مكي ودنيا سمير غانم ليقدموا المسلسل كذلك معا بل وظهر في الفيلم في أحد فصوله شخصية الكبير وهدية، وهو ما جعل الصحافة تتحدث أن المسلسل استثمار لنجاح الفيلم.

بالطبع كان للعمل دور كبير في تغيير شكل المسلسل الكوميدي خاصة مع تراجع عصر السيت كوم  “سنتحدث عن ذلك لاحقا” ولكن هنا نتحدث عن المستوي البصري والتقني للمسلسل، فلقد كان سائدا أن المسسل الكوميدي دائما هو الأقل اهتماما بعناصر الصورة سواء في الديكور أو الملابس أو طريقة التصوير، فالمشاهد لن يهتم بأي شئ فقط يريد أن يضحك، ولكن “الكبير قوي” كان أفضل بكثير بصريا وتقنيا من مسلسلات جادة قدمت في نفس العام والأعوام السابقة فبجانب قوة السيناريو، وجرعة الكوميديا الكبيرة “كان المسلسل فكرة أحمد مكي، وسيناريو مصطفي صقر ومحمد عز الدين وتامر نادي” ، وظهور أحمد مكي بشخصيتين” الكبير/ جوني” وكانا يظهران معا في مشاهد كثيرة نجح إسلام في التعامل معها بشكل مختلف “لتدرك الإختلاف يمكن أن تراجع مسلسل التوأم 97 أو تراجع مسلسل مريم 2015” .

حافظ المسلسل علي عنصر هام وهو وحدة الحلقة، فالحلقة الواحدة في حد ذاتها عمل فني له بداية ونهاية وإيقاع مثل الفيلم السينمائي، وكذلك خلق المخرج عالم “المزاريطة، وطبيعة الشخصيات، وشكل الموسيقي بطريقة تعد نقلة في صناعة المسلسلات بشكل عام، وطفرة في صناعة المسلسل الكوميدي .

” المسلسل قدم منه فقط 15 حلقة في ذلك العام، بعد أن نشر أخبار عن إصابة أحمد مكي بكسر في قدمه وإنه لن يستطيع إكمال التصوير ليقدم الجزء الثاني في العام التالي ويستمر حتى يصل إلى 5 أجزاء حتى عام 2015.

لم يكن لـ إسلام خيري أي تجارب إخراجية قبل “الكبير قوي” فقد كان يعمل كمساعد مخرج في السينما، لذلك فالعمل الأول له كمخرج كان هذا المسلسل، ويبدو أن “العمدية” في صناعة عمل مختلف كانت ناتجه من شغف التجربة الأولى خاصة أنه أكمل عمله كمخرج في صناعة المسلسلات وقدم 5 مسلسل أخري ولم يقدم حتى الأن أي فيلم سينمائي.

كان عام 2010، لحظة انتقالية في صناعة المسلسلات المصرية، وكما كان “الجماعة/ محمد ياسين ” هو بلورة للتطور الذي تنتظره الصناعة وكان “أهل كايرو/ محمد علي ” و”الكبير قوي / إسلام خيري”  هما التأكيد على أن القادم سيكون مختلف وأن الأزمة التي كانت تعاني منها الصناعة على المستوى البصري والتقني، وعلى مستوى الرؤية الإخراجية الحديثة تنتهي وأن القادم سيكون مختلف وأن العام التالي سيكون بداية لشكل مختلف …ولكن يبدو أن الأمر احتاج لعامين آخرين …للحديث بقية.