محسنة توفيق.. حينما غاب صوت "بهية"

إسلام وهبانمحسنة توفيق

بنبرة صوت يملؤها الشجن، وعينان يمتزج فيهما الدفء والكبرياء والأنين، حفرت الفنانة الكبيرة محسنة توفيق ملامحها في ذاكرة المشاهد العربي والمصري، والتي رحلت عن عالمنا فجر اليوم الثلاثاء، عن عمر ناهز 79 عاما.محسنة توفيق

قدمت “توفيق” التي ولدت في 29 ديسمبر 1939، العديد من الأعمال من حيث الكم والانتشار سواء في السينما أو المسرح أو التلفزيون أو الإذاعة، لكنها لم تتناسب مع موهبتها الكبيرة، فكانت بداية مشوارها الفني مع المخرج الكبير عبد الرحمن الشرقاوي، والذي اختارها لدور البطولة بمسرحية “مأساة جميلة”، عام 1962، وتقدم بعدها العديد من الأعمال السينمائية التي تبرز صورة المرأة في ستينات القرن الماضي.

كانت نقطة التحول في مشوار محسنة توفيق، بعد تعاونها مع المخرج الكبير يوسف شاهين، وتحديدا في فيلم “العصفور” والتي قدمت من خلاله دور “بهية” الذي خلدت فيه كل معاني الصمود والقوة ورفض الاستسلام، خاصة آدائها لمشهد النهاية وهي تجسد رفض الشعب المصري لقرار تنحي الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بعد هزيمة 1967، وهي تطوف في الشوارع وتنادي بكل قوتها “لأ.. هنحارب.. هنحارب”.

رغم تقديم محسنة توفيق للعديد من الأدوار المتشابهة في تركيبها الدرامي والتي يغلب عليها الطيبة والصدق، إلا أنها برعت في ترك بصمة خاصة لكل دور قدمته؛ فتجدها في دور “أنيسة” في مسلسل “ليالي الحلمية” الست الجدعة الوفية، وفي “الوسية” تجدها الأم الحنونة الصبورة، وفي فيلم “الزمار” ودور مريم صاحبة القلب الطيب التي تصارع الظروف والنظرة المجتمعية لها.. وغيرها من الأدوار التي أبدعت في تجسيدها.

 

“لا بد أن يشعر الفنان بمعاناة الناس حتى يصدقه الجمهور حين يعبر عنها”.. هكذا رأت محسنة توفيق الفن، فلم تكن بمعزل عن قضايا مجتمعها خاصة السياسية، فقد أدى تعبيرها عن رأيها ومواقفها الواضحة إلى اعتقالها بسجن القناطر الخيرية في عهد “عبد الناصر”، كما أنها ذكرت في العديد من الحوارات أن الأنظمة المتعاقبة كانت تصدر أوامر سرية بمنع مشاركتها بالأعمال، بسبب مواقفها السياسية التي تقف ضد الظلم أو الاضطهاد.

 

من يشاهد أعمال محسنة توفيق، لا يمكن أن ينسى تعبيرات وجهها ونظراتها، فهي من القلائل في الوسط الفني التي تستطيع أن تبوح بكل ما بداخلها بنظرة واحدة، تشعرك بمدى انكسارها، أو بقدر المسئولية الملقاة على عاتقها. كما أنها تمتلك صوت إذاعي بامتياز لا يمكن أن تنسى صداه بمجرد أن يذكر اسمها أمامك، وقد يعود ذلك أنها شقيقة لواحدة من أشهر الأصوات الإذاعية في الوطن العربي وهي “أبلة فضيلة”. فقد قدمت العديد من المسلسلات الإذاعية مثل “نبي الهدى”، و”قلب امرأة”، و”أنا وأنت وسنوات العمر”.

 

 

إذا أردت البحث عن أرشيف حوارات محسنة توفيق فلن تجد سوى القليل من اللقاءات التلفزيونية وبعض الحوارات الصحفية، فهذه الفنانة بالرغم من مكانتها في الوسط الفني لم تكن باحثة قط عن صخب الشهرة، أو الأضواء الزائفة، بل شغلها الشاغل هو تقديم قيمة فنية في كل أعمالها، لترحل ككل أصحاب الرسالات في هدوء تام، وتبقى صورتها “البهية” في قلوب عشاق الفن الرفيع.

محسنة توفيق

نرشح لك: محسنة توفيق.. مشاغبة في حب الوطن والفن

 

شاهد: أين اختفى هؤلاء