49 عامًا على مجزرة بحر البقر.. لا تبحث عن ضمير العالم

مجزرة بحر البقر

إيمان مندور

“أيها الأخوة المواطنون، جائنا البيان التالي.. أقدم العدو في تمام الساعة التاسعة و20 دقيقة من صباح اليوم على جريمة جديدة تفوق حد التصور، عندما أغار بطائراته الفانتوم الأمريكية على مدرسة بحر البقر الابتدائية المشتركة بمحافظة الشرقية وسقط الأطفال بين سن السادسة والثانية عشر تحت جحيم من النيران”.. هكذا قطعت الإذاعة المصرية بثها قبل 49 عامًا وأذاعت هذا البيان العاجل، لترفع غبار القصف وتعلن عن مذبحة بشعة لا تزال آلامها تتجدد في نفس التوقيت من كل عام.

البداية تعود لصباح يوم الثامن من أبريل عام 1970، والذي كان يبدو هادئًا كعادته لكن ما لبثت الأحوال أن تغيّرت ليُصبح أحد أسوأ الصباحات التي مرّت على مصر في تاريخها الحديث، وذلك بعدما أطلق الاحتلال الإسرائيلي طائرات الفانتوم الأمريكية و5 قنابل متتالية، وصاروخين على مدرسة بحر البقر الابتدائية المشتركة، التابعة لمركز الحسينية بالشرقية، ضمن تصعيد الغارات الإسرائيلية على مصر للقبول بإنهاء حرب الاستنزاف وقبول مبادرة “روجرز”.

المدرسة يبلغ عدد تلاميذها نحو 130 طفلاً كلهم بين سن السادسة والثانية عشرة، ومن حسن الحظ أن عدد الحضور يومها كان 86 تلميذاً فقط استشهد منهم 30 وأصيب 50 آخرون معظمهم بعاهات مستديمة، فضلا عن استشهاد وإصابة عدد آخر من المدرسين والأهالي.

دفعت الدولة وقتها 100 جنيه للشهيد و10 جنيهات للمصاب، وخلدت ذكراهم بجمع بعض متعلقات الأطفال من “مرايل” و”أقلام” و”كتب” و”أحذية” وما تبقى من ملفات، فضلًا عن بقايا لأجزاء من القنابل التي قصفت المدرسة، والتي تم وضعها جميعًا فى متحف عبارة عن حجرة أو فصل من إجمالي 17 فصلًا تضمها جدران مدرسة “بحر البقر الإبتدائية”، تعلو حجرة المتحف عبارة مكتوبة بخط اليد “متحف شهداء بحر البقر”.

أما إسرائيل، فكعادتها في تبرير الجرائم قالت إنها قصفت أهدافًا عسكرية فقط، وأن المدرسة كانت منشأة عسكرية مخفية، لكن مصر نددت مصر بالحادث ووصفته بأنه عمل وحشي يتنافى مع كل الأعراف والقوانين الإنسانية وأنه هجوم متعمد غير إنساني، ومع تصاعد التنديد بوحشية المجزرة، حدث استنكار وغضب دولي، إلا أنه كالعادة أيضًا كان سلبيًا، لكنه على الأقل أجبر الولايات المتحدة على تأجيل صفقة إمداد إسرائيل بطائرات حديثة، وتخفيف الغارات الإسرائيلية على المواقع المصرية، إلى أن انتهت العمليات العسكرية بين الطرفين بعد قبول مبادرة روجرز ووقف حرب الاستنزاف.

“الدرس انتهى.. لموا الكراريس بالدم اللي على ورقهم سال”.. في فجر هذا اليوم العصيب تلقت الفنانة شادية اتصالا من وجدي الحكيم يخبرها بكلمات الأغنية التي كتبها صلاح جاهين، وكان رد شادية: “أقفل وكلم أحمد فؤاد حسن عشان نسجل الأغنية بالإذاعة”، لتنهمر بالبكاء أكثر من مرة أثناء التسجيل، فيتوقف حتى تهدأ وتعود للتسجيل مرة أخرى.

 

أيضًا تناولت السينما المصرية هذا الحادث من خلال فيلم “العمر لحظة” عام 1978، من بطولة الفنان أحمد زكي وماجدة، والذي أذيعت فيه أغنية “بحبك يا بلادي” من كلمات فؤاد حداد وتلحين بليغ حمدي. وكذلك فيلم “حكايات الغريب” عام 1992.

 

 

قرية “بحر البقر” تمت تسميتها بعد الحادث بـ”الشهداء” لكنها لا تزال معروفة بين الأهالي باسمها القديم، ولا تزال جراح هؤلاء الأطفال الذين صبغت كراساتهم وأقلامهم بلون الدم شاهدة على أقذر مظاهر الوحشية التي لم يكف عن ممارستها الاحتلال الإسرائيلي حتى الآن، ولا ينتبه لها العالم.. أو كما قال جاهين: “إيه رأيك في البقع الحمرا .. يا ضمير العالم يا عزيزي.. دى لطفلة مصرية وسمرا.. كانت من أشطر تلاميذي…”.

مجزرة بحر البقر

نرشح لك: “شهداء بحر البقر”.. مستشفى بلا أطباء

شاهد: هبة الأباصيري في حلقة جديدة من برنامج “مش عادي”: “لا يمكن أن أرتبط بهذا الرجل”