عمرو الأنصاري يكتب: مصير صاحبة الجلالة في سرادق عبد الخالق ثروت

آفة حارتنا النسيان في أدب نجيب محفوظ وفي الحياة، ولكي يتعلم الجميع أن يقولوا الحق يجب أن يتعلموا سماعه -كما يقول الأديب والشاعر البريطاني صمويل جونسون- نذكر لعل الذكرى تنفع المؤمنين.

تأتي انتخابات نقابة الصحفيين في مارس المقبل في مرحلة فاصلة من عمرها الـ78، وقد أصابتها الشيخوخة وأصاب مفاصلها ما يصيب الإنسان في هذا العمر.

11 مرشحًا على منصب النقيب بينهم سيدة تتوزع الحظوظ الانتخابية فعليًا بين مرشحان يمثلان أكبر مؤسستين صحفيتين في مصر -الأهرام والأخبار- هما الأستاذ ضياء رشوان والأستاذ رفعت رشاد. في ظل عزوف واضح منذ عدة سنوات لكبار الصحفيين عن التصدي لقيادة النقابة وإنقاذها من الوضع المتدهور.

في المقابل 52 مرشحًا على عضوية مجلس النقابة يتنافسون في التجديد النصفي على 6 مقاعد، وهو عدد يعكس تراجعًا مستمرًا من الصحفيين عن التصدي للعمل العام لأسباب بعضها معروف والبعض الآخر يحتاج إلى المزيد من البحث والدراسة، ففي حين ترشح 101 صحفي في انتخابات 2011 ترشح 81 صحفي في انتخابات 2015، وتناقص العدد مرة أخرى في انتخابات 2017 ليصل إلى 74 مرشح – بحسب جمال عبدالرحيم رئيس لجنة الانتخابات- ناهيك عن الشعارات والبرامج المكررة التي باتت تجافي الواقع.

أوضاع كارثية يعيشها الصحفيون -بعكس نظرة المجتمع لهم- في ظل خلط شديد بين مذيعي التوك شو -ومنهم صحفيون- وبين القاعدة العريضة من الصحفيين، الصحفي المطلوب منه أن يكون مستقلاً برأيه أمينًا عليه، ويتحمل مسئولياته تجاه المجتمع كأحد أضلاع التنوير، محاصر من كل جانب، ما بين ظروف الحياة القاسية والأزمات المادية الطاحنة –الحد الأدنى للأجور غير مطبق-مرتب بعض الصحفيين عند التعيين أقل من 500 جنيه- وهو ما يضطر الصحفي إلى اللجوء للعمل في منصات صحفية متعددة -بعضها تحت بير السلم- حتى يستطيع الوفاء بالتزاماته الأساسية فقط، مهدرًا صحته وعمره و مهنيته ومهنته.

الصحافة مهنة مركزية مقرها القاهرة، جل مشتغليها من أبناء المحافظات المختلفة، انتقلوا للعيش في العاصمة سعيًا وراء حلمهم، لدينا زملاء عاشوا عمرهم وتوفوا قبل أن يحصلوا على شقة تمليك -ولو صغيرة- تقيهم شر الحاجة، قضوا أعمارهم في غربة “الإيجار” ومشاريع الإسكان الوهمية.

مؤسسات قومية في غرفة الإنعاش تحمل أخطاء الماضي وتعجز عن رؤية المستقبل -بفعل فاعل- ومؤسسات خاصة سياساتها التحريرية تنطلق صعودًا وهبوطًا وفقًا لرأس المال الحاكم، أدمنت الفصل التعسفي، وتراجعت كثيرًا، وصحافة إلكترونية ولدت سفاحًا ولم تجد من يعترف بها أو يضبط أدائها.

السوق الصحفي والإعلامي ضاق بأبنائه في ظل تخبط إداري وأزمات اقتصادية تعصف به، وزحام من دخلاء على المهنة أساءوا لها وعرفوا من أين تؤكل الكتف. صورة ذهنية سلبية- برعاية الدولة أحيانًا- تطارد الصحفي وتعيقه عن أداء مهنته، وتضيف إليه أعباءً فوق أعبائه التي تثقل كاهله.

“على راسهم ريشة” عبارة مغرضة رُوج لها، وأُخذ الصحفيون بذنب قلة منهم خرجوا عن دورهم واعتقدوا صلفًا أنهم قادرون على تحريك الرأي العام وصنع السياسة في مصر من الشاشات. هذه الأزمات غيض من فيض.

مجلس النقابة المزمع انتخابه في مارس القادم لديه مهمة انتحارية لإنقاذ المهنة وسط تفتُتً وصراع بين أبنائها -بما فيهم مجلس النقابة- شاهدنا كيف قسم الاستقطاب السياسي المجلس السابق إلى فسطاطين تصارعا طيلة العامين الماضيين على حساب المهنة ومصالح أعضائها في مشهد هو الأسوأ منذ إنشاء النقابة.

لا أعفي أيًا من الفريقين اللذين بنى أعضائهما في كثير من الأحيان انحيازهما وقراراتهما على موقف سياسي، أو مزايدة ومكايدة نقابية، أو مصالح شخصية، وليس على أساس المصلحة العامة ومستقبل المهنة التي تتعرض لخطر داهم.

النقيب السابق الأستاذ عبد المحسن سلامة وله ماله وعليه ما عليه نجح جزئيًا في مهمته الأولى-إذابة الجليد وتمهيد الطريق بين النقابة والدولة ومؤسساتها- بعد ما حدث في عهد النقيب الأسبق الأستاذ يحي قلاش.

حان الوقت الآن للمجلس القادم أن يصلح ما أفسده المجلسان السابقان ويجد حلول جذرية للمشكلات التي تهدد وجود الصحافة.

هذا المقال ليس الهدف منه دعم مرشح بعينه لكنه دعوة لزملائي الصحفيين أعضاء الجمعية العمومية للوقوف خلف مهنتهم فقط بعيدًا عن الأيدولوجيات السياسية والانتماءات العرقية أو المؤسسية.

كنا دائمًا في نقابة الصحفيين مختلفي الانتماءات متنوعي الثقافات متوحدين على المهنة. دعك من المسميات.. تيار الاستقلال، مرشحوا الحكومة وغيرها، نحي اعتبارات الصداقة جانبًا. لن أقول لك أنها أمانة، لكني سأحدثك بمنطق برجماتي، وأنت ذاهب إلى صندوق الانتخابات تذكر أن جمعك لنقيب وستة أعضاء تعرفهم أو تربطك بهم مصلحة أو علاقة على ورقة انتخابية دون وعي يمس مستقبلك ومستقبل أسرتك بشكل مباشر، وقد يقضي على ما تبقى من مهنة.

كن مسئولاً. الواقع الذي لا يخفى على أحد أن هناك ستة أعضاء موجودون الآن على مقاعدهم ينتظرون ستة أخرون ونقيب لتشكيل مجلس النقابة لعامين قادمين. منهم عضوان محسوبان على تيار الاستقلال وعضوان كانا مؤيدين لتيار الاستقلال في الدورة الماضية وعضوان ينتميان لجبهة النقيب السابق عبد المحسن سلامة، وجميعهم لهم منا كل الاحترام والمراقبة لأدائهم النقابي في العامين القادمين تمهيدًا للحساب في الجمعية العمومية القادمة.

حدد أولاً رؤيتك للمهنة ولوضعك كصحفي في عامين قادمين، ماذا تريد وما هي أولوياتك في ظل المرحلة الحالية التي تعيش فيها البلاد والتي لا يمكن تجاهلها، ثم اختر وفقًا لهذا الطرح ما تريد من الأعضاء ليكملوا المجلس ويحققوا أهدافك.

لنتحدث بصراحة دون مواربة:

هل ترى أن النقابة يجب أن تكون أحد أدوات مقاومة الدولة أو بالأحرى النظام؟ هل تريد أن تحتضن سلالم النقابة مظاهرات ووقفات احتجاجية لأعضائها أو لسياسيين ونشطاء ومعارضين؟

جيد.. اسمح لي أن أناقشك ما هو وضع الصحفيين والنقابة الآن؟ وما هي قوتهم وقدرتهم على التأثير؟ وهل تقبل بأن تستغل السلالم من الجماعة الإرهابية وأنصارها؟!

الحق مُزعج للذين اعتادوا ترويج الباطل حتى صدقوه -كما يقول الأديب الكبير يوسف السباعي- لكن حالة الانفصام عن الواقع، والنعرة الثورية المسيطرة دون امتلاك أدواتها لم ولن تؤدي إلا لمزيد من الخسائر.

تتناسى – وفي بعض التناسي إثم- أنه يحكمك كمواطن قبل أن تكون صحفيا قانونًا للتظاهر، وقانونًا لمكافحة الإرهاب، ناهيك عن قانون الصحافة والإعلام ولائحة الجزاءات الإعلامية التي تم التغول فيها على صلاحيات أصيلة لنقابة الصحفيين، وكلاهما وضعا في تقديري “بفوبيا الرأي”.

صرخت وملأت الدنيا ضجيجًا يوم أعلن عبد المحسن سلامة النقيب السابق زيادة البدل الصحفي -الجزء المكمل لمرتب الصحفي واقعيًا- : “هذه رشوة انتخابية لا نقبلها ” وقلت في زملائك الصحفيين المؤيدين له ما قاله مالك في الخمر، ثم هرعت لاستلام -الرشوة- ووجنتاك تنطقان بالسعادة”. إلى متى هذا التناقض، الذي يجافي الواقع ويزج بآخر معقل من معاقل حرية الرأي والتنوير إلى غيابات الجب؟!

دعونا نعود إلى الأرض ونتحدث على أرض الواقع. أولويات نقابة الصحفيين وأعضائها، يجب أن تكون التشريعات الصحفية والإعلامية التي تحدد عملك وهوائك الذي تتنفسه ومستقبلك ومستقبل أسرتك، والتي يجب أن يتم إعادة النظر فيها وفي أوضاع الصحفيين في حوار جاد وصريح مع الدولة لا بديل عنه.

ما زلت عند رأيي الذي كتبته في الانتخابات الماضية، لا يجب أن تستخدم نقابة الصحفيين سياسيًا لصالح تيار أو جهة أو أحد، لكن يمكن استخدام السياسة لتحقيق مصالح أعضاء النقابة بكل أطيافهم مجتمعين .

وبعيدًا عن حسابات الانتخابات التي احتفظت لورقة التصويت برأيي فيها دعني أحدثك عن رأي أود أن أشاركه وأناقشه معك زميلي العزيز. ليس لدي خلاف مع أحد من الوجوه القديمة من مجلس النقابة التي أعادت ترشحها مرة أخرى للانتخابات- بعضهم يترشح للمرة الخامسة-، لكني أرى أنه كان الأجدر بهم ترك المساحة لصالح تجديد دماء المهنة والعمل النقابي، فقد نالوا فرصة إدارة النقابة من قبل، وبعضهم لم يحقق

إنجازًا يذكر، فلماذا يصرون على التكالب على الكرسي، وما يمنحه من مزايا أبرزها القرب من مقاعد القيادة في المؤسسات الصحفية.

يكفي أن تعرف أن بعضا منهم طبع برنامجه القديم في الانتخابات السابقة كما هو، وهو دليل إدانة بأنه لم يحقق شيئًا من برنامجه الذي تم انتخابه على أساسه، ودليل استهانة بالجمعية العمومية يجب أن تدركها وتترك ردها على مثل هذه النماذج في الصندوق.

في هذا الصدد أطالب بوضع مادة تمنع تولي عضوية مجلس النقابة لأكثر من دورتين على أن يكون من حق هذا العضو الترشح لمنصب أكبر وهو النقيب.

كما أطالب بوضع مادة أخرى تمنع رؤساء التحرير ورؤساء مجلس الإدارة من الترشح لعضوية مجلس النقابة، أو تولي المنصب بعد نيل عضوية مجلس النقابة، فالتجربة أثبتت أن معظم من تولوا رئاسة التحرير من أعضاء مجلس النقابة انخفض أداؤهم النقابي إما لانشغالهم وإما لحسابات المنصب التي نتفهمها.

هذه التعديلات وأخرى يبقى لها اختيار التوقيت الجيد، ولا أظن أن الوقت الآن ملائم لإدخالها على قانون نقابة الصحفيين -الحصن الأخير- برغم الحاجة الماسة لتعديله بحكم الزمن والتطور.

نحن في حاجة ماسة لفتح حوار جاد وصريح مع الدولة والمجتمع عن الصحافة ومستقبلها للوصول لحلول جذرية لمشكلاتنا، فالانعزال ومخاصمة ما لا نرضى عنه لن يجدي ويحولنا من فاعل إلى مفعول به، يُعبث بمهنتنا من غير المتخصصين وممن لا يدركون أهمية الصحافة وقوتها الناعمة.

حوار فيه فهم لدور الصحافة وإدراك لطبيعتها كمهنة لها خصوصية، و”كاتلوج” محاولة تغييره تنتج كائنًا مشوهًا لا يمكنه أن يكون مساعدًا في مواجهة الإرهاب وبناء الأوطان.

حوار يقوم على الإصلاح الشامل للأجور، بما يكفي الصحفي حاجته، و يقيه شر الفتن، ويكفل له حياة كريمة أسوة بالقضاة وغيرهم من جنود الوطن. إصلاح في مناخ الحرية المسئولة، وفي نفس الوقت وضع لضوابط تطرد دخلاء المهنة، وتحفظ للمجتمع حقه من انتهاكات تلم به من بعض الصحفيين.

ضوابط تُلحِق من فاته قطار التطور بركب زملائه، وتلفظ من ينتهك ميثاق الشرف الصحفي وتعاقب –نقابيًا- وبشدة من يخرج عن الأعراف والتقاليد الصحفية.

لكن حوار الطرشان والتحدث في جزر منعزلة لن يصلح ولن يصل بنا إلى شيء. أخذ الحق حرفة وسبيل الله واضح ولا يجوز أن يخالطه غضب أو كبرياء.

نرشح لك: محمد عبد الرحمن يكتب: بكير الحلواني وشركاه

شاهد: يوم مش عادي في ضيافة الإعلامية رنا عرفة