حسن عبد الحميد.. خسر الأضواء وربح حب الجمهور

أسماء شكري

اعتدنا على أن يسعد الفنان بأجواء الشهرة ووجوده دومًا في دائرة الضوء، يستمع لإطراء الجمهور في خجل ويفرح بكلمات المدح من المعجبين ومطاردتهم له في أي مكان يتواجد فيه، ولكنه ينزوي بعيدًا عن الناس عندما تنحسر عنه الأضواء، وهو قرار ليس بيده ولكنه يصبح مجبرًا عليه في أغلب الأحيان، فلكل وقت أذان. ولكنه لأمر غريب أن يختار الفنان القدير الراحل حسن عبد الحميد البعد عن الأضواء بمحض إرادته، فهو طوال مسيرته الفنية – التي امتدت لما يزيد عن 50 عامًا – كان يكره الظهور الإعلامي سواءً في الحوارات الصحفية أو اللقاءات التلفزيونية، إلا من حوار صحفي وحيد أجراه مع جريدة مصرية، وآخر مع جريدة عربية.

كما أجرى لقاءًا تلفزيونيًا واحدًا في بدايات ظهور التلفزيون، كذلك ربما في عروضه المسرحية يكون قد أجرى بعض المقابلات التلفزيونية القليلة جدًا التي تخص العرض أو تخص الشخصية التي يجسدها، وكان حديثه يقتصر دائمًا على هذا الجانب ولا يتعدى الدقائق المعدودة، وكان ذلك يجري في صالة العرض المسرحي بعد أو قبل العرض وأحيانًا أثناء القيام بالبروفات المسرحية، كما تقول ابنته سندريللا.

كريمة مختار.. “الأم” التي نشاهدها بلا ملل

هل كان يخشى الأضواء وما يمكن أن تفعله بالفنان من أن يصبح مغرورًا أو تجعله ينشغل بها أكثر من فنه؟ أم أنها كانت طبيعته الخاصة وسمة في شخصيته؟ لا ندري أي الاحتمالين هو الصحيح، ولكن ما نحن متأكدون منه؛ أن حسن عبد الحميد صاحب بصمة في تاريخ المسرح المصري، وقيمة فنية كبيرة قل أن يجود بها الزمان.


الأسرة أولًا

وُلد حسن عبد الحميد في السادس من إبريل سنة 1932، بدأ شغفه بالمسرح أثناء دراسته الابتدائية حيث تميز في فن الإلقاء والنطق السليم للغة العربية، فكان الدافع لاختياره مع مجموعة من زملائه لتمثيل أدوار صغيرة على خشبة المسرح القومي، ومن هنا بدأ عشقه للمسرح الذي أعطاه عمره.

رفضت أسرته دراسته للتمثيل وفكرة أن يحترف العمل بالفن، فانصاع لرغبتهم والتحق بكلية الطب البيطري التي تخرّج منها عام 1956، وكان يدرس في ذات الوقت بالمعهد العالي للفنون المسرحية.

ولكن ظروفه الأسرية الصعبة اضطرته للسفر إلى السودان والعمل كطبيب بيطري، مما حرمه من إنهاء دراسته بمعهد الفنون المسرحية وكان متبقي له سنة واحدة على التخرج، ولكنه آثر الوقوف بجانب أسرته على تحقيق حلمه.


رائد المسرح الحديث

تقديرًا لموهبته الكبيرة، تقدم كل من الفنان الراحل زكي طليمات والفنان الراحل نبيل الألفي بطلب إلى عميد المعهد العالي للفنون المسرحية، الذي تقدم بدوره بطلب للسيد ثروت عكاشة وزير الثقافة حينها، ليتم استثناء حسن عبد الحميد حتى ينهي دراسته بآخر سنة دون أن يبدأ في الدراسة من جديد، وبالفعل تم قبول الطلب وأنهي “عبد الحميد” السنة الأخيرة بالمعهد عام 1960، وسافر بعدها في بعثة إلى يوغوسلافيا لدراسة أصول مسرح الثقافة الجماهيرية هناك.


كثيرون لا يعرفوا أن حسن عبد الحميد هو مؤسس مسرح الثقافة الجماهيرية في مصر، الذي أنشأه بعد عودته من البعثة، وجاب به كل المحافظات، ثم أصبح مشرفًا عامًا له، وتتلمذ على يديه العديد من الممثلين الذين أصبح معظمهم نجومًا، فلم يبخل عليهم بمعلومة أو نصيحة، وكان يساعدهم في أداء امتحانات قبولهم بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وكذلك في إخراج مشاريع تخرجهم منه.

كذلك كان أول من طبّق فكرة “مسرح الجيب” أو “مسرح الـ 100 كرسي”، وهو ما يُعرف بالمسرح التجريبي، بأدائه دور “نيل” في مسرحية “لعبة النهاية” لـ بيكيت إخراج سعد أردش، وقد صرّح في حوار صحفي له، أنه كان أول من مارس هذا النوع من المسرح في مصر، معبرًا عن أسفه بأن المسرح التجريبي لا يراه إلا المهتمون فقط، فقد كان يأمل أن يرتاده الجمهور العام‏ أيضًا.


قال عنه الفنان جورج أبيض: “حسن عبد الحميد فنان، وسوف يكون عملاق”، وقال عنه سخسوخ مدير المسرح القومي الأسبق: “إنه رائد المسرح الحديث”.

ظاهرة مسرحية عجيبة

يُعد حسن عبد الحميد ظاهرة مسرحية عجيبة، فقد كان يستطع أن يجسّد شخصية على المسرح في ثلاثين ليلة عرض بثلاثين أداءًا مختلفًا لكل ليلة، فلو ذهبت لتشاهده على المسرح يومًا ما وشاهدته في الليلة التالية، ستُفاجأ بأداء مختلف عن الليلة الماضية، وكأن الذي أمامك هو ممثل آخر غير الذي شاهدته بالأمس.

كان لا يحب المناصب، فرفض ترشيح الفنان محمود الحديني بأن يتولى منصب مدير المسرح القومي خلفًا له، فكان يرى أن ممارسة الفنان للأعمال الإدارية يشل إبداعه ويقيد خياله، وربما يعطل عمله كممثل.

الدراما التلفزيونية

اتجه للتمثيل في الدراما التلفزيونية، بعدما آل إليه حال المسرح، الذي فقد بريقه المعتاد، وعزف الجمهور عن الذهاب إليه وفضلوا الجلوس في منازلهم، ولكنه كعادته أبدع في أدواره على الشاشة الصغيرة، وقدّم أعمالًا محفورة في ذاكرة المشاهدين حتى اليوم، فمَن منا ينسى دوره الأشهر في مسلسل “رأفت الهجان”؟ بأدائه للشخصية الشهيرة “شارل سمحون” رجل الأعمال اليهودي؛ الذي أبدع “عبد الحميد” في أدائه بطريقة مختلفة عمن سبقوه من الفنانين.

لم يلجأ إلى تغيير طبقة صوته والاعتماد على النظرات الغريبة ورفع الحواجب؛ والملابس والشكل المحفوظ لشخصية اليهودي في السينما والتلفزيون التي سئمناها، ولكنه أتحفنا بأداء رصين هادىء دون انفعال غير مبرَّر، ونجح في نسج خيوط شخصية الأب الذي فقد ابنه وهو طفل، ووجد في “ديفيد” أو رأفت الهجان تعويضًا له عن ابنه الفقيد، مما جعل المشاهدين في حيرة: هل يتعاطفون مع “سمحون”؟! أم يكرهونه؟

مرة أخرى يُبدع حسن عبد الحميد داخل مسلسل “دموع في عيون وقحة”، في أداء شخصية يهودي إسرائيلي يُدعى “ديفيد”، يعمل لصالح جهاز الموساد، ويساهم في تجنيد “جمعة الشوان” ليعمل جاسوسًا للمخابرات الإسرائيلية.

وفي آخر مشهد بالمسلسل، تجلّت قدرات “عبد الحميد” الفنية في قراءة رسالة المخابرات المصرية إلى المخابرات الإسرائيلية، التي تُعلن فيها عن حصول مصر على أحدث جهاز إنذار في العالم تمتلكه إسرائيل، في ضربة موجعة للموساد، حيث نجحت تعبيرات وجه “ديفيد”، في شعورنا بمدى الحسرة والألم والذهول وهو يقرأ الرسالة.

قدّم بعدها عددًا من الأدوار في التلفزيون، مثل مسلسلات “للعدالة وجوه كثيرة” و”يتربى في عزو” و”الرجل الآخر” و”أوان الورد”.

رفض الماديات

تحكي ابنته سندريللا حسن، أن والدها كان ينتقي أدواره بعناية شديدة، ولم يقدم أي عمل على الإطلاق من أجل حاجته المادية، مشيرة إلى أنه كان خفيف الظل، مبتسم الوجه، متفتح العقل لكل ما هو جديد، ولم يعش في عزلة على الإطلاق كما أُشيع عنه.

عاش حسن عبد الحميد في حالة نفسية سيئة إلى حد ما في آخر عام من حياته، فقد كان يشعر بالشفقة على حال الفن و ما وصل إليه، حيث كان مبدأه أن الفن يجب أن يحمل رسالة للجمهور.


هدوء الرحيل

في يوم 21 أكتوبر سنة 2009، رحل حسن عبد الحميد في هدوء كما عاش حياته في هدوء، عن عمر ناهز الـ 77 عامًا، وهو الذي عاش ومات على أمل عودة المسرح لرونقه وبهائه وعودة الجمهور إليه مرة أخرى، فقال “عبد الحميد” في حواره الصحفي الوحيد، واصفًا نفسه: “أنا علي مدي عمري الفني أسبح ضد التيار، والله أعلم أن أملي دائمًا أن يعود الجمهور إلي المسرح.. ولكن كيف؟ هذه مسئولية المسئولين عن المسرح‏”، مضيفًا: “إنني لا أدعو للعودة إلي مسرح الستينيات، ولكنني أطالب بمزيد من المحاولات الجادة التي يقوم بها الشباب، والعواجيز أمثالي”‏.‏

إحسان عبد القدوس: سيدتان لهما الفضل عليّ

شاهد|فنانات ارتدين الحجاب وقررن الاعتزال الفني