سامي مغاوري: كيف ظل "شلبي" ببريق "السلوفان"؟

محمد حسن الصيفي

خلق الله الكون في ستة أيام، ليعلمنا أن لكل شيء في الحياة نهاية، ولكل مرحلة موعد، فهذه الحياة لعبة الحسابات والأرقام، حتى العمر نفسه.. في الأخير يتحول إلى مجرد رقم.

ومن هنا تتجلى قيمة الوقت، وتتجلى قضية الحساب، وتعمل البنوك، وتتدفق الأرقام، ونلوم أنفسنا، ونسخر من إهدارنا للوقت بشكل عنيف، وفي المقابل يظهر رجل يحصل على نوبل لأنه حقق اكتشافًا مذهلًا في قيمة الوقت، والأغرب أن يكون هذا الرجل مصريًا خالصًا وهو “العالم الشهير أحمد زويل”!.

وبما أن الوقت قيمته ثابتة، وبما أن للطفولة وقتٍ معروف وكذلك للشباب والنضج وصولًا لسن الشيخوخة، وحتى الطعام له وقتًا محددًا لكي ينضُج ويصبح طعامًا طيبًا للآكلين، وعلى هذا النحو فكم من الوقت تحتاج الموهبة لكي تُعبّر عن نفسها وتظهر قوتها مثل سائر الأشياء؟!.

نرشح لك: محمد كامل الذي مات مرتين فعاش للأبد

وكما توصل “زويل” إلى الفيمتو ثانية في العلم، فهناك سامي مغاوري، والذي قام بدوره وتوصّل إلى نظريّة الـ “120” ثانية في الفن!.

نظرية لن تغير وجه التاريخ.. ولكن !

أحيانًا تحتاج الأمور إلى وقتٍ طويل، وأحيانًا العكس، لا يوجد قاعدة تشمل جميع العمليات في الحياة، لكن تلك النظريّة التي توصل إليها وتبناها سامي مغاوري لا تحتاج إلى وقت طويل، ربما تشبه عملية حسابية… ولكن على الآلة وليس على الورق.

هل تعرف المدة التي ظهر فيها سامي مغاوري على الشاشة في فيلم الساحر؟

احتاج إلى 120 ثانية فقط، قدّم فيها موهبته على طبق من ذهب، ابتسم وغضب وامتعض وكره وأحب واحتضن طفله الصغير وودعه بنظرة قاتلة، نظرة تشبه تلك الأهداف التي يحرزها اللاعبون ولا ينساها الجمهور مادام على قيد الحياة.

كان ظهوره في الساحر على غرار مباريات الملاكمة التي تنتهي بالضربة القاضية.

سامي مغاوري موهبة ناضجة منذ البدايات، تشُعر وكأنه مفعم بخبرات ثقيلة، تجعله ناضجًا منذ اللحظة الأولى، تشعُر وكأنه ولد كبيرًا في عالم التمثيل دون أن يمُر بفترات مراهقة فنيّة أو ضغط أو تفكير.

ففي “ليلة القبض على فاطمة” يقف أمام العمالقة فاروق الفيشاوي، وفردوس عبد الحميد، وقفة متمرس، ومحنك واضعًا أقدامه على سلم الطريق الصعب.الرجل العناب

والحقيقة أن أداءه المتقن يبدو منطقيًا لكونه تعلق بالفن منذ الصغر، فهو من مواليد 1951 وهي أحد أكثر فترات ازدهار الفن في مصر، تعلق برموزه، وربما راوده الحلم أن يكون واحدًا من هؤلاء العمالقة الذين يشاهدهم على الشاشة.

و”مغاوري” عرف الطريق من البداية، فهو ممثل على مسرح المدرسة، وفي فريق ومنتخب الجامعة قبل أن يتخرج من كلية الحقوق جامعة عين شمس عام 1980.

خلفيّة مزدوجة

قبل 14 عامًا من مشهده المكثف الرائع في الساحر، كان لقاءه الأول بالساحر محمود عبد العزيز على الشاشة الصغيرة من خلال “البشاير”، ومن خلال دور عبد الهادي “شقيق البطل” أبو المعاطي، والمتابع للمسلسل الشهير لن ينسى أبدًا عبد الهادي، ولن ينسى الإفيه الأشهر خلال المسلسل “متنحش كده يا عبد الهادي”.

ربما كان للقائه بالعملاق محمود عبد العزيز من أهم سمات المرحلة، كان نوعًا من أنواع تثبيت الأقدام.

المصرية الخالصة

والمدقق في ملامح سامي مغاوري سيعرف أنه مصري، ليس مصريًا والسلام، بل مصريًا خالصًا، مصري حتى النخاع، العينان الجاحظتان، العمق في النظرات، الشعر الأبيض، الصوت الرخيم، حكمة التجربة والزمن، عوامل ومنحًا إلهيةـ عرف “مغاوري” كيف يستفيد منها بذكاء فطري وموهبة خالصة وهدوء يحسد عليه.

يحكي “مغاوري” في لقاء تلفزيوني قريب عن صدمته بعد حذف مشاهده بالكامل من فيلم “عسل أسود”، لكنها صدمة تليق برجل محنك، رجل خبير ومعتاد على امتحانات الحياة الصعبة والصادمة، الحقيقة أنني لا أتخيل أن أذهب لأشاهد فيلمًا أشارك فيه كممثل ثم ينتهي الفيلم دون أن أظهر..!.

يقول لقد صُدمت وقتها لكنّي لم أتحدث مع أحد من صناع الفيلم ولا حتى مع البطل أحمد حلمي، وتجدد التعاون واللقاء بيني وبين أحمد حلمي بعدها بفترة قبل أن يتحدث أحد صُناع الفيلم عن اضطرارهم لإلغاء بعض المشاهد لأن الفيلم أصبح أطول مما ينبغي!.

فعلها “مغاوري” بطريقة يحسد عليه، فعلها كطبيب يعرف نجاح العلاج بالصبر، وتصرف كمحترف يعرف أن الحياة دائمًا تستمر.

من شلبي إلى شلبي

وسامي مغاوري الذي قام بدور شلبي في المسلسل الناجح بشدة “عائلة الحاج متولي” في العام 2001، لم يعرف أنه سيحصد ناجحًا مبهرًا في شلبي آخر، “شلبي سلوفان” في فيلم الكارتون الشهير “شركة المرعبين المحدودة” الذي تم إنتاجه في العام ذاته، نجاح للصوت فقط هذه المرة، الصوت الذي جاء رخيمًا ملائمًا لعالم الخيال في أفلام الكارتون، كان نجاحًا يعني أن هناك مفاجآت في المستقبل، نجاحات ستأتي، وربما تأتي من الباب الذي لا تنتظره، ومن الباب الذي يمرر الصوت فقط من دون الصورة!.

ومراحل “مغاوري” في السينما والمسرح والتلفزيون طويلة، وممتدة ومتميزة، يخضع الأدوار فيها لأفكاره الخاصة، فيضيف عليها، ويمنحها اللمسة التي يراهن عليها المخرجون المصرون دائمًا عليه في هذا الدور أو ذاك.

وهو ما فعله في دور “رجائي” في سابع جار، وهو الدور الذي يبدو أنه خُلق لمغاوري لكي يمنحه الروح والنكهة الخاصة، وتجربته المتمرسة وبأدائه الكوميدي البارع في “ربع رومي” و “الرجل العناب”.
وبالأبعاد التي تحتاج لمبدع قادر على خلق أنماط أخرى وأشكال جديدة مختلفة عن الأدوار التي شاهدناها عشرات المرات على الشاشة، ولكن من الذي يصنع الفارق؟.

ونحن بصدد عشرات الأدوار لمبدع كبير، لا ينظر إلى المساحة، ولا يقيس الأدوار بالشبر، بل الكيفية والطريقة، والنور الذي سيضيفه على كل شخصيّة.

محمد متولي.. “بطاطا” الذي نضج على نار هادئة

شاهد: ملامح من حياة الفنانة شريهان