سناء يونس.. ملاك الكوميديا

محمد حسن الصيفي

مهما عاش الإنسان منا فعمره محدود، سنوات قليلة، والإنجاز فيها ضئيل، سألت نفسي هل لو كان للإنسان الوعي منذ لحظة الولادة لكي يختار طريقة للإنجاز والخلود فأي طريقة وأي مجال يختار؟!

الأقرب إليّ وإلى نفسي لو كان لي هذا الوعي المُبكر لاخترت أن أصبح كوميديانًا بلا شك، الخدمة الأعظم للبشريّة، أن تقف على المسرح، تُخرج الإفيهات من فمك مثل الطلقات المدويَة، لكنها ليست طلقات رصاص، بل طلقات محبة وفرح وبهجة تسحب الخدود لأعلى وتكشف النقاب عن الأسنان وكأنها عملية اكتشاف لمسرحٍ داخل المسرح !

نرشح لك: زيارة خاصة لمنزل شادية.. كواليس الاعتزال وأسرار السنوات الأخيرة

هل يختار الله الطيبين لكي يصيروا كوميديانات؟

ربما، ولم لا، وهم يقدمون أعظم الخدمات للبشرية، أعظم حتى من الاختراعات التي صعدت بالإنسان إلى القمر وقادته إلى نوبل !

وحدهم الكوميديانات هم الذين يبقون في ذاكرة الجمهور بصورة ملائكيّة، وهم في جنة الجمهور ونعيمها الخالد.

واحدة من هؤلاء الخالدين في جنات النعيم في ذاكرة الجمهور سناء يونس، تجلس في ذاكرتك بإرياحية شديدة، بمحبة، ومرح وابتسامة لا تبارح وجهك عند تذكرك لها، ولا تبارح وجهها لطالما كانت على الشاشة.

هل اختارت من البداية أن تكون ممثلاً رفيع المستوى لرسم الابتسامة؟

أم أن هذا كان رأي الأقدار؟!

على وجه الدقة لا نعرف، لكن ما نعرفه أن ما بين (1967-2006) عاشت سناء يونس حياتها الفنيّة حوالي 40 عامًا كرستها تمامًا للفن، كان أغلبها لخلق صورة جميلة على الوشوش.

ولدت سناء يونس بالزقازيق في الثالث من مارس عام 1942، قبل 25 عامًا من بداية احتراف التمثيل، أكملت دراستها وتخرجت فيها من كلية الآداب قسم الاجتماع، كانت قد بدأت فيها اكتشاف الموهبة من خلال مسرح الجامعة والمسرح الحر كممثلة كوميدية.

ثلاثيّة تاريخيّة

في تاريخ مصر العظيمة شديدة الخصوصية والاختلاف إفيهات كوميدية عاشت أكثر من أشخاص وأحداث كثيرة كان من المفترض أن تعيش لكنّها ماتت لأنها لابد أن تموت …

من هذه الإفيهات الخالدة “خليّه يمسكها يا فوزيّة” وهي العبارة التي يطلقها العبقري فؤاد المهندس لابنته”سناء يونس” في المسرحيّة الشهيرة سك على بناتك”

ولعبت في هذه المسرحيّة دور فوزيّة “المُبهر” أمام العملاق فؤاد المهندس والفنان الجميل محمد أبو الحسن من خلال مفارقات لا تنتهي بين الثلاثي، تجد نفسك تحفظ الكثير من النص الدائر، تجد نبرة سناء يونس محفورة في ذهنك يتردد صداها في أذنيك.

أي عظمة ممكنة بعد الوقوف أمام فؤاد المهندس وصوت ضحكات الجمهور ترج المسرح إشارة لنجاح حالة الانصهار الفني بين هذا الثنائي الخطير؟!

كان ذلك عام 1980 لكن قبلها بنحو ثلاثة عشر عامًا وقفت أمام المهندس عام 1967 للمرة الأولى في مسرحية “حالة حب” لتقوم بدور “توتو” صديقة البطلة “شويكار”

وبعد حالة حب وسك على بناتك عادت مرة أخرى للوقوف أمام المهندس في “هالة حبيبتي” لتقدم نجاحًا جديدًا معه، نجاحًا تُحسد عليه، جسدت خلاله دور مديرة الملجأ الذي توجد به الطفلة اللافتة للأنظار “هالة”..

من ينسى إفيه “شُعاع” في هذه المسرحيّة؟

توقف عند الشخصيّة

عشرات الأفلام والمسلسلات والمسرحيات في مشوار امتد نحو أربعين عامًا، لكن يتبقى السؤال.. كيف نجحت سناء يونس عبر الاختبار الطويل الممتد؟

الكوميديا صعبة، خاصةً في بلد أغلبها يملك الحس الفكاهي، صعبة بالدرجة التي تطيح بأنصاف وأرباع المواهب، بل وجعلهم مادة دسمة “للألش” والسخرية والكوميك في الآونة الأخيرة على غرار “تيجي تصيده يصيدك”.

وما يزيد الأمر صعوبة أن تاريخ الفنانات الكوميديات قليل، والبعض منهن حاولن وفشلن، لكن الملاحظ عبر تاريخ سناء يونس أن الأمر يعود إلى الشخصيّة نفسها.

فظهرت سناء يونس عبر برنامج “يا تلفزيون يا” مع رمسيس الفنان التشكيلي الساخر والذي امتد تقديمه عبر 20 عامًا، جاءت فيه سناء يونس تلقائية، بسيطة في أغلب الأحيان ومتواضعة، خجولة ومرحة، ولديها موهبة حقيقية وصارخة بالدرجة التي تشعرك أنها تمثل وتجسد الشخصيات بالسهولة نفسها التي تتحدث بها الأحاديث العادية أو حتى الصحفية.

امتلكت سناء يونس الروح البسيطة المرحة وهي الروح التي لا تنهزم بالسن ولا تتراجع عبر اختبارات الحياة، بل تزيد تأنقًا وجمالا بالتقادم.

في كل الأدوار التي لعبتها تركت بصمة، قبل أيام أعادت قناة نايل دراما مسلسل “الزوجة أول من يعلم” أحد أفضل المسلسلات الكوميدية المقدمة على الشاشة الصغيرة، مسلسل مدجج بالنجوم، لكن يظل حضور سناء يونس وتلقائيتها وحضورها الطاغي في مساحة الكوميديا … له مذاق آخر

شاهد| جولة داخل كواليس مسرحية خيبتنا للفنان محمد صبحي