20 تصريحا لـ إبراهيم عكاشة.. مخرج "العلم والإيمان" 

أمنية الغنام

الطيبة والخير إحساس ينتابك عند دخول منزله، ومع استقباله لك وبداية حديثه تشعر بحالة من الصدق والحنين إلى الماضى، فهو يحمل ملامح تلك الوجوه التي نراها على شاشة ماسبيرو زمان، فيتجسّد الوقار مع نبرة صوته والشيب الذي يعلو رأسه. كنت قلقة بعض الشيء قبل لقائي به حسب الموعد المحدد في منزله، لكن سرعان ما تلاشى هذا القلق ليتحول لنهم في معرفة كل ما هو ممكن عن تلك السنوات التي جمعته بالدكتور مصطفى محمود، وكيف كان برنامج “العلم والإيمان” سبباً في تتوطيد العلاقة بينهما لتصبح صداقة متينة.. هو المخرج التلفزيوني إبراهيم عكاشة خريج كلية الآداب جامعة القاهرة، والذي بدأ حياته العملية في التلفزيون وأخرج العديد من الأعمال والبرامج مثل “عالم الحيوان”، و”لقاء الإيمان” للشيخ الشعراوي، و”من الألف للياء” للمذيع طارق حبيب، وطبعاً البرنامج الأشهر “العلم والإيمان”.

وفي الذكرى التاسعة لرحيل دكتور مصطفى محمود، الذي فارق الحياة في 31 أكتوبر 2009، أجرى إعلام دوت أورج حاور مع صديقه المخرج إبراهيم عكاشة، والذي تحدث عن كواليس تصوير “العلم والإيمان” وأبرز ذكرياته معه وذلك من خلال التصريحات التالية:

1- أول مرة ألتقى فيها دكتور مصطفى محمود وجهاً لوجه كانت في عام 1971 أثناء اللقاء الأسبوعي الذي كان يعقده الرئيس السادات مع جمُوع الإعلاميين. عندها قال له السادات “إعملنا حاجة عن العلم والإيمان”، وجاء طلبه هذا على خلفية مقال كان قد كتبه د.مصطفى ونشر في روزاليوسف واصفاً فيه السادات بأنه رجل العلم والإيمان -حتى أنه كان يطلق عليه بعد ذلك الرئيس المؤمن- هذا المقال قد تمت إذاعته وقراءته لأكثر من ٥٠ مرة في الإذاعة والتليفزيون، حتى كان له صدى طيبًا عند الرئيس السادات وأعجب به.

2- لم يكن لدي د. مصطفى في ذلك الوقت أي تصور عن الكيفية التي سيتم بها تنفيذ البرنامج أو حتى الشكل الذي سيخرج به للنور، ووقع الاختيار على المذيع الراحل عبد الرحمن علي لتقديم البرنامج على أن يتولى د. مصطفى الإعداد، لكن اختلف التوجه السياسي لكلٍ منهما؛ مما جعل الاتفاق بينهما صعباً نوعاً ما، فلجأنا لعبد الرزاق نوفل وهو دكتور في مجال الزراعة لتقديم البرنامج لكن أيضاً لم يكن المردود هو المطلوب، حيث كان ينقصه الجانب الإعلامي. هنا اقترحت على دكتور مصطفى أن يقوم هو بتقديم البرنامج بنفسه لأنه سيكون الأقدر على نقل ما يقوم بإعداده بالشكل السليم صوت وصورة.

3- وبرغم قلقه إلا أنه وثق بكلامي وتقبل اقتراحي بأن يقدم البرنامج ولم يكترث لكوني أصغر منه بنحو 20 عاماً، فكنت أعلم مقدار حب الناس له، وبدأنا في تجهيز أولى حلقات “العلم والإيمان” ووقع الاختيار  على مملكة النمل لتكون موضوع الحلقة الأولى من البرنامج ولم يكن الحصول على المادة الفيلمية بالأمر الصعب لأني كنت وقتها مخرج منفذ لبرنامج “عالم الحيوان”.

4- قبل التصوير اتفقنا على بعض الأمور منها أن تكون الوقفات والسكنات أثناء كلامه قليلة وإن كان لا بد من الصمت لفترة أطول فعليه أن يذكر الله فيقول مثلاً سبحان الله والحمد لله. وأذكر جيداً أن حلقتي النمل والنحل كان لهما صدى طيبًا جداً لدى جمهور المشاهدين. أزعج هذا النجاح البعض حتى إن إحدى المذيعات – وهذا أمر غريب- تقدمت بشكوى لرئيس التلفزيون حول الاستعانة بشخص من خارج ماسبيرو لتقديم البرنامج!!

5- مع الحلقات الأولى للبرنامج استعنت بالمواد الفيلمية التي كانت تعرض من خلال برنامج عالم الحيوان، خاصة المترجمة منها وبعد انتهاء عرض جميع المواد الفيلمية المتاحة توجهنا لرئيس التليفزيون في ذلك الوقت لطلب المزيد من الأفلام العلمية ووافق بالفعل على سفر د. مصطفى محمود للخارج وإحضار الأفلام وخصص له مبلغ ١٥ ألف دولار، وعند عودته من الخارج كان الحال قد تغير وتولت تماضر توفيق رئاسة التليفزيون ورفضت صرف باقي المستحقات وقالت له “أجيبلك منين؟” مما أغضب د. مصطفى الذي لم يتجاوز أجره في بدايات البرنامج الجنيه والنصف عن الحلقة الواحدة.

نرشح لك: إنعام سالوسة: كيف حوّلت مُر “نعمة” إلى “عسل أسود” ؟!

6- بحكم علاقاتي وعملي في أكثر من مكان عرضت على رجل الأعمال المنتج الفلسطيني رياض العريان وكنت على معرفة وثيقة به فكرة أن يتولى هو إنتاج المزيد من حلقات البرنامج وذلك عام 1973، وكانت زوجته الفنانة عفاف شعيب حاضرة للقاء ودعّمت كلامي ووافق على فكرتي بعد أن كان متردداً في البداية وطلب مقابلة دكتور مصطفى وبعد لقاءنا به اتفقنا أن يكون أجر دكتور مصطفى ٣٠٠ جنيه عن الحلقة الواحدة وكذلك الوضع بالنسبة لي، على أن يتحمل ثمن شراء المواد الفيلمية من الخارج وطلب منا أن نجهز جوازات سفرنا للسفر إلى اليونان وتسجيل حلقات البرنامج من استوديوهاتها.

7- أول خلاف حدث بيني وبين د. مصطفى كان عند تسجيل إحدى الحلقات في اليونان حيث كان يعاني ببعض المشاكل في معدته ينتج عنها أحياناً بعض الأصوات التي يلتقطها الميكروفون، فما كان من مهندس الصوت اليوناني إلا إيقاف التسجيل ورفض الاستمرار فيه واتفقت أنا معه في ذلك مما أزعج د. مصطفى لكنه بعد إعادة الاستماع للتسجيل شعر أن الحق معنا واعتذر لي.

 

8- من الأيام الجميلة التي أذكرها تلك التي قضيناها في لندن سنة 1980، حيث واجهت تحدي تقني متعلق بنوع الأفلام المستخدمة في التسجيل، فلا يوجد في لندن أفلام تليسينما وكنا نعتاد استخدام أفلام 16 مللي، فقمت بنقلها على فيديو 1 بوصة وكتابة عنوان الحلقة عليه مثل “العنكبوت”…. الخ.

9- كان هناك مشروع لبرنامج جديد من 30 حلقة يشترك في تقديمه كل من د. مصطفى محمود والشيخ محمد متولي الشعراوي ترجع فكرته للشيخ صالح كامل وأخذ التلفزيون السعودي في الإعلان عن قرب إطلاق هذا البرنامج وأنه بمثابة لقاء عمالقة السحاب، لكن للأسف انتظرنا الشيخ الشعراوي لكنه لم يحضر وعرفنا أنه كان مريضا وأُلغيت الفكرة تماماً.

10- مع بدايات الحلقات الأولى للعلم والايمان كان التتر عبارة عن مختارات موسيقية متنوعة إلى أن لحّن الموسيقار محمد عبد الوهاب لحن خاص به، لكنه كان ذو إيقاع لا يتناسب وطبيعة البرنامج، فقرر د. مصطفى أن يخبر عبد الوهاب أنني تسببت في ضياع اللحن رفعاً للحرج وتوجه لمنزل الموسيقي وعازف الناي محمود عفت وطلب منه وضع لحن لتتر البرنامج، وبالفعل كانت تلك المعزوفة التي أصبحت من العلامات المميزة للبرنامج وأضافت له خصوصية شديدة.

11- كان إعداد 30 حلقة من برنامج “العلم والإيمان” يتطلب السنة وحوالي 6 شهور للمونتاج وحوالي 150 فيلما من المادة العلمية. دائماً ما كان د. مصطفى يرتجل في كلامه في البرنامج فهو لا يقرأ من سكريبت مكتوب بل كان متمكناً من المصطلحات وتفاصيل المادة التي يتناولها. وكان يحب كادر الكاميرا في وضع medium.

12- معرفتي بالدكتور مصطفى محمود تسبق لقائي به وجهاً لوجه، فقد كنت عاشقاً لكتبه وقرأت له معظمها وكانت أحد أسباب خلافي مع والدي في فترة من الفترات، وربما كان ذلك سبباً لترشيحي لإخراج البرنامج.

13- أذكر إحدى الحلقات التي كان موضوعها عن الزواج، أنه لم يوفّق في التعبيرات والجمل التي استخدمها لذلك تردد في عرضها ورفض كذلك إعادة تسجيلها وألغى فكرة موضوع الحلقة من رأسه. ومن طبيعته إذا تعّرض للنقد من أي شخص لا يهتم بالرد عليه بل يكتفي بالصمت.

14- توقف برنامج العلم والإيمان نهائياً في منتصف التسعينات وبقرار من من جهة ما بعد أن بلغ عدد إنتاجنا من الحلقات حوالي 700 حلقة موزعة ما بين التلفزيون المصري والقطاع الخاص، متمثلاً في الشركة العربية للإنتاج الإعلامي بالإضافة لحوالي 25 من إنتاج طارق العريان.

15- كان د. مصطفى عاشقاً لصوت عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ وكان يحب الاستماع لأم كلثوم وهي تغني “القلب يعشق كل جميل” كما كان يحب مشاهدة نجيب الريحاني.

نرشح لك: 12 تصريحًا للمخرج محمد حسين راشد.. أبرزها عن اختياره لعنوان “للكبار فقط”

16- من الذكريات التي لا يمكن أن تنتسى بأي حال من الأحوال أثناء عودتنا من اليونان إلى مصر في نوفمبر 1985، حيث أصرت عليّ زوجتي أن أحضر لها “بالطو أحمر” من هناك وكان الوقت ضيق ولم يتبقى سوى بضع ساعات على موعد الطائرة وأخذت أبحث عن البالطو المطلوب حتى وجدته، لكن للأسف عندما وصلنا إلى المطار أخبرنا الكاتب أسامة أنور عكاشة والذي كان متواجداً في رحلة لليونان أننا أضعنا موعد الطائرة وأنها أقلعت بالفعل، فعدنا إلى الفندق وفوجئنا ببكاء الناس وعند سؤالنا عن السبب كانت الإجابة أن الرحلة 648 مصر للطيران والتي كان من المقرر أن نعود عليها قد تعرضت للاختطاف من قِبل جماعة أبو نضال الفلسطينية ثم الضرب بعد ذلك وسقوط ضحايا.. وعلّق مصطفى محمود على تلك الحادثة بعد ذلك موجهاً كلامه لزوجتي “إنت فيكي شيء لله كل ده علشان بالطو أحمر”.

17- كان يحرص على تقديم مشروب القرفة باللبن لزائريه من باب الصحة وكان ينصحني بمراعاة نوعية وكمية الطعام التي أتناولها لأنها تؤثر على المخ.

18- من المعلومات المغلوطة عنه هو الإلحاد فقد كان قريبا من الله حتى أنه كان يشعر بوجوده ولو في مفهومه للحلم حيث كان يقول “إن الحلم بمثابة رسالة من الله لك لتكون شاهدة عليك يوم القيامة”. وكان يؤمن بالرؤى وحاول في سفرياته ورحلاته المختلفة أن يجد الكيفية التي تترجم بها الرؤى على أرض الواقع وتتحقق بالفعل إلا أن التفسير الذي وصل إليه أنها “حاجة من عند الله”.

19- شعر د. مصطفى بسعادة بالغة عندما قمت بتسمية أبنائي على اسمه (مصطفى ومحمود)، كما أنه هو من اقترح علي تسمية ابنتي باسم “مي” لأنه كان محبا لمي زيادة.

20- أخر مرة رأيت فيها د. مصطفى كانت في منزله مع بدايات مرضه الأخير وقبل انتقاله للمستشفى حيث طلب رؤيتي وقال لي حين رآني “أنا وقعت يا ابراهيم وأنا لا ليا في السجاير ولا أي حاجة” هنا بكيت وداعبته لأهون عليه قائلاً “كان لازم تشرب بريل”. رحمه الله كان إنسانًا بسيطًا في كل شيء في طعامه وشرابه ويتعلق بكل ما هو طبيعي ومفيد لجسم الإنسان ويبتعد عن كل ما يؤذي هذا الجسد، كما أنه كان يضع على جدران منزله وعلى باب الشقة ملصقات تحمل عبارة “لا للتدخين”، “ممنوع التدخين”، وعندما سألته عن السبب أجاب أن بعض الناس لا تستوعب ولا بد من تذكيرها.

21 تصريحا لـ أمل مصطفى محمود.. أبرزها عن اللحظات الأخيرة في حياته

شاهد: أبرز 7 تصريحات مثيرة للجدل للكاتب يوسف زيدان