محمد حكيم يكتب: يوميات مراسل.. بورسعيد وبلطجية الشبول

السطور التالية لا تقصد إدانة أي مكان أو شخص، لكنها تنقل انطباعات عايشها الكاتب خلال زيارة قصيرة لقرية فيها الطالح والصالح..

في الطريق إليها كنت أعيد قراءة كل ما كتب عن مجزرة بورسعيد التي قُتل فيها أكثر من سبعين شاب من مشجعي النادي الأهلي بدم بارد، في واقعة هي الأغرب والأبشع في تاريخ الكرة المصرية، اسم “الشبول” كان هو القاسم المشترك بين معظم ما قرأت بوصفها المكان الذي جاء منه منفذو هذه المجزرة.

كمراسل قديم واجهني سؤال اذا سلمت بأن بلطجية الشبول هم من نفذوا مجزرة بورسعيد، فمن طلب منهم ذلك؟ ومن مول هذه العملية القذرة؟

أعرف جيدًا أن البحث عن إجابة هذا السؤال لن ينتهي بي إلى شيءٍ، لكنه على الأقل قادني إلى الهدف من التقرير الذي أنا بصدد تنفيذه، فببساطة أنا مطالب بصناعة تقرير يرصد أوضاع الحياة في قرية الشبول، وليس بالتحقيق في تورط أبناء هذه القرية من عدمه.

ولأن تحديد الهدف من التقرير هو نصف صناعته، فقد ارتحت كثيرا لتحديد الهدف من تقريري لكن هذا الارتياح لم يدم.. “انتم رايحين الشبول، طب خلوا بالكم من نفسكم المكان ده لبش”، عبارة قالها أحد أهالي القرية الأقرب للشبول عندما وقفت اسأله عن مدخلها، ورغم أن كلامه حرك القلق في قلبي وفريق العمل المرافق لي، إلا انني استعنت بالله ودخلت الشبول.

نرشح لك: لماذا يشجع المصريون كرواتيا؟

كمعظم قرى مصر وجدتها، الشبول ليست غريبة ولا مختلفة، قرية مساحتها ٦ كم وتعدادها ٣٠ ألف نسمة، بها ما يقرب من ٣٠ مسجد بنيت جميعها بالجهود الذاتية.

الناس كانوا غاضبين من تشهير الإعلام بهم انفعلوا علينا في البداية ثم أدركوا أنك عندما تنزل بنفسك للبحث عن الحقيقة فأنت تستحق الدعم، تحدثوا معنا وأرشدونا لمعالم الشبول ونفوا كل ما قيل عنهم.

وسط طيبة الناس ودفاعهم المفهوم سألت أنا عن مصدر الرزق، فأخبروني أن بلد الثلاثين ألف نسمة ليس بها مصنع أو مشغل كبير، وتفهمت أنا الباقي.. “فعندما تغيب تنمية الإنسان لا تستغرب كثيرًا إذا انحرف جزء منه”، قلت أنا هذا الكلام لأحد أبناء الشبول، فقال لي بألم: “عندك حق وده فعلا اللي حصل هنا، الفقر والجهل خلى بعض الشباب ينحرف ويقبل يمشي في سكة البلطجة اللي رسمها بعض قيادات النظام السابق علشان يساعدوه في الانتخابات وغيره”.

الصورة تقريبًا كانت قد اتضحت والتقرير قد اكتمل فقررت مغادرة الشبول إلا إنني وجدت في جيبي ورقة كان أحدهم وضعها في وسط الزحام وكتب عليها رقم هاتف وعبارة تقول: “مش قادر اتكلم قدام الناس قابلني برة البلد”، زملائي في فريق العمل حذروني من الاتصال أو الانتظار، لكن الدافع الصحفي كان أقوى من أية تحذيرات فطلبت الرقم وانتظرت صاحبه.

“البلطجية هنا كتير، واللي يتكلم أو يفتح بقه يتأذى، يموتوا بهايمه أو يخطفوا عيل من عياله، وكفاية إني أقولك إنهم كانوا حواليكم وأنتم بتسجلوا علشان لو حد جاب سيرتهم ينتقموا منه”.

كلام هذا المصدر لم يضيف كثيرًا إلى صورة القرية المتهمة في ذهني لكنه أكد الصورة وأضاف طبعًا مذاق درامي لحكاية الشبول.