آذان "الديوك" يحرق "الشياطين" في روسيا

محمد حسن الصيفي

فازت فرنسا بالأمس على بلجيكا في مباراة نصف نهائي كأس العالم، روسيا 2018، بهدف للمدافع صامويل أومتيتي. ويبدو أن ديديه ديشامب في الطريق لإسكات معارضيه تمامًا خاصة حال اقتناصه اللقب الأغلى في العالم.

حققت فرنسا فوزها الأهم هذا العام حتى الآن، بينما لم يفلح هجوم الشياطين الحُمر في فك حصار الأسطول الفرنسي .

دخل ديشامب اللقاء بنفس التشكيل المعتاد باختلاف وحيد عن آخر مباراة حيث شارك ماتويدي أساسيَا على حساب توليسو لاعتبارات الخبرات والإمكانيات الدفاعية الكبيرة.

نرشح لك: شاهد: فرنسا تتأهل لنهائي كأس العالم 2018

والأمر ذاته لروبرتو مارتينيز الذي قام بإجراء تغيير وحيد عن آخر مباراة، حيث قام بإشراك موسى ديمبلي على حساب مونييه.

بداية موفقة

بدأت بلجيكا بالضغط العالي على فرنسا من البداية بطول الملعب من خلال القاطرة البشرية “روميلو لوكاكو” ومن خلال الأطراف “ناصر الشاذلي” و”إيدين هازارد” من خلال وسط ملعب مزدحم ومشاغب ويملك الثقَل الدفاعي “نظريًا” عن طريق الثلاثي؛ دي بروين وديمبلي وفيتسل.

تحقق لمارتينيز الضغط الذي من شأنه إرباك حصون ديشامب الدفاعية؛ فأهدر هازاردعن طريق ارتباك من الدفاع الفرنسي هدفًا محققًا بتسديدة قوية زاحفة على يسار المتألق هوجو لوريس. أعقبها هجمات أخرى أقل حدة ووضوح من تلك الفرصة، بينما ارتكن ديشامب للدفاع واستكان “شكليًا” للضغط البلجيكي، فأصبح هناك أحد عشر قميصًا باللون الأزرق “تحت الكرة” وقبل خط المنتصف بما فيهم أوليفيه جيرو وجريزمان.

مغامرة لم تنجح

بعد انكماش دام لثلاثين دقيقة بالتمام والكمال، بدأ الأسطول الفرنسي يتخلص من حالة الدفاع والاستكانة وتلقى هجمات هازارد ولوكاكو تحت الساتر الدفاعي، إلى مرحلة نشر القوات بانتشار في أنحاء الملعب. وبدأ الهجوم القوي بقيادة كيليان مبابي من اليمين وبوجبا وجريزمان من الوسط وماتويدي من اليسار، فجاءت أخطر فرص الشوط عن طريق بافارد “نقطة ضعف فرنسا الوحيدة” في الدقيقة 38 بصناعة مبابي وبانفراد كامل بالعملاق تيبو كورتوا الذي أنقذ مرماه من هدف محقق بتصدٍ رائع لكرة الأول.

كان أداء الفريقان يشير إلى أنه في حال صمود فرنسا أمام ضغط بلجيكا القوي حتى الثلاثين دقيقة الأولى؛ ستفوز باللقاء. وهو ما تحقق بالفعل واستمر الصمود حتى انتهاء الشوط الأول، ثم قام ديديه ديشامب بتطوير المعركة بالكامل عن طريق نقلها من ثُلث الملعب الأخير لديه إلى ثُلث ملعب المنتخب البلجيكي خلال آخر 15 دقيقة من الشوط الأول، وبتهديد حقيقي وخطير استمر حتى أحرزت فرنسا هدف اللقاء الوحيد بعد مرور 6 دقائق من الشوط الثاني عن طريق قلب الدفاع صامويل أومتيتي من ضربة ركنية.

لماذا تعثرت بلجيكا؟

كرة القدم تحتاج إلى أفكار جيدة، وبعد الأفكار يأتي التنفيذ، وفي حال عدم التنفيذ السليم لتلك الأفكار؛ تصبح مجرد حبر على ورق لا قيمة له.

روبرتو مارتينيز هاجم فرنسا بعنف منذ بداية اللقاء، وهو لا يلام على ذلك لو وفق لوكاكو وهازارد في ترجمة الفرص الحقيقية التي أتيحت لهما إلى أهداف، فهدف أو هدفين خلال ثلاثين دقيقة أمر رائع وكفيل بانهاء المباراة.

لكن ما هي الخطة البديلة لو صمد المنافس أمام الضغط الهجومي؟

إجابة هذا السؤال في منتهى الصعوبة، ففريق بلجيكا قدم كل ما لديه في نصف ساعة نارية ولم يوفق في التقدم فكان مقدرًا له أن يتجرع نفس الكأس الذي سقاه للبرازيل بالأمس القريب.

كان لابد لمارتينيز أن يفكر جيدًا ويسأل نفسه هل الهجوم العنيف من البداية هو أفضل الخيارات أمام فريق مثل فرنسا ؟

فرنسا تمتلك خط دفاع قوي ومن قبله خط وسط بمفهوم حائط صد هو الأقوى في البطولة عن طريق الخماسي أومتيتي/فاران/كانتي/بوجبا/ماتويدي؛ هل بعد كل هذا المجهود الرهيب ستمتد الشراسة الهجومية لباقي أوقات المباراة بنفس القوة والمعدلات؟ “راجع آخر عشرين دقيقة لبجليكا أمام البرازيل”.

وهل ستظل فرنسا هذا التلميذ المغلوب على أمره طوال المباراة أو ستظل صامتة حتى تتلقى “القلم السابع” على طريقة عنتر ولبلب ليكسب مارتينيز الرهان وينخرط الشعب البلجيكي في الأفراح للصباح؟

هل اعتقد مارتينيز أن الشوارع العشوائية الموجودة في خط دفاع منتخب البرازيل ستتكرر أمام دفاع يستمد أطواله وصلابته من برج إيفيل؟

الحقيقة أنه في الأغلب فكّر، لكنه كان أميل للهجوم بهذا الشكل تحت الاغترار بثمالة الأداء أمام البرازيل وقتلها على طريقة صيد الغزلان. و الواقع جاء مختلفًا وأيقظه من ثمالة الغرور ونخب النصر على حلول ديشامب التكتيكية التي طرحته أرضًا.

موسى ديمبلي لم يكن موفقًا بجوار فلايني ودي بروين، ولم يحقق الثقل المطلوب، ولم يضع بصمة مميزة في تطوير الهجوم، وبالمثل ناصر الشاذلي على الطرف الأيمن الذي وجد الباب مغلق تمامًا من هيرنانديز الذي لم يسمح له بأي اختراقات، فاكتفي صاحب الأصول المغربية بعدة كرات عرضية قام فاران وأومتيتي باصطيادها، وتراجعت خطوة خط هجوم بلجيكا مع غلق كل المساحات الممكنة أمام هازارد المرعب.

والسؤال هنا لماذا تم الدفع بالشاذلي على حساب كارسكو رغم أن الأخير أكثر مهارة وقدرة على المراوغة وإيجاد الحلول، ورغم أن الشاذلي قدم أداءه الأفضل على يسار الملعب في المباريات السابقة؟

وبما أن المصائب لا تأتي فُرادى كان لوكاكو بعيد عن مستواه طوال أحداث المباراة، وكأنه النسخة “المزورة” من لوكاكو الخيالي الذي دمر دفاع البرازيل بصورة لا تصدق. إلى جانب العامل البدني الذي يصب في صالح الفريق الفرنسي، فوقع مارتينيز في الفخ وفاز ديشامب وتحقق له ما أراد.

ديشامب يصنع المجد

ديشامب في هذه البطولة مدرب أكثر خبرة وأكثر واقعية وحرصًا من ديشامب “يورو 2016″، التي خسرها بشكل غريب في النهائي أمام رفاق البرتغالي كريستيانو رونالدو المنتقل حديثا لليوفي.

وكانت مباراة اليوم المحك الأصعب حتى الآن له، ساعده فيه السيناريو المتخيل لديه عنها، ومجموعة من اللاعبين تشعر وأنت تشاهدهم أنك تشاهد فريق متكامل وواثق يملك في كل خط من الخطوط عناصر هي الأفضل، فهل ستكمل فرنسا الرهان وتقدم مباراة نهائية كبيرة مثل اليوم وتحصد اللقب أمام ستعاني أمام طرف لم يتحدد بعد؟

الإجابة بعد أيام قليلة.