خروج الكبار.. انتهى زمن كابتن ماجد

محمد حسن الصيفي

على خلفية تتر مسلسل “قصة حب” التي تبدأ بجملة “ارجع يا زمان حن يا ماضي” تسللت لكتابة هذا الموضوع

من منطقة “ارجع يا زمان” تحديدًا، ونحن شعوب تعيش على الحنين إلى كل ما هو قديم، في الفن بفروعه وفي الأدب والثقافة وصولاً إلى كرة القدم.

كُنت أجلس لمشاهدة مباراة بلجيكا واليابان في المنزل، ومع هدف بلجيكا الثالث القاتل في شباك اليابان سمعت صرخة مدوية قادمة من المقهى القريب احتفالاً بالهدف !

ولا تفسير سوى أننا متأصلين على أفكار العراقة والأصل والتاريخ وصولا إلى منطق “الفرق الكبار” في كرة القدم

نؤمن بأن “للعيش” خبّازه، والناس في المقهى بمعادلة بسيطة رأوا أن بلجيكا هي خبّازه أمام فريق مثل اليابان، فبلجيكا الآن فريق ممتاز بلاعبين كبار يمتلكون مهارات رائعة يتألقون بها في ملاعب الدوري الإنجليزي والدوريات الأُخرى، فاتجهوا تلقائيًا لمناصرتها على اليابان التي ينبهر بها المصريون لكن في ميادين أخرى مثل التعليم وصناعة السيارات والحاسبات ..

إفيهات من زمن فات

من منطلق ما سبق نحن نتعامل مع كرة القدم ومع النسخة الحالية من بطولة كأس العالم بنفس المنطق، فخروج أسماء منتخبات لامعة أمثال “ألمانيا وإسبانيا والأرجنتين والبرتغال”

من الدور الأول أو دور ال 16 أثر على مزاج المصريين بالسلب، وشهد موجات سخرية مرتفعة من البطولة الحالية من الكثير من المشجعين حول العالم خصوصًا جماهير المنتخبات الكبار التي ودعت المونديال.

والأمر في هذه المسألة لايزيد عن مكايدة شاب أحب فتاة ثم قال لها بعد الانفصال “مش هتلاقي زيي”.

لكن الواقع غير ذلك لأن البطولة مستمرة، ولن تقل نسب المشاهدة لخروج أي فريق، ولن يقل الاهتمام والتغطية الإخبارية حتى صافرة النهاية، وإلا كان من الأولى مقاطعة البطولة بعدم تأهل فرق عريقة مثل إيطاليا وهولندا !

عودة للفرق الكبرى

نظريًا بقاء الفرق الكُبرى بلاعبيها الكبار أصحاب المليارات يضمن حبس الأنفاس حتى الرمق الأخير، لكن أحيانًا “بموت البطل” تزداد الأمور إثارة وتشويق وتعقيد وضرب المزيد من الأسئلة حول شخصية البطل الجديد المجهول الذي سيكشف لغز النهاية.

أما واقعيًا فمصطلح المنتخبات والفرق الكبرى إن لم يكن انتهى بالفعل فهو في الطريق !

لأن المتابع بدقة للبطولات الأخيرة لكأس العالم سيكتشف أن الخريطة تتغير تمامًا، فبعد بطولتي 1998 و 2002 ستجد أنه الفروق الفردية الكبيرة اختفت، خصوصًا بعد جيل “السحرة” في البرازيل 2002 بدءً من لوسيو وكارلوس وكافو وصولا لمدفعية الهجوم الثقيلة عن طريق ريفالدو ورونالدو وبيبيتو والظاهرة العبقرية رونالدينيو.

إلى هنا “شطبنا” وأصبح الطريق نحو التطور مكفولا “للأقوى والأسرع” في تراجع كبير في لأدوار المهارة.

الانطلاق إلى الجديد

فبطولة 2002 توجت راقصي السامبا أجمل المدارس الكروية في العالم على الماكينات الألمانية

ثم استيقظنا 2006 على صاعقة وصول الطليان للمنصة على حساب الديوك الفرنسية، وهم الطرف الآخر للنهر “ملحمية الدفاع حتى الموت”

صحيح عادت إسبانيا 2010 وانتصرت للكرة الجميلة، لكن ثمة شئ ذهب ولم يعد، حيث انتهت ظاهرة ” كابتن ماجد” واختفى اللاعب الأسطوري في مقابل العمل الجماعي البحت، إسبانيا فازت لأنها امتلكت فريق قوي وسريع ومتماسك في أعقاب خلق جوارديولا لعالم برشلونة البراق الجديد

وإذا تذكرت أسماء الجيل الذهبي للماتادور الفائز ببطولة أوروبا 2008 و كأس العالم 2010 ستتذكر أسماء عديدة وليس اسمًا واحدًا فقط، ستقول كاسياس وبويول وراموس وشافي هيرنانديز وأندريه إنيستا وماركوس سينا وتوريس وديفيد فيا …

وعلى نفس النهج فازت ألمانيا وأعادت للبرازيل نفس صاع 2002 ولكن بمنتهى الغدر والقسوة خلال النسخة السابقة 2014 ، فمرت على جسد البرازيل صاحب الأرض “رجل أمريكا اللاتينية المريض”، ومن رقصة السامبا المبهجة إلى دقائق حداد حزينة تحول الراقصون فيها إلى ركام بعد سباعية أبكت الملايين حول العالم من المحبين والعشاق للساليساو

 قبل أن تتخلص الماكينات من الأرجنتين أيضًا في النهائي برصاصة الفتى الوسيم ماريو جوتزه بطريقة “القتل بأناقة دون إراقة نقطة واحدة من الدماء”.

صحيح حلت اللعنة على ماكينات الألمان اليوم في هذه البطولة مثلما حلت على كثير من الأبطال الذين خرجوا من الأدوار الأولى في أعقاب بطولة التتويج.

وشهدت خروجًا حزينًا خافتًا من الدور الأول، لكن الثورة التي شهدتها كرة القدم لا سبيل لعودتها للخلف، القوة والسرعة اغتالت أحلام ميسي ورونالدو الرومانسية، بل وامتدت المقصلة لكل فريق توهم أنه سيفعل شيئًا برجل واحد دون الحصول على عضوية ثورة “القوة والسرعة” ودون تطبيق المفاهيم الجديدة التي أرساها هذا البركان.

مع الاعتذار للأبطال الخارقين

يبقى السؤال هنا بالنظر إلى الفرق الكبرى التي صمدت حتى الآن في البطولة، لماذا صمدت ولماذا لم تخرج جميعها لكي تصبح البطولة للقادمين الصغار مبكرا ؟!

الإجابة بسيطة، راجع المنتخبات الكبيرة التي وصلت إلى دور الثمانية، بالتحديد البرازيل وفرنسا وأروجواي وبلجيكا وإنجلترا.

البرازيل ليست السامبا بكامل النكهة والمذاق، لكن يتبقى إيقاع البرازيل والتمريرات القصيرة والسرعة والانسجام بين الجميع وعلى رأسهم مارسيلو وكوتينيو ونيمار وفيرمينيو.

فرنسا قبل أن تقول أنها من الكبار، عليك أن تنظر إلى معدل الأعمار والسرعة والمهارات لدى الفتى الطائر مبابي والرجل الذهبي أنطونيو جريزمان والقوة والإندفاع الرهيب لأصحاب الأصول الإفريقية بول بوجبا وكانتي وماتيودي وأومتيتي وباقي الرفاق…

أما أورجواي ستقول إن لديها سواريز وكافاني ولكن ماذا بعد؟

قبل سواريز وكافاني أصحاب أشهر عمليات الهجوم السريع وجلد الحراس ستجد قبلهم في التحضير من الخلف خط الدفاع الحديدي بقلبه النابض عن طريق الثنائي جودين وخمينيز قلبي الدفاع في أتليتكو مدريد التلاميذ النجباء في مدرسة سيميوني “الدفاع الجيد أولا قبل كل شئ” وخط وسط قوي وسريع، وتباريز العجوز صاحب الخبرة والأمل والعزيمة بعكازين ود لو كانا بمداد من حبر يسطر بهما تاريخًا جديدًا لبلاده.

بلجيكا كذلك وإنجلترا تاريخ قليل لكنهما فريقان شابان، بسرعات عالية وأداءًا قويًا يغلب عليه اللعب التجاري من الثاني والمهاري من الأول لكن ضمن منظومة عالم الكرة الجديد.

هذا هو الواقع وهذه سمات الكرة الآن، أداءً متقاربًا من كل الفرق بقليل من المهارة ومزيد من الجهد والعرق والتركيز حتى الدقائق الأخيرة واليقظة واستغلال أنصاف الفرص.

حتى أن منتخب مصر الذي ودع البطولة مبكرًا بانتقادات حادة صعد بنفس الطريق، آداءً دفاعًيا قويًا واعتمادً على اثنين من أسرع اللاعبين في القارة وربما في العالم “صلاح وتريزيجيه”