في ظل معايير "الأعلى للإعلام".. هذه المسلسلات لم تكن ستعرض !

أندرو محسن

صدر، اليوم الثلاثاء، نموذج معايير الدراما، الذي وضعته لجنة الدراما التي يرأسها المخرج محمد فاضل والتابعة للمجلس الأعلى للإعلام، ولاحقًا أصدر فاضل بعض التصريحات لتوضيح هذه المعايير، موضحًا أن العقوبات تبدأ من فرض الغرامات، مرورًا بإيقاف المسلسل.

نرشح لك – “العربي” تطلق مسابقة لتصميم غلاف عن محمد صلاح

الغريب هنا أن أحد المببرات لفرض هذه القوانين، هو الرغبة في عودة الدراما التليفزيونية إلى مكانتها التي افتقدناها منذ 2011، طبقًا لتصريح فاضل، والمتابع الجيد للمسلسلات قبل ذلك العام، يدرك تمامًا أن الأعمال المصرية مرت بفترة لم تكن الأفضل لها في تلك السنوات، وكانت هناك منافسة قوية بينها وبين المسلسلات السورية التي كانت في الأغلب تخرج بشكل أفضل.

من بعد 2011 ظهر جيل جديد من الفنانين، سواء خلف أو أمام الكاميرا وهذا الجيل في ظل سنوات قليلة ترك بصمات لا تنسى، بل إن بصماتهم امتدت لتغيير شكل الأعمال التي يقدمها النجوم الكبار مثل يحيى الفخراني ويسرا وغيرهما.

الآن لو طبقنا المعايير المذكورة على مسلسلات الأعوام الماضية سنجد أن أهم وأنجح المسلسلات، كانت ستتعرض للعقوبات بالتأكيد. ونستعرضها فيما يلي.

1- الأسطورة – 2016

الجميع يتذكر النجاح الذي يصعب تكراره لهذا المسلسل، وبغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف على جودته الفنية، فإنه لا يمكن بحال إنكار هذا النجاح.

يكسر الأسطورة عددًا من معايير الدراما المذكورة أبرزها:

“التوقف عن تجاهل ودهس القانون عن طريق الإيحاء بإمكانية تحقيق العدالة والتصدي للظلم الاجتماعي باستخدام العنف العضلي والتآمر والأسلحة بمختلف أنواعها، وليس بالطرق القانونية“.

في الحقيقة، قصة صعود شخص ما بشكل غير قانوني، والتي تنتهي عادة بعقابه وفي الأغلب قتله، هي السمة الرئيسية في كل أعمال العصابات، وهو ما كان حاضرًا بالتالي في هذا المسلسل.

هكذا ينبغي -بناء على هذه المادة- حذف هذا النوع (Genre) تمامًا من جميع الأعمال التليفزيونية القادمة.

2- جراند أوتيل – 2016

ظل هذا المسلسل لفترة طويلة مثار حديث بعد انتهائه، ليس فقط لمستواه الفني الجيد ولكن للاهتمام اللافت بالديكورات وتصميم الملابس بشكل ليس معتاد في الكثير من المسلسلات.

رغم أن هذا المسلسل يبدو بعيدًا عن كسر المعايير الأخلاقية التي وضعتها اللجنة، إلا أنه سيظل أيضًا غير مرضي عنه طبقًا للمادة التالية:

”من الأمور المستهجنة؛ استخدام القوالب الجاهزة المستوردة (التركي – الإسباني – الهندي..إلخ) وتكييف الموضوعات والشكل وفقًا لهذا القالب وهذه الأمور ولا شك تطمس الهوية المصرية للأعمال الفنية“.

ذكرنا اسم ”جراند أوتيل“ بوصفه واحد من أنجح المسلسلات، وقد بذل صناع المسلسل مجهودًا في صناعة معالجة جيدة، وإن كان هذا المسلسل ذو طبيعة خاصة فهو يستعرض مكانًا واحدًا وفترة تاريخية قديمة نسبيًا، فإن المادة السابقة تتجاهل الكثير من المسلسلات الأخرى التي قدمت معالجات جيدة مأخوذة من مسلسلات أجنبية، ولا يمكن بحال وصفها بطمس الهوية المصرية، مثل: “طريقي” و”حلاوة الدنيا”.

3- كفر دلهاب – 2017

مسلسل آخر ناجح وحقق نسب مشاهدة مرتفعة في رمضان 2017، هذا المسلسل الذي يتماس مع الفانتازيا. مرة أخرى ننحي جانبًا الخلافات على المستوى الفني، ونتفق على النجاح الجماهيري للمسلسل.

رغم اهتمام يوسف الشريف بطل العمل بدعوة مشاهديه لترك المسلسل والذهاب للصلاة، لكن هذا ربما لن يشفع لمسلسله أمام لجنة الدراما للمادة التالية:

”التوقف عن معالجة الموضوعات التي تكرس الخرافة والتطرف الديني كحل للمشكلات الدنيوية أو كوسيلة لمواجهة الشرور ومن ثم تغييب التفكير العقلاني والعلمي“.

رغم محاولات صناع المسلسل تبرير وتفسير الحيل التي قدمها البطل خلال الحلقات، والتي كانت في البداية تُعرض على أنها ممارسة للسحر أو نوعًا من المس الشيطاني، لكننا نعرف في الحلقة الأخيرة أن البطل ليس إلا تجسيدًا للشيطان، ولا ندري كيف كانت ستتعامل اللجنة مع مشاهد الرعب والمس الموجودة في الحلقات الأولى.

القاعدة السابقة أيضًا ستقف أمام مسلسلات ألف ليلة وليلة التي يعتمد جانب كبير منها على السحر والخرافات.

4- سجن النسا – 2014

بعد مسلسل ”ذات“ جاء ”“سجن النسا“ ليرسخ نجاح نيللي كريم، ويجعلها أحد أهم بطلات المسلسلات، مرة أخرى يبدو هذا المسلسل بعيدًا كل البعد عن كسر المعايير المقترحة، وإن كان يكسر بشكل واضح هذه القاعدة:

”ضرورة احترام عقل المشاهد والحرص على القيم وأخلاقيات المجتمع، وتقديم أعمال تحتوي على المتعة والمعرفة، وتشيع البهجة وترقى بالذوق العام وتظهر مواطن الجمال في المجتمع“.

لا يمكن بأي حال أن نصف ”سجن النسا“ بأنه ”يُشيع البهجة“ بل هو على العكس تمامًا مسلسل مأساوي، تتعرض شخصياته للكثير من الضغوط، وبعضها نابع بوضوح من المجتمع، وبالتالي فهو لا يُظهر ”مواطن الجمال في المجتمع“.

في الحقيقة تعد هذه القاعدة هي الأغرب، لأن عبارة ”تشيع البهجة“ تعني أن أي مسلسل يحتوي على مأساويات ستفرض عليه عقوبة! وكذلك المسلسلات التي تُظهر مساوئ المجتمع بغرض معالجتها هي مرفوضة.

لكن ليس هو العمل الوحيد الذي سيواجه مشكلات من أعمال نيللي كريم.

5- تحت السيطرة – 2015

هذا المسلسل الناجح أيضًا كان سيكسر القاعدة السابقة، ولكن ليست هذه القاعدة الوحيدة التي سيكسرها، إذ كان سيتعرض بالتأكيد للقاعدة التالية:

”تجنب مشاهد التدخين وتعاطي المخدرات التي تحمل إغراءات لصغار السن والمراهقين لتجربة التعاطي“.

رغم نهاية المسلسل التي أوضحت النتائج القاسية لتناول المخدرات، لكنه تعرض في الحلقات الأولى لحالات السعادة أو الانتشاء التي يشعر بها مدمنو المخدرات بعد تعاطيهم مباشرة، ونحن هنا لا نتحدث عن شخصية واحدة تتعاطى المخدرات في المسلسل، بل نجد معظم أبطال العمل يتناولونها وبأنواع مختلفة، وعرض عمليات التعاطي وتأثيراتها جزء من دراما العمل.

6- خلصانة بشياكة – 2017

حتى إذا ابتعدنا عن الأعمال التي لا تشيع البهجة، لن تكون الطريق آمنة. ربما لم يحقق هذا المسلسل النجاح المتوقع بالنظر إلى أبطاله، ولكنه بالتأكيد حظي بنسبة مشاهدة جيدة في حلقاته الأولى على الأقل. يكسر ”خلصانة بشياكة“ قاعدة أخرى وهي:

”عدم استخدام تعبيرات وألفاظ تحمل للمشاهد والمتلقي إيحاءات مسيئة تهبط بلغة الحوار، ولا تخدمه بأي شكل من الأشكال“.

لسنا بصدد محاكمة المسلسل على الإطلاق، ولكن المسلسل الذي كان يعتمد على الصراع بين الرجل والمرأة احتوى على عدد من التعليقات الساخرة والتمليحات الجنسية، وهو ما جعل بعض القنوات التي عرضته تحذف منه بعض المشاهد. نؤكد أننا لا نعني أن لغة المسلسل كانت مسيئة أو لا تخدمه، ولكن كيف سيكون تفسير اللجنة؟

7- الجماعة 2 – 2017

قدم مسلسل ”الجماعة 2“ سابقة في تتراته، إذ وضع قائمة بالمراجع التاريخية التي اُستخدمت في كتابة المسلسل، وهو ما أثار التحفظ، لأننا اعتدنا أن ندعو للفصل بين الوقائع التاريخية والعمل الدرامي، فلا يمكن التعامل بأي شكل مع الأعمال الدرامية على أنها وثائق تاريخية، للمؤلف حرية إضافة بعض التفاصيل التي تخدم حبكته، حتى وإن كانت لم تحدث في الواقع.

طبقًا للنموذج هناك المادة التالية:

”ضرورة الرجوع إلى أهل الخبرة والاختصاص في كل مجال في حالة تضمين المسلسل أفكارا ونصوصا دينية أو علمية أو تاريخية حتى لا تصبح الدراما مصدرا لتكريس أخطاء معرفية“.

هذه المادة تعارض بوضوح فكرة الفصل بين العمل الفني والوقائع التاريخية، ورُغم محاولات السيناريست الكبير وحيد حامد لأن يعتمد على الحقائق التاريخية في بناء وتقديم شخصياته، إلا أن هذا لم يعفه من التعرض لانتقادات تتعلق بالكثير من الحقائق المحيطة بالشخصيات، إذ تختلف حتى كتب التاريخ، خاصة مع الشخصيات الشائكة. وبالطبع لا يخضع العمل الفني في النهاية لما هو مكتوب فقط، بل يمكن لرؤية المخرج أن تغير الكثير في تفاصيل أي شخصية، وبالتالي سيكون هناك الكثير من المواجهات -طبقًا لنموذج معايير الدراما- مع الأعمال التاريخية.

8- بعيدًا عن رمضان

شهد العام الماضي ظاهرة مهمة جدًا للدراما التليفزيونية المصرية، وهي نجاح عدد من المسلسلات التي عُرضت خارج شهر رمضان، وهو بالطبع أمر إيجابي للصناعة.

من هذه الأعمال التي قُدمت مسلسل ”سابع جار“ الذي رُغم نجاحه الكبير جماهيريًا، لكنه لم يسلم من الهجوم عليه من الجانب الأخلاقي تحديدًا بشكل غير مسبوق بالنسبة لعمل تليفزيوني، وبالتأكيد كان المسلسل سيتعارض مع القاعدة التالية:

”يؤكد المجلس على مسئولية القائمين على هذه الأعمال من الناحية الأخلاقية في إطار القيم المجتمعية“.

وتعبير ”القيم المجتمعية“ قد يضم الكثير جدًا مما يمكن اعتباره ينطبق أو لا ينطبق مع هذه القيم، التي لا يوجد كتاب واحد أو قانون رسمي يجمعها، ولا يمكن بالتالي محاكمة صناع الأعمال على أمور غير معرّفة بوضوح.

”الأب الروحي“ أيضًا من المسلسلات التي نالت نجاحًا وعُرضت خارج رمضان، لكنه بالتأكيد سيكسر القاعدة التالية:

”التوقف عن تمجيد الجريمة باصطناع أبطال وهميين يجسدون أسوأ ما في الظواهر الاجتماعية السلبية التي تسهم الأعمال الدرامية في انتشارها“.

هذا المسلسل يدور عن الصراع بين عدد من رجال العصابات وتجار السلاح، وهناك شخصيات مرسومة ليتعاطف معها المشاهد وأخرى تظهر بشكل بطولي، وهذه الشخصيات في صميم المسلسل ولا يمكن حذفها.