كُتاب منسيون: محمود تيمور.. الأديب الذي وصفه طه حسين بـ "العالمي"

محمد حسن الصيفي
 
الحياة تأتي بأناس، وتذهب بآخرين، قليلون من يضعون بصمتهم، قليلون من يمهدون الطريق ويحملون المشاعل
فقد مر على التاريخ صنوف من الكُتّاب، أكثرهم مر، وأقلهم عاش وتبقى كمحطة ومولد من مولدات النور والإشعاع، يقف كبيرًا فوق لحظته الراهنة، يؤسس، يفكر، يقوم بالتطوير وتطويع الأفكار.
 
 
محمود تيمور واحد من هؤلاء فعلها، والصعب أنه فعلها وهو مولود لعائلة أدبية كبيرة فازداد الأمر صعوبة، فوالده أحمد باشا تيمور، أحد أبطال اللغة والمدافعين عنها وعن التراث وعمته عائشة التيمورية شاعرة وأديبة، أما أخيه محمد فهو رائد من رواد المسرح والقصة لاتصاله بالثقافة الأوروبية لتعدد أسفاره للدراسة بين برلين وباريس.
لكن ما الذي سيقدمه محمود تيمور بعد كل هؤلاء العمالقة؟
 
يجيب عن هذا السؤال الدكتور الطاهر أحمد مكي في كتابه العظيم “القصة القصيرة دراسة ومختارات” قائلاً: “مع محمود تيمور تقدمت القصة خطوات أوسع للأمام، وإذا لم يطاول أخاه في المسرح فقد فاقه في القصة، بحكم التطور وامتداد حياته.. فقد تعاونت معه في البداية ظروفًا كثيرة جعلته قاص متميزًا في فترة شبابه، وأعانه مزاجه الهادئ على أن يجود فنه، وأن يعمق معرفته بأصوله، وأتاحت له الحياة الميسرة أن يقرأ ويرحل، وأن ينشر العديد من قصصه في زمن مبكر، في المجلات المختلفة دون أن يتقاضى عليها أجرًا”
 
كلام الدكتور مكي يوضح أسباب تفوق وتفرد محمود تيمور، كما يحمل كلامه تلميحًا عن صعوبة طريق الموهبة، فهو طريق شاق منذ الأمد البعيد، والأزمة كما هي، كيف تجد الموارد من طريق يحتاج هو نفسه لعديد الموارد؟ لكن ظروف تيمور منحته التقدم والتفوق، فكتب القصة والمسرحية وقدم كذلك إسهامات في النقد لكن ظلت القصة القصيرة هي ساحة أعلن فيها تميزه وتفرده؛ فبدأ مجموعته القصصية “الشيخ سيد العبيط” 1925 وتوالت بعدها المجموعات القصصية “رجب أفندي” و”الحاج شلبي” والرواية الطويلة “نداء المجهول”… وغيرهم الكثير.
 


تيمور رغم حاله المتيسر وعائلته الكبيرة التي تنتمي للطبقات العُليا، لكنّ كتاباته جاءت تلمس أحوال وقلوب أهل الطبقات الدُنيا، تصف أحوالهم وتقتحم عوالمهم وتصف دنياهم، بلغة بسيطة وجميلة فحين تعود لكتاباته الآن تجدها سهلة ميسرة لا تنتمي لفئة الكتابات المقعرة العميقة التي يغيب فيها الذهن ويحار فيها العقل، فنجحت وخرجت وتخطت حدود القطر المصري والعربي ليتم ترجمتها لعديد اللغات.
 
– شهادة إعجازية
 
ولأنه ابن أحمد باشا تيمور أحد رواد اللغة والأدب وصاحب الإسهامات العظيمة في حفظ اللغة والتراث ولأنه نفسه محمود تيمور القامة والقيمة والأدب والفن واللغة القويمة تم اختياره عضوًا بالمجمع اللغوي عام 1947. فقابله الدكتور طه حسين بهذه الكلمات العظيمة: “وإنك لتوفى حقك، إذا قيل إنك أديب عالمي بأدق معاني هذه الكلمة، وأوسعها.. ولا أكاد أصدق أن كاتبًا مصريًا مهما يكن شأنه قد وصل إلى الجماهير المثقفة وغير المثقة كما وصلت أنت إليها.. فلا تكاد تكتب ولا يكاد الناس يسمعون بعض ما تكتب حتى يصل إلى قلوبهم كما يصل الفاتح في المدينة التي يقهرها فيستأثر بها الاستئثار كله”
ولك أن تتخيل أن عميد الأدب العربي بهيبته ونقده اللاذع الذي يصل حد القسوة أحيانًا يقول شهادة بمثل هذه الكلمات لمحمود تيمور، فهي شهادة للتاريخ بحق.
 
 
– نصائحه للشباب
 

وعلى ما وصل إليه تيمور من انتشار وقدرات هائلة وترجمات لأعماله وصلت هنا وهناك كان موقفه دائمًا متواضعا، منحازا للشباب، دائم النصح لهم.

 

ففي حديثه لفؤاد دوارة في كتاب “عشرة أدباء يتحدثون” حين سأله الأخير هل بالفعل حذرت الأدباء الشبان من النقاد؟
يقول: “لقد عرفت من تجاربي وصلاتي بالأدباء الناشئين أن الضرر الذي يلحق الأديب الناشئ حين تدور به تيارات النقد، وتتنازعه أهواء النقد أكبر من النفع الذي يفيده بما يقرأ من آراء وما يتبين من نظرات.
إني أعد الناقد آخر مرحلة ينشدها الأديب الناشئ في حياته الأدبية، والمراحل الأولى يجب أن يفرغ لها بجهده في أن يستكمل حظه من الاطلاع على النصوص، ومن دراستها دراسة واعية، فالنصوص هي التي تزكي ملكاته وتنميها، وهي التي تعمل على تكوين شخصية له ذات طابع متميز، وهي التي تصقل ذوقه، وتؤتيه القدرة على الفهم والمقارنة، وتمهد له سبيل الإبداع والافتتان”.
 
 
– رأيه في علاقة القرآن بالفن
 
في زمن تيمور كان الكتاب كبارً بحق، بل كانوا يحملون مصابيح العلم والفكر ونقاء الروح، وكان الحديث عن الدين خاليًا من كل التعقيدات التي نعيشها في حاضرنا.
 
يقول تيمور: “القرآن العظيم ملحمة المسلم الكبرى في عالم الفن الرفيع يضم بين دفتيه حكمة الزمن وفلسفة الوجود، فيظهرنا على سائر النفوس، ويرينا نوازع الخير والشر، ويدعونا للتي هي أحسن وأقوم، فلزامًا علينا أن نطبع عليه ناشئتنا في منهجٍ عصري.. والقرآن كنز المؤمن فلنؤد له حقه في التقديس الخالص، التقديس القائم على دعائم من الحب والفهم والانتفاع”.
 
 
توفي الكاتب الكبير عام 1973 فكانت خسارة فادحة لرجل قدم كل ما يملك لوطنه وقضاياه ولرفعة الأدب في مصر، فكتب له الشاعر قاسم مظهر صديقه
 
عش في جوار الله وأسعد عنده
فسلامة للواصلين متاح
وأخلد حبيب العمر وأغنم هانئًا
بنصيبك الموفور فهو رباح.