فاروق إبراهيم.. مصوِّر الرؤساء الذي خلَّدته الكاميرا

أمنية الغنام

7 سنوات مرت على وفاة فاروق إبراهيم عميد مصوري “أخبار اليوم”، وأحد أهم مصوِّري الرؤساء والمشاهير خلال الخمسة عقود الماضية، فكل صورة التقطتها لا تكمن أهميتها في جودتها التصويرية فقط، لكن أهمية الأحداث نفسها التي خلَّدتها تلك الصور، وخصوصيتها التي جعلت وراء كل واحدة منها قصة وكواليس، أضحى كشفها بمثابة أسرار هامة تعلن لأول مرة.
إعلام دوت أورج التقى نجله “كريم”، والذي روى قصة والده موضحًا خلالها كواليس علاقته برؤساء مصر السابقين بدءًا من جمال عبد الناصر وحتى حسني مبارك، وكذلك علاقته بمشاهير الفن لا سيما العندليب عبد الحليم حافظ وكوكب الشرق أم كلثوم، وهو ما نستعرض تفاصيله في السطور التالية.

التصوير والسياسة

بدأ دخوله عالم السياسة بتصويره لأحداث يناير ١٩٥٢، وتصويره بعد ذلك لمجلس قيادة الثورة في انعقاده الأول في ٢٤ يوليو من نفس العام وكان وقتها في عمر 12 عامًا، فادعى للأمن أنه مساعد مصور وأن المصور الأصلي سبقه في الدخول وعليه اللحاق به، ولم يشك أحد في كلامه نظرًا لصغر سنه، واستطاع بالفعل التقاط الصورة الأولى للانعقاد، وأسرع بتحميضها ونشرها في جريدة “المصري”، فقد كان مقرها في شارع القصر العيني فما كان منه سوى عبور كوبري قصر النيل، حيث كان انعقاد المجلس في مبنى ملحق بالنادي البحري الخاص بالقوات الجوية.

معرفة قيادات الثورة وقتها بفاروق إبراهيم شجعتهم على ضمه للعمل بمجلة ” بناء الوطن” الصادرة عن الثورة، ثم بعد ذلك انضم لأسرة جريدة الجمهورية وكان رئيس تحريرها أنور السادات وفي عام ١٩٦٢ تم تعيينه بجريدة “الأخبار”، وأصبح مكلفًا بتغطية زيارات أو اجتماعات الرئاسة والمصور الرسمي للرئيس جمال عبد الناصر.

كتف المشير

كان الرئيس جمال عبد الناصر يحب السفر بالقطار حتى يرى أكبر عدد من الناس وعند وقوف القطار في كل محطة يخرج لتحية الجماهير المنتظرة، وأثناء سفره للأسكندرية لإلقاء خطاب المنشية كانت إحدى المحطات شديدة الازدحام وبدأوا في هز القطار، وكان من المفترض أن يخرج عليهم عبد الناصر على أول سلم القطار لكن الأمن منعه من ذلك، وكان فاروق من المرافقين له داخل القطار فبدأ يخرج من الشباك ويمد يده حاملاً الكاميرا ليلتقط صورة لعبد الناصر، واستمر في إخراج جسده تدريجياً حتى اضطر لأن يسند بركبته على كتف أحد الأشخاص لكنه شعر بشيء غريب تحتها فنظر فوجد أن هذا الشيء ما هو سوى الرتبة العسكرية على كتف المشير عبد الحكيم عامر، الذي قال له”ها.. صورت يا فاروق”.. وبالطبع فوجئ فاروق وسقط على رصيف القطار.

ومن ذكريات فاروق إبراهيم عن عبد الناصر أنه كان لا يغادر المكان إلا بعد أن يتأكد هل تم التصوير على أكمل وجه، فكان يهتم بأن تكون طريقة الدخول والوقوف وبروتكول الصورة تم بتناغم واتساق، لذلك كان دائم الكلام مع المصورين.

اشتراكية عبد الناصر

صور أخرى لعبت دورًا كبيرًا في حياة فاروق إبراهيم بعد إصدار جمال عبد الناصر لقوانين الإشتراكية، حيث نزل وتجول محافظات مصر والتقط الصور للناس الفقيرة وأصحاب الحالات الصعبة، ونفّذ أول موضوع ينشر بالصور فقط دون كلمة واحدة، سوى عنوان: “من أجل هؤلاء صدرت القوانين الاشتراكية”. حازت هذه الصور على إعجاب عبد الناصر وأرسل لفاروق مكافأة مالية قدرها ٢٠ جنيهًا وكتب عليها شكر وتقدير للدور الفعّال الذي قام به وقام بإمضائها.

أما أخر صورة التقطها فاروق للرئيس جمال عبد الناصر فكانت في مطار القاهرة، أثناء توديعه للرئيس ياسر عرفات بعد اجتماع جامعة الدول العربية، وعلم وهو في المطار بسفر أم كلثوم لإحياء إحدى حفلاتها في الخارج فلم يغادر المطار وانتظرها لمرافقتها، وبعد سفرهم بحوالي ست ساعات جاءهم خبر وفاة جمال عبد الناصر، واستطاعت أم كلثوم العودة فورًا بينما لم يتمكن الوفد المرافق أو الصحفيين من العودة مباشرة، مما حرمه من تغطية جنازة عبد الناصر.

رسالة للسادات

دخل فاروق إبراهيم في حالة اكتئاب بعد وفاة عبد الناصر، ولم يشأ أن يكمل في اتجاه السياسة فابتعد ولجأ لتصوير الفنانين وتوطدت علاقته بشكل كبير بالفنان عبد الحليم حافظ، مما فتح له المجال لتصوير شخصيات أخرى في المجال مثل سعاد حسني ونادية لطفي، وظل هكذا حتى علم أن الرئيس السادات يريد مصور ألماني الجنسية ليكون مصوره الخاص، وكان فاروق وقتها في مكتبه بالأخبار فأمسك بالقلم وكتب: “أبونا وأبو الشعب أنور السادات، عمّال تكلمنا عن أخلاق القرية وانت أصلاً غير واثق في أولاد بلدك.. طب جرّبنا لو فشلنا هات الألماني”. ثم أرسل الرسالة وهو متوقع أن تصل بعد أسبوع أو شهر أو ربما عام كامل، لكن جاءه الرد في اليوم التالي أن الرئيس السادات في انتظاره الساعة الخامسة صباحًا.

يوم في حياة الرئيس

بعد وصول فاروق إبراهيم لمنزل الرئيس السادات في الدقي، دخل الغرفة الخاصة بالسادات لكنه لم يجد أحدًا، ثم سمع صوت السادات من الحمام يناديه، وعندما اقترب من الباب سأله السادات وكان أمام المرآة ويرتدي ملابسه الداخلية: “ها يا فاروق عايز تعمل إيه”، فرد بأنه يرغب في تصوير يوم في حياة الرئيس فقال له السادات: “ابتدي وأنا في الحمام بغسل أسناني”، ومع تخوف فاروق إلا أنه بدأ التصوير واستغرق منه حوالي ٩ أشهر كاملة ليخرج صورًا كاملة تعكس يوم واحد في حياة الرئيس.

بعد نشر صور السادات بملابسه الداخلية ضمن الصور التي نشرها فاروق في جريدة “الأخبار”، فقامت السيدة جيهان السادات بالاتصال بمصطفى أمين وأعلنت غضبها وأنه سيتم القبض على هذا المصور بل إعدامه، فكيف له أن يقفز من شباك الحمام ويتلصص على الرئيس.

هنا لجأ مصطفى أمين لإبراهيم سعدة وكان وقتها رئيساً للتحرير ومسئول عن الملف بالكامل، فما كان من “سعدة” سوى نشر صورة أخرى في اليوم التالي يظهر فيها انعكاس صورة فاروق في مرآة الحمام وهو يقف بجوار السادات، فأنقذته تلك الصورة من الإعدام والتهم التي كانت ستناله وقتها.

صور رفضها السادات

صورتان رفض السادات نشرهما التقطهما فاروق له أثناء تصوير “يوم في حياة الرئيس”، الأولى وهو يلعب مع كلبه وهذا يتعارض مع صورة الرئيس المتدين، حيث قال له السادات إذا أردت نشرها فليكن خارج مصر وليس داخلها. والصورة الأخرى كانت له وهو جالس على الأرض يتناول الطعام، حيث اعتبرها “عورة جارحة” لأنه ربما يراها شخص ما جائع، فكان رد فاروق عليه وقتها: “يا ريس إنت قاعد على الأرض وبتاكل فول وطعمية يعني الناس هتفرح”، لكن السادات أصر تمامًا على عدم النشر.

أما زيارة السادات الشهيرة للكنيست الإسرائيلي، ففكان “إبراهيم” المصور الوحيد المرافق للرئيس خلالها، والتقط له الصورة الشهيرة بعنوان peace touch أو مصافحة السلام التي يسلّم فيها للمرة الأولى زعيم عربي على قيادة إسرائيلية. وبالرغم أن فاروق كان محايدًا في عمله، إلا أنه وقتها تعمّد اختيار “أوحش” زاوية لتصوير جولدا مائير.

رحلته مع مبارك

كان يرى فاروق إبراهيم أن رحلته مع الرئيس مبارك التي امتدت لأكثر من ٣٠ عامًا، تعكس دوره الوطني في إظهار ممثل الدولة المصرية وهو رئيس الجمهورية في أبهى وأفضل صورة، وإن كان يرى أيضًا في أواخر أيامه وقبل رحيله في ٢٠١١ أنه لم يُكرَّم بالشكل المطلوب فكان يطمح في الحصول على جائزة الدولة التقديرية، خاصة أنه كان يحاول أن يثبت دائمًا أهمية مهنة المصور.

لكن صورة أحمد الريان مع الرئيس مبارك وهو يصافحه وراء انتهاء عمل فاروق كمصور رسمي لمبارك في عام 1992، وهي صورة كان قد التقطها لهما كجزء من عمله في تصوير مبارك مع الشخصيات المختلفة، وذلك قبل تورط الريان في عملية النصب الخاصة بتوظيف الأموال وهروبه للخارج بحوالي ٥ سنوات، وكان وقتها فاروق يبيع صور مبارك مع الشخصيات التي تظهر معه في الصور لأصحابها، نظير مقابل مادي وبمعرفة الرئاسة بناء على رغبة المصوِّر في ألا يشكل قسم التصوير في الرئاسة عبئًا على ميزانية الدولة، بل يستطيع أن يتحمل مصروفاته الخاصة، لكن الذي حدث هو قيام الريان باستغلال تلك الصورة ونشرها بعد هروبه مباشرة في الصفحات الأولى لـ”لأهرام” و”الأخبار” و”الجمهورية”، مما سبب الحرج للرئيس مبارك وإظهاره بمظهر المتواطئ مع الريان.

أما الصورة التي تبدلت فيها الأدوار وصار مبارك فيها مصوِّرًا لفاروق، كانت في زيارة للولايات المتحدة الأمريكية، وأثناء تجهيز “فاروق” نفسه للتصوير في المكتب البيضاوي دخل الرئيس الأمريكي رونالد ريجان فرحب به المصور قائلاً: “مرحبًا سيادة السفير”، فلم يعلق الرئيس الأمريكي، وفي المساء أخبر ريجان مبارك عن ترحيب المصور له واصفاً إياه بـ”السفير”، فعاتب مبارك فاروق، ولما لاحظ ريجان ذلك استأذن مبارك في أن يمسك الكاميرا ويلتقط له صورة مع “فاروق”، وبالفعل وافق مبارك وامسك الكاميرا والتقطها لهما.

وفيما يخص عدد الصور الرسمية التي التقطها فاروق إبراهيم للرئيس مبارك ولزيارته الخارجية، فبلغت 800 ألف صورة، معظمها موجودة في الأرشيف في مكتبة عابدين وحوالي ١٠٠ ألف على المستوى الشخصي، كانت آخرها في عام ٢٠١٠ خلال حفل زفاف ابنة اللواء أبو الوفا رشوان.

أمنيته الأخيرة

عندما تم تأسيس متحف أم كلثوم بالمنيل أهدى إبراهيم للمتحف كمًا كبيرًا من الصور لكوكب الشرق ودون مقابل. فقد كانت أمنية حياته وجود متحف للصورة المعاصرة، لذلك عندما طلب محافظ المنصورة منه توثيق لحوالي ٣٠٠ شخصية من أبناء المحافظة لم يتردد، وأسس المتحف وضم صور للشيخ محمد متولي الشعراوي ولأم كلثوم وأسامة وفاروق الباز وآخرين.

في النهاية، بالرغم من أن فاروق أجَّل تعليمه لسنوات حتى دخل كلية الفنون التطبيقية في السبعينات، وللأسف رُفد منها في السنة الثالثة نظراً لعمل مشاريع تخرج الطلبة بالنيابة عنهم، إلا أنه حفر تاريخه بـ”صور” خالدة في ذاكرة التاريخ.