نورا مجدي تكتب: أنا أحب حسني مبارك!

“أنا أحب حسني مبارك”.. تلك الجملة الي وقعت على مسامعي كالصاعقة بعد تنحي رئيس الجمهورية الأسبق محمد حسني مبارك، حينما قالتها لي صديقة، وكانت تتحدث بطريقة جادة عن مدى حبها وتعاطفها مع الرئيس الذي تنحى عن منصبه تحت رغبة وإجبار هذا الشعب الظالم، والذي لم يُقدر قيمة الأمن والأمان الذي كان يعيش فيه في ظل حكم الرئيس الأسبق.

نرشح لك: ٩٠ عامًا على ميلاد مبارك (ملف خاص)

في الحقيقة، لم يكن عُمرنا -أنا والصديقة- في وقت قيام الثورة والأحداث التي تلتها من تنحي وخلافات وانتخابات وتصارع على السلطة بين القوى والأحزاب السياسية المختلفة، يسمح لنا برؤية ومعرفة تفاصيل الصورة كافة، لكن جزءًا منها، وإن كان الجزء الظاهر والواضح وقتها أقل بكثير مما تخفيه حقيقة الصورة. لكن الشيء البديهي الذي كنت أعتقده هو أن الشعب دائمًا على حق، وأنه إذا ثار الشعب ضد حاكمه فهذا يعني أن ذلك الحاكم المستبد لابد وأن يكون “طاغية”.

لا أتذكر الكثير مما حدث وقتها فقد كنت طالبة في المرحلة الثانوية، لكن ما أتذكره جيدًا في هذا اليوم أنني تشاجرت حينها مع تلك الصديقة التي اختلفت معي في الرأي، وتساءلت بداخلي عن مدى إمكانية أن يتواجد بيننا مثل هؤلاء الذين يفكرون بتلك الطريقة. لم يتقبل عقلي فكرة أن يكون الحق بيّن لكن أمثال جماعة “إحنا أسفين يا ريس” لا تراه، وبدأت أتساءل لماذا يدافعون عن رئيس أخطأ في حق شعبه طوال 30 عامًا؟ وما مصلحتهم في الدفاع عنه؟ وهل يتوقع من يدافع عن مبارك عودته لذلك يدافع عنه من يدافع لينال نصيبًا من المنفعة؟.. العديد من الأسئلة ظلت مجرد تساؤلات لا جواب عليها، لكن من المعروف أن الأسئلة التي لا جواب عليها، يجاوب عنها الزمن.

مرت على مصر مرحلة صعبة عقب فترة التنحي، فقد جاءت الفترة الانتقالية عام 2012 ثم جاء حكم الإخوان الذي كان كفيلا للإجابة عن كافة التساؤلات السابقة، بل وساعد حكم الجماعة الإرهابية التي حاولت تغيير مسار البلد برمته على إيضاح جزء آخر من الصورة، وهو الجزء الذي يبرر لمؤيدي مبارك بمختلف الطبقات سبب اعتزازهم بفترة حكمه “اللي شال فيها بلاوي كتير عن مصر” كما قالت لي صديقتي.

لذا قبل أن أتحدث عن قناعاتي الشخصية كان لا بد من إلقاء نظرة على الواقع من وجهة النظر الأخرى “المختلفة” عن قناعاتي السابقة، فأحد أهم الأسباب للحكم بموضوعية على الأمور هو أن تضع نفسك محل الآخرين وتقنع ذاتك بقناعاتهم ثم تُعمل عقلك للحكم على الأمور بوسطية، لذا لنضع أنفسنا محل مؤيدي الرئيس الأسبق ونرى الأسباب التي جعلت مُعظمهم يقتنعون بضرورة تأييده، وما إن كانت كافية أمام الأسباب التي ثار من أجلها الشعب ضده.

أولا: يتعاطف الكثيرون مع الرئيس الأسبق بسبب قدرته على تحقيق الأمن والأمان لدولة كبيرة ذات موقع إستراتيجي مثل مصر، فطوال الثلاثين عامًا -مدة حكمه- عاشت مصر في عصر تحقق فيه الأمان الخارجي والداخلي، وإن وقعت بعض الحوادث الإرهابية القليلة، لكن مقارنة بطول مدة حكمه وما تلا فترة التنحي يمكن الإجماع على أن عصر مبارك تحقق فيه الأمن والأمان.

ثانيًا: “مبارك” رجل عسكري وقائد الضربة الجوية بحرب أكتوبر 1973 التي يعتز بها كل مصري.

ثالثًا: يقتنع العديد من مؤيديه أن الفساد الإداري وفساد الحكم كان بسبب حاشيته الفاسدة عامة، خاصةً وأن مبارك وأسرته لا دخل لهم فيما يقوم به الفاسدون.

رابعًا: تعاطف العديد من أبناء الشعب المصري مع مبارك (سواء كانوا مؤيدين أو معارضين لحكمه) حينما فقد حفيده عام 2009 ولمس البعض في تلك الفترة الجانب الإنساني في حياة مبارك وأسرته.

نرشح لك: قصة صور مبارك “الخاصة” التي أحرقت قبل الثورة

خامسًا: احتفظ الجنيه المصري بمكانته نسبيًا أمام سعر الدولار لمدة طويلة في ظل حكم “مبارك” وهو الأمر الذي كان ينعكس على معدل ارتفاع وزيادة الأسعار كل عام، والذي كان منخفضًا بالمقارنة مع الفترة التي تلت الثورة، لكن أكد خبراء الاقتصاد لاحقًا أن هذه السياسة كان لها ضررها على الاقتصاد المصري على المدى الطويل.

سادسًا: استطاع مبارك التصدي لجماعة الإخوان في فترة حكمه، والحفاظ على الدولة رغم تواجدهم بالداخل والخارج، بالإضافة للتعامل مع كافة الأحزاب والتوجهات السياسية المختلفة بطريقة تحقق مصلحة الجميع.

سابعًا: يرى مؤيدو مبارك أنه كانت له “هيبة” وسط رؤساء العالم، وكانت هيبته تبدو جلية في أوقات الزيارات الداخلية والخارجية، وكذلك وقت خروجه للتحدث مع الشعب عبر بيان رسمي.

ثامنًا: استطاع “مبارك” استعادة آخر جزء من أرض سيناء من العدو الصهيوني والحفاظ عليها، وهو ما يحسب له ولا يمكن إنكاره تاريخيًا.

تاسعًا: حينما قامت الثورة وغضب الشعب لم يهرب مبارك وأسرته، كما فعل بعض رؤساء الدول العربية التي شهدت ثورات مماثلة، وهو الأمر الذي رفع مكانته لدى محبيه ومؤيديه.

عاشرًا: فترة حكم مبارك كانت تعتبر الفترة التي شهدت طفولة وشباب فئة عمرية لجيلين خلال 3 عقود، ومن المعروف أن أيام الطفولة والشباب هي دائمًا الأجمل وترتبط بذكريات خاصة يتمنى البعض استرجاعها، وقد تمثل فترة حكم مبارك فكرة استعادة الذكريات “الحلوة” لدى الكثيرين.

العشرة أسباب السابقة ليست الوحيدة فقط أو الدقيقة فيما يخص الأسباب التي تجعل مؤيدي مبارك يرفضون الإساءة إليه والسخرية من فترة حكمه، لكنها أسباب موجزة يمكن للبعض رؤيتها والإقرار بصحتها أو خطأها، وبعد مرور ما يزيد عن 7 سنوات على ثورة يناير وتنحي مبارك، لا يمكنني القول بأنني أقف على أرض صلبة أستطيع أن أُجزم من خلالها وأوضح موقفي من فترة حكمه، لكن رأيي -غير الواضح حتى الآن- يتوقف على العديد من الأشياء المتراكمة، منها ما سمعته من آراء من يكبرونني بأعوام وخبرات، ومنها ما كونته من رأي بمتابعة بعض الأحداث التي تلت التنحي، ومنها ما قرأته عن حكم مبارك وما شاهدته في وسائل الإعلام.

نرشح لك: الصورة التي أبكت حسني مبارك

لكن في النهاية ما يمكنني التأكد منه هو أنني أنتمي لهؤلاء الذين لا يملكون سببا واضحًا لكره مبارك وكذلك لا يملكون سببًا واضحًا لتأييده وحبه على طريقة مؤيديه من جماعة “أنا آسف ياريس”.. فأنا حقيقةً أحب مبارك الهيبة، مبارك القائد، مبارك الأمن والأمان، مبارك الذي فقد حفيده فبكاه، لكنني لم أحب مبارك الذي اختار أن يقيم بعيدًا في شرم الشيخ، والذي ظل ينفي نيته توريث نجله الحكم، رغم أن مظاهر عديدة كانت تؤكد عكس ذلك، ومع تعدد الأسباب وكثرتها ستظل قناعاتي بأفكاري كما هي رغم اختلافها قليلا عما مضى، حتى تتضح الصورة كاملة ذات يوم، لكن الشيء الوحيد الذي اختلف هو أنني أصبحت أكثر تقبلا وتفهمًا للجملة التي قالتها لي الصديقة ذات يوم “أنا أحب حسني مبارك”.