"بلاش تبوسني".. الفكرة اللطيفة في مواجهة "السينما النظيفة"

إسلام وهبان
بات مصطلح “السينما النظيفة” موضع خلاف بين مؤيد -يرى فيه حفاظا على الأخلاق والتقاليد الشرقية- ومعارض له يحاول الدفاع عن حرية الرأي وينادي بمساحة أكبر للإبداع، لكن بعيدا عن المغالاة في التأييد أو الاعتراض، فالحقيقة أن هذا المصطلح حتى الآن لم يثبت ملاءمته للواقع، فالقبلات والمشاهد التي قد نراها غير لائقة، أصبحت الآن تحدث عيانا في المدارس والجامعات تحت مسمى “الرومانسية”، بل ويتم نشر العديد من الفيديوهات بشكل يبعد تماما عن كل مقاييس الجمال والرقي، ويبقى السؤال الأهم هل الخلل في القبلة التي تبث عبر الشاشات أم في الفكر والثقافة التي لم نعد قادرين على التحكم بها إلا على الشاشات؟

نرشح لك : أحمد فرغلي رضوان يكتب: لا مؤاخذة.. بلاش تبوسني!

 

فيلم “بلاش تبوسني” الذي يعرض حاليا بالعديد من صالات السينما المصرية، حالة مختلفة يحاول مناقشة قضية يعاني منها الكثير من صناع السينما والدراما في مصر، وهي المساحة ما بين الالتزام بالنص والأهواء الشخصية لأبطال وصناع العمل، فضلا عن بعض المشاكل التي تواجه صناع الأفلام، وذلك من خلال معالجة سينمائية متميزة، تمزج بين 3 أفلام في فيلم واحد، وفكرة مميزة كتبها أحمد عامر، وتعد أول عمل روائي يقوم بإخراجه.

الفيلم تدور أحداثه حول “تامر” المخرج الشاب الطموح والمؤمن بموهبته، والذي يحاول تقديم أول تجربة سينمائية له، لكنه يتعاون مع منتج لا يهتم إلا بما سيحقق من إيرادات بعيدا عن الفنيات، وليضمن ذلك يرشح للمخرج فنانة شابة وهي “فجر”، والتي عرفت بتقديم أدوار إغراء، بالإضافة إلى اهتمامها بتفاصيل مظهرها دون الالتفات للفنيات وما تتطلبه الشخصية، ليفاجأ الجميع برفضها لأحد المشاهد التي تحتوي على قبلات، وتعلن توبتها وارتدائها للحجاب، وهو ما يهدد الفيلم بالانهيار، في حين يقوم كل طرف بمحاولة إتمام الفيلم دون حدوث خسائر كبيرة، وتقديم عدد من التناولات، كل ذلك في إطار كوميدي.

تصنيف الفيلم عمريا (+ 18) وهو أول ما يلفت انتباهك، فنحن نعلم ما تحمله كلمة للكبار فقط في مجتمعاتنا الشرقية، لكن العجيب أن الفيلم لا يحتوي على مشاهد خارجة أو ألفاظ أو تعبيرات تستوجب هذا التصنيف العمري، حتى القبلة التي تدور حولها أحداث الفيلم لم تقدم للمشاهد، فهل وضعت الرقابة ذلك التصنيف بناء على فكرة الفيلم أم اسمه “بلاش تبوسني”؟!

أكثر ما يميز الفيلم هو تقديمه لكوميديا غير تقليدية، تجعل أغلب المشاهدين يرتفع صوته بالضحكات كما نقول “من القلب” -الأمر الذي افتقدناه في كثير من الأعمال الكوميدية- فالفيلم يبتعد كثيرا عن الإسفاف أو الإيفيهات المستهلكة، بل إن الكوميديا فيه مبنية بشكل أساسي على المواقف والتلقائية التي تخرج بها شخصيات العمل.

لا أعتقد أن أحدا كان بإمكانه تقديم دور “فجر” بهذا الشكل من الرشاقة وإظهار ما تعاني منه الشخصية من اضطرابات نفسية ورغبة في البحث عن الشهرة بأي وسيلة، سوى الفنانة ياسمين رئيس، التي دائما ما تقدم على أفكار جريئة وفريدة كالتي يقدمها هذا الفيلم، إلا أنها في بعض المشاهد قد وقعت في فخ المبالغة في تقديم الكوميديا، الأمر الذي وقع فيه أيضا محمد مهران الذي قام بدور “تامر”، فعلى الرغم من اتقانه في تقديم شخصية المخرج الطموح، وقدرته على توصيل ما يدور بخاطره من خلال ريآكشناته المنضبطة، إلا أن التركيز على خروج العمل بشكل ساخر أوقعه في فخ المبالغة في بعض المشاهد.على الرغم من تصنيف الفيلم على أنه عمل روائي وثائقي، لما يقدمه من بعض المشاهد عن تاريخ القبلات في السينما المصرية وتصوير العديد من المشاهد بنفس تكنيك تصوير الأفلام الوثائقية، إلا أنني لا أرى أن هذا المزج دقيق؛ خاصة أن العديد من عناصر الفيلم الوثائقي غائبة عن هذا العمل، فلا يمكن لمجرد الاستعانة ببعض المشاهد من الأفلام القديمة أو الحديث عنها أن نعتبر هذا الفيلم وثائقيا.

ضيوف الشرف في هذا الفيلم كانوا كثر، وعلى رأسهم المخرج الراحل محمد خان، والمخرج الكبير خيري بشارة، واعتقد أن اختيار “عامر” لقيمتين كهاتين كان موفقا لما لهما من رصيد في تقديم أفلام جريئة وأفكار مغايرة، لكن تركه لمساحة كبيرة من الارتجالية والتلقائية لهما لم يكن جيدا.. ظهور “خان” أمام الكاميرا لأكثر من مرة، وخفة دمه غير المصطنعة ساعده كثيرا في تقديم دوره بتلقائية، إلا أن بشارة كان آداءه تلقائي حد المبالغة -وهذا لا يقلل من قيمته الكبيرة كمخرج- فارتباكه بعض الشيء وخجله كان طاغيا في أغلب المشاهد، فضلا عن عدم قدرته على مجاراة خفة دم “خان”، هذا ما جعل المشاهد ينفصل  قليلا عن أجواء الفيلم كلما ظهرا سويا على الشاشة.

تلقائية سلوى محمد علي كانت الأجمل في الفيلم، ورغم اعتياد المشاهد على تقديمها لدور الأم الودودة الصديقة لأبنائها، إلا أن تعبيراتها الجريئة ورشاقتها كانت مناسبة للغاية لأحداث الفيلم، وظهرت بشكل مبهج وملفت، كذلك الفنانة سوسن بدر استطاعت من خلال مشاركتها المتميزة كضيفة شرف في عدة مشاهد أن تقدم دور الفنانة المحجبة التي لا تعرف إن كان قد اعتزلت أم تغازل المشاهدين من وقت لآخر بظهور مفاجئ، وازدواجية واضحة في المبادئ.

الشكل الساخر الذي خرج به الفيلم يحتوي على وجبة فلسفية ورسائل عدة استطاع أحمد عامر أن يقدمها بشكل أكثر من رائع، فضلا عن العديد من الإسقاطات التي قد تجعل صناع الفيلم ملاحقين إن لم يكن قانونيا فنفسيا من عديد من النجوم الموجودين على الساحة الفنية.
إجمالا.. “بلاش تبوسني” تجربة سينمائية رائعة وغير تقليدية -رغم ما بها من نقائص- تؤكد على أن هناك  وجوها أخرى للأعمال السينمائية قد تحقق نجاحا جماهيرية كلما وازنت بين الفكرة وإمتاع المشاهد.