ميلاد فليفل يكتب: إلى روح أحمد خالد توفيق

“لقد مت لا شك في هذا، كان الانتقال سهلا إذن ولم أتألم تقريبًا، الموت بطريقة (الآن تراه – الآن لا تراه) انا اجتزت البوابة ويمكنني أن أقول لك إنها محاولة سهلة، لكن شيئًا في الأعماق، شيئًا تحت جلد رأسي وبين خلايا مخي، كان أيضًا يصارحني بالحقيقة أنت لم تمت ليس هذا هو العالم الآخر.. أنت ما زلت حيًا يا صاحبي”.

هكذا عبر العراب أحمد خالد توفيق عن فكرة الموت التي روادته في سنواته الأخيرة على لسان بطله الأسطوري رفعت إسماعيل، ظلت فكرة الموت تلح دومًا على عقل الأستاذ يلاحظ هذا واضحًا في سنواته الأخيرة بعد عام 2011 والتي تعرض خلالها لتجربة توقف القلب من ثم العودة مرة أخرى للحياة، وانطلق بعدها يكتب عن الوحدة، الموت والظلام، والتي وصلت إلى حد أن يؤلف رواية كاملة عن الحياة في الظلام لاقت نجاحًا كبيرًا هي “في ممر الفئران”.

نرشح لك: رسالة لن يقرأها أحمد خالد توفيق

قدّم لونًا مختلفًا من الأدب لم يعتد عليه عقل القارئ العربي، لاقى في البداية – كالمتوقع طبعًا لكل من يقدم جديدًا- نقدًا وهجومًا لاذعًا ثم سرعان ما لاقى التصفيق الحاد، وكان أكثر قراءه من الشباب، كان بمثابة بوابة عبر من خلالها الجميع إلى عالم القراءة وحب المعرفة والنهم إلى الاطلاع.

كان لسان حاله يقول اقرأ لأحمد خالد توفيق وهو بنفسه سيخبرك لمن تقرأ بعده، كانت ثقافته الموسوعية ودراسته للطب أثرًا كبيرًا في أدبه، وكان دوما يجيد السير في طريق العظماء، أن يكتب بعيدًا عن الأضواء، وكان يدرك جيدًا بأن الكاتب كالفراشة إذا اقترب من الضوء احترق، لم يدعي العظمة يومًا ولم يدخل في صراعات الصغار، هكذا عاش بعيدًا عن الأضواء راسخًا في عقول ووجدان الشباب من قراءه، وهذا ما فسره مشهد جنازته المهيب الذي جمع شباب من مختلف الأعمار لا يربطهم شئ سوى حب وإخلاص للرجل الذي عاش يكتب من أجلهم، دموع حارة لشاب يقف يبكي بحرقه أمام عربة التي ستنقل جثمان الأستاذ، الكل يشعر بأن الأب قد رحل وخلف وراءه كنزًا كبيرًا من المتعه والتشويق والإثارة، مرسخًا أيضًا لحقيقه أن من يكتب لن يموت وهو من عاش يكره فكرة الموت ولكن الموت يجيد الانتقاء فعلا، الموت يعرف كيف يختار ضحاياه.

“في النهاية أنت تتجه إلى النهر المظلم النهر الذي عبره كثيرين من قبلك ولم يعودوا، سوف تعبر إلى الجانب الآخر ولسوف ينساك الجميع”.. ولكن عذرا يا صديقي وأستاذي لن ينساك أحد، رحلت حقا ولكن سيبقى أثرك خالدًا. فوداعًا إلى أن نلتقي في عالم آخر يخلو من الحقد والضغط ولا يكون سوى ملتقى للطيبين.

إلى روح أحمد خالد توفيق…