أحمد فؤاد سليم.. كيف صنع الأستاذ مدحت قصة "أنا شهيرة"

رباب طلعت

“مات الأستاذ مدحت”، وانتهى دور الفنان أحمد فؤاد سليم، في مسلسل “أنا شهيرة.. أنا الخائن” ثنائية الكاتبة نور عبد المجيد، التي تُذاع على فضائية “cbc”، في حلقة قاسية وحزينة، على كل من ارتبطوا بشخصية الأب الحنون، ومدير المدرسة القدوة، وصاحب الرسالة، وتعلقوا بالحالة التي شخصها الفنان القدير، حتى إنه صرح صباح الأحد، في حلقة برنامج “هذا الصباح”، المُذاع على “eXtra News”، بأنه يُقابل فتيات، يخبرنه بأمنيتهن بأن يكن آبائهن مثله، فلقد خلق حالة من الانبهار لدى الآباء والأبناء، لتقديم مزيج الأب المعاصر، المتمسك بالقيم، الحنون الذي استطاع تربية ابنته بدون عصى، بل بالتفاهم.

مشهد وفاة أستاذ مدحت عبد الرحمن

أستاذ مدحت مات!!عن وجع القلب اللي في المشهد ده! 😢#أنا_شهيرة_أنا_الخائنYasmin RaeisAhmed Fahmi

Geplaatst door ‎مسلسل أنا شهيرة..أنا الخائن‎ op Zaterdag 24 maart 2018

أحمد فؤاد سليم، الفنان القدير صرح بأن “ما صدر من القلب وصل إلى القلب، لأن الحب ملوش سبب”، تعبيرًا عن نجاح دور والد “شهيرة” التي تجسد شخصيتها الفنانة ياسمين رئيس، ولكن هناك العديد من الأسباب الأخرى، التي يستعرضها “إعلام دوت أورج”، والتي حولت “الأستاذ مدحت”، إلى مفتاح تكوين ملامح قصة بطلة العمل.

(1)

بدأ المسلسل بمشهد النهاية، و”شهيرة” تركض في الشوارع، لكن الأحداث الفعلية في الحلقة الأولى كانت على عربة الفول، وصاحبها يعطي لـ”الأستاذ مجدي”، صاحب الملامح المصرية التقليدية، بجلباب أبيض، يرتديه أغلب أبناء الطبقة المتوسطة، عند الذهاب للصلاة، أو في المشاوير القصيرة كاقتناء شيٍ ما بجوار المنزل، في صورة هي الأقرب للآباء المصريين، ومدير المدرسة، القدوة لأبنائه الطلبة، ولابنته الوحيدة.

رسمت الحلقة الأولى ملامح شخصية الأستاذ مدحت شكلًا، ومضمونًا، وأبرزت فيه صفات المحبة والعطف والتواضع، برغم من كونه مدير مدرسة، لكن ذلك لم يجعله “متكبرًا” أو “صارمًا” مع أسرته الصغيرة، بل كان “حنونًا” يُطعمهما بيده، ويستيقظ قبلهما لصناعة “طبق الفول بالتحبيشة” المفضل لهما بيديه، وكذلك هو الأب المتحمل لعبء أحلام ابنته، الذي يسعى لتحقيقه بعيدًا من ميراث زوجته، الذي منعه عنها شقيقها.

https://youtu.be/hlLsI8s5yGk

(2)

النقطة الأخيرة لم يتضح سببها، وإن دلت في المشاهد الأولى أنه “متهاون” في حق زوجته، كاره لشقيقها، لكن سرعان ما ينكشف عن عقل واعٍ وكرامة تأبى مد اليد لطلب حقٍ منعه صاحبه، حفاظًا على صورة زوجته التي توفيت في الحلقة الثانية، والتي اختارته بالرغم من ضيق حاله، بعكس ما تعيش فيه من نعيم مع أسرتها الثرية، والتي ظن شقيقها أن المدرس الذي تقدم لخطبتها يطمع فيما تملك، فحرمها من ميراث والدها، وفضل أن يبيع قطعة الأرض الوحيدة التي يملكها من أجل تحقيق حلم ابنته بفتح صيدلية تحمل اسمها.

(3)

الإخلاص والحب الكبير الذي يحمله الأستاذ مدحت لزوجته، ظهر أيضًا أثناء وفاتها، حيث بكى متأثرًا، لكنه ظل صامدًا من أجل ابنته، وفيًا لذكراها، وفي مشهد الوفاة، كان أيضًا حنونًا، احتضن حزن ابنته، وساندها للتخلص من حزنها، الذي لم يدم طويلًا، لأنه تحول تلقائيًا لأبٍ وأم.

ظل الأستاذ مدحت يؤدي دور الأب والأم لشهيرة، طيلة أحداث المسلسل، فحارب لتحقيق حلمها، وتحول  لصديقٍ لها حتى إنه تفهم بحنان، ما روته عن “زياد” الذي تعتبره أخًا لها، لكنه صارحها بحبه، فنجح في التعامل مع كلاهما، دون إحراج لهما، واستطاع الحفاظ على أخوة العلاقة بينهما، بحكمته، وكذلك لم يهملها بالرغم من انشغاله، ولاحظ تغير أحوالها أي أنها “في قصة حب”، وهو ما أكدته لها عندما صارحته، دون أن يغضب أو يسيء لها، أو يتحول لأب متحجر الرأي يفرض عليها قراره، بل استمع لها وقبل عدم الإقدام على خطوة الخطبة إلا بعد وقتٍ، لأنه زرع في ابنته القيم منذ طفولتها، وبالتالي فهو يثق فيها وفي اختياراتها.

تقمص دور الأم والأب في آن واحد، ظهر خلال علاقة “شهيرة” بـ”رؤوف” بطل الجزء الثاني من الرواية “أنا الخاين”، منذ اللحظة الأولى التي قابله فيها، وتحدث معه عن ابنته بكل تفاهم وتقبل كـ”أم”، ومن ثم موقفه الصارم والثائر لكرامة ابنته عندما أخبره العريس بأنه لا يستطيع أن يفاتح والده في مسألة الزواج لصرامته، ورده بأن “معنديش بنات للجواز”، ومن ثم وبعد إتمام الزواج، كان لها رفيقًا في كافة المشاكل التي تتعرض لها ناصحًا ومرشدًا فيها، ومخففًا عنها، مستوعبًا لتقلباتها.

(4)

نزاهة الأب وسمعته الحسنة، ومحبته في قلوب الجميع، شكلت حائط صد بشري لـ”شهيرة” خلال كافة مراحل حياتها، فحلم الصيدلية، تحقق عن طريق أحد طلابه الذي يعمل في بنك، فنصحه بأن يأخذ قرضًا بضمان الأرض بدلًا من بيعها، وتعامل مع القرض كأنه شخصي ردًا لجميل أستاذه عليه، وما تعلمه منه، وزياد كان مخلصًا لها بالرغم من رفضها لحبه، ردًا لجميل الرجل الذي رباه وهو يتيم وساعده وشقيقته وابنة خاله اليتيمة، دون أن يجرحهما بل كان لهم جميعًا أبًا، شهد على زيجاتهم لأنهم مثل “شهيرة”.

تلك الصفات أيضًا، زاد عليها حسن التصرف، والحكمة التي ظهرت في تعامله مع “توفيق” حمى “شهيرة” القاسي الصارم، حيث استطاع أن يحول صرامته لمحبة، وصداقة قوية، ترجموها في لعب “الطاولة” بشكلٍ يومي، حتى وصل الأمر لأن يوصيه على ابنته قبل ساعات من وفاته، ليعده “توفيق” بأنها ابنته، ويستطيع الأخير الذي تحولت علاقته من الكره الشديد، والعقدة النفسية من النساء، لمحبة زوجة ابنه، بأن يخرجها من حالة الحزن الطويلة والقاسية بسبب وفاة والدها.

(5)

“لا يُختبر الإنسان في قيمه إلا في زمن المفارقة”، ذلك الدرس الذي استطاع الأب، مدير المدرسة، المعلم الفاضل، أن يوصله للجمهور عن طريق موقفه في حبس زوج ابنته “رؤوف” حيث إنه كان سندًا لوالده في كل خطوة، وحسم موقف ابنته من زوجها عندما شكت في برائته قائلًا: “حتى لو مخطئ واجبه تقفي جمبه”، وقد ساندها في قرارها بعدم الطلاق منه، بالرغم من عرض حماها لذلك، كونه رد فعل طبيعي على حبسه 3 سنوات.

(6)

كان أبًا ديمقراطيًا ولعل ذلك الأمر الذي جذب طائفة كبيرة من الفتيات، وتمنين أن يكون والدهن مثله، فلم يفرض الأستاذ مدحت يومًا على ابنته رأيًا، أو يحرمها من رغبة، حتى وإن كان متخوفًا منها، فمثلًا بعد المقابلة الأولى مع حماها، عندما قدم لخطبتها، وموقف خوف زوجها من مصارحته بأنه يريد الزواج منها، جعله يشك بأنه شخصية “صعبة الطباع”، وتخوف من تحكمه في كل الأمور، وقراره بالعيش معه في نفس السور العائلي، فنصحها، لكنه لم يفرض سيطرته قط عليها بل احترم ما قررته، وساندها فيه، بل وساعدها على كسب محبة الرجل، الذي كانت تشتكي منه بعد الزواج، لكنه نصحها بأن تكسبه لأنه “طيب”، وأيضًا لم يتدخل في قرارها برفض حب زياد، أو حتى عاقبها على عصيانها لطلبه بالا تطالب بميراث والدتها من خالها، بل شرح لها سبب طلبه، وأيضًا عندما طلب منها أن تعزمه على زفافها احترم عدم رغبتها في ذلك، وتقبل نقد الأخير ونظراته.

(7)

شكل الأستاذ مدحت، شخصية “شهيرة” في كل ما سبق، حيث خلق منها الزوجة “الأصيلة”، والبنت “المستقيمة”، وأيضًا الطالبة المجتهدة، حيث كان هو مثالٌ للإنسان المكافح المثابر، فبالرغم من خروجه على المعاش، قرر أن يجلس هو في الصيدلية، لليوم الأخير في حياته، وكذلك عندما أرهقها العمل في مصنع حماها، بعد تعرضه لوعكة صحية، وقررت ألا تذهب يومًا كسلًا، رفض ذلك وأخبرها: “هنروح النهاردة وكل يوم لحد ما رؤوف يستلمه”، حفاظًا على الأمانة التي تسلماها، وكذلك إيمانًا بقيمة كل يوم في العمل في المصنع، وفك أزمته.

ذلك الأمر انعكس على شخصية “شهيرة” الطالبة التي ظلت طيلة فترة دراستها لا تُفكر إلا في كيفية حصد الدرجات، ومن ثم التقدير، والتميز في الجامعة، والعمل، وحتى في زواجها.

(8)

بعد وفاة الأستاذ مدحت، انهارت “شهيرة” بعكس رد فعلها يوم وفاة والدتها، لأن وقتها خسرت عمودًا، واستندت على الآخر، ولكن موته، جعلها تشعر بالوحدة، لدوره الثري والمؤثر في حياتها، والذي بالرغم من تشربها لكل تلك النقاط المذكورة منه، إلا أنها وأمام التحدي الأول في حياتها من بعده انهارت، وقررت دون تفكير لغياب صوت الحكمة، الذي كان يحجم اندفاعها بحنان وعقل دائمًا، ووقعت في خطأٍ لن تستطع التخلص من أثره في نفسها، بانتقام عنيد، ومتهور، حطم “صورتها المثالية” حتى في نظرها هي، ما جعل لغيابه أثرًا في القصة، مثل حضوره، ليتحول هو إلى المحرك الأساسي والصانع لشخصية “شهيرة”.

https://youtu.be/m_kkw1q1LE8