"أبيض وأسود".. وتداعيات الهجرة على الأسر العربية

أحمد شعبان

في عام 2015 وصل إلى أوروبا أكثر من مليون ونصف مليون مهاجر، غالبيتهم من سوريا والعراق وقليل منهم ينتمون إلى أفغانستان وبعض دول أفريقيا. وفي ظل غياب أي حلّ قريب للصراع الدائر في سوريا، الذي يدخل الشهر الجاري عامه الثامن، تبقى أزمة اللاجئين السوريين حاضرة، فبعد أن ضاقت بهم سبل العيش في وطنهم، وحاصرهم الموت من كل اتجاه، يحمل الواحد منهم ما تيسر له من متاع وما تبقّى لديه من ذكريات، تاركًا خلفهم وطنه، ليبدأ رحلة جديدة محفوفة بالمخاطر.

نرشح لك: 5 نصائح لتغطية صحيحة لقضايا اللاجئين

عندما تطأ أقدام اللاجئين السوريين أرض ألمانيا، يعتقد بعضهم أن المعاناة انتهت وستبدأ مرحلة جديدة من الاستقرار والتعويض عما لقوه وعانوا منه جراء الحرب، لكن تبدأ مرحلة جديدة من مواجهة التحديات في المجتمع الجديد سواء بسبب اللغة أو الاختلافات الثقافية، وصعوبة الاندماج في المجتمع الجديد، وجمع شتات العائلة الواحدة، التي تفرقّت السبل بأفرادها، والحصول على سكن ملائم، وغيرها من التحديات التي تركت آثارها على عديد من الأسر العربية المهاجرة.

كيف تبدو حياة المهاجرين في ألمانيا؟ وما هي التحديات التي تواجههم في مجتمعهم الجديد؟ وتداعيات الهجرة على الأسرة العربية؟ وما هي العوائق التي تواجه المهاجرين من أجل “لم الشمل”؟ وكيف تتعامل الأسر العربية مع القواعد الجديدة التي وضعتها الحكومة الألمانية لـ”لم الشمل”؟، كل هذه المحاور وغيرها ناقشها مؤخرًا برنامج ” أبيض وأسود ” ، الذي يُعرض على قناة “TeN”، وهو برنامج مناظرات، يجمع بين محاورين من بلدين مختلفين، الأول هيثم الصاوي من مصر، والثاني المحاور التلفزيوني الألماني قسطنطين شرايبر.

خلال العامين السابقين، استقبلت ألمانيا موجة كبيرة من اللاجئين، فقد هاجر إليها أكثر من مليون ونصف شخص، هذه الأعداد الكبيرة جعلت المجتمع الألماني ينظر بشكل مختلف إلى اللاجئين، أصبح ينظر إليهم كأنهم أتوا إلى ألمانيا ليستفيدوا منها فقط، دون أن يقدّموا لها شيئًا، ويضيف محمد الكاشف الباحث في شئون اللاجئين والهجرة، الذي استضافه البرنامج للتعليق على أوضاع اللاجئين، أنه حتى الخبراء والباحثين العاملين في ألمانيا ينالهم جانب من تلك النظرة، ويؤكد أن المجتمع الألماني يستفيد من اللاجئين بقدر ما يفيدهم.

ثمّة مشاكل وتحديات أخرى تواجه اللاجئين، فمنذ مارس 2016 تم تجميد قرار “لم الشمل” الذي تلجأ إليه الأسر العربية المهاجرة، لجمع شتات أفرادها، من أجل تحقيق الاندماج في المجتمع الجديد وحتى تعيش حياة طبيعية مستقرة، وهذه من حقوق اللاجئين، حسبما يؤكد “الكاشف”؛ هذا التجميد دفع عدد من الأسر إلى اللجوء إلى شبكات التهريب، أو العودة مرة أخرى إلى ركوب البحر، بعدما استنفذوا الوسائل القانونية المشروعة.

كثيرون عادوا أو فكّروا في العودة من ألمانيا إلى دول المعبر أو الممر، بسبب صعوبات وتحديات كثيرة واجهتهم، يسأل هيثم الصاوي هل يمكن اعتبارها ظاهرة؟، تأتي الإجابة من محمد الكاشف أنه لا يمكن اعتبارها ظاهرة، لأن اللاجيء يريد أن يعود إلى وطنه في نهاية المطاف، لكن بسبب صعوبة الاندماج في المجتمع الألماني، وصعوبة الحصول على سكن ملائم، وعدم القدرة على جمع الشتات، فـ”اللاجيء ليس له الحق في الاختيار، وإنما تقوم السلطات الألمانية باختيار مسكنه وتدبير أموره”، كل هذا يدفع اللاجئين إلى تفضيل العودة إلى مجتمعات مثل مصر أو تركيا، لأن إحساسه بالغربة فيها أقل، وتقارب عاداتها مع عادات وتقاليد بلادهم يسهّل عليهم الكثير.

أبعد من العاصمة المصرية، القاهرة، التي ضاقت باستطلاعات الرأي، اختار القائمون على البرنامج الذهاب إلى أسوان، في جنوب مصر، لاستطلاع رأي بعض الشباب حول التفكير في الهجرة إلى ألمانيا، وإيجابياتها وسلبياتها، ونظرة المجتمع الألماني للمهاجرين، يقول أحد الشباب: “هناك إيجابيات في نظام التعليم والعمل، لكن فيما يتعلق بالعادات والتقاليد الأمر سلبي”، ثم يمضي آخر: “هم يحتاجونا ليستفيدوا منّا، ويستفيدوا من أفكارنا في مجالات عدة”.

في المقابل، التقى البرنامج عددًا من المواطنين الألمان واستطلع آرائهم، ونظرتهم للمهاجرين، وحين رأت مواطنة أنه ما زال في إمكانية ألمانيا استيعاب اللاجئين وأسرهم، رحبت أخرى باللاجئين لكن ينبغي الأخذ في الاعتبار عدة اجراءات تضمن حقوق المواطنين الألمان، منها على سبيل المثال الفصل بين الطلاب من أبناء المهاجرين، وبين الطلاب الألمان، في الفصول المدرسية، وهو ما اعتبره بعض ضيوف البرنامج “عنصرية” تجاه المواطنين غير الألمان، فيما برر آخرون ذلك بأنه من حق الطفل الألماني أن يحصل على حقوقه كاملة في التعليم.

استضاف البرنامج اللاجيء السوري “أبو نمر”، الذي يعيش في غرب ألمانيا، في قرية صغيرة على الحدود الهولندية، مع زوجته “أم نمر” وابنها وابنتها، بينما تنتظرن بناته الثلاث في الإسكندرية بمصر، فتح الباب مرة أخرى لـ”لم الشمل”، ليتمكنوا جميعًا من العيش معًا. رحلة صعبة وقلق ورعب ومتاعب كثيرة واجهت “أم نمر” التي رحلت من سوريا مع بناتها عبر مراكب الهجرة في البحر، بعد رحلة مضنية من مصر إلى إيطاليا ثم إلى ألمانيا، حصلت “أم نمر” على الإقامة بعد 8 أشهر، فأرسلت لتطلب “لم شمل” عائلتها، لم توافق السلطات الألمانية إلا على لجوء زوجها وابنها الصغير وبنتها الصغرى، فيما ظلت بناتها في الإسكندرية، يتواصلون معهم عبر الإنترنت.

رغبة “أم نمر” في تعليم بناتها، وأن تضمن لهم مستقبلًا آمنًا، هو ما دفعها إلى الهجرة إلى ألمانيا، ويقول “أبو نمر”: “كنا نتصور أننا يمكن بأوروبا نعيش غير عيشتنا بمصر، ونعلم بناتنا وأنا أجد علاج مناسب لمرضي”، وتحكي “أم نمر” عن معاناة بناتها في الإسكندرية، وكيف أن إحداهما حاولت الانتحار، بسبب عدم لم شمل الأسرة، فليس لهم أقارب في مصر، ثم يعلق “أبو نمر”: “ازاي أعيش أنا في بلد، وولادي يعيشوا في بلد آخر، الواحد ما كان يحسب أن يصير كل ذلك، باب أوروبا اتفتح للسوريين كلهم بدون استثناء، لكن فجأة اتسكّر”، موضحًا أنه تم رفض طلبه بـ”لم الشمل” من قبل الحكومة الألمانية دون أن يعرف سبب الرفض.

إلى جانب المعاناة في الحصول على سكن ملائم، والمعاناة في “لم الشمل” للأسرة الواحدة، هناك مشكلة أخرى سلّط محمد الكاشف الضوء عليها، وهي الأطفال القصّر الذين يعيشون في ألمانيا وحدهم، قدموا طلبات للم الشمل، لكن تم تجميد القرار، يعيشون حياة صعبة، تحت وصاية شخص ما، أو في دور الرعاية، ولا يستطيعون التواصل مع أسرهم، كل ذلك يتسبب في تنشئة غير سليمة لهم، حسبما رأى الكاشف.

استطلع البرنامج آراء عدد من اللاجئين السوريين في ألمانيا، وتداعيات تجميد قرار “لم الشمل” عليهم، قال أحد الشباب: “مش عارفين نلم شمل الأسرة ومعتقدش إن ده ممكن، أبويا وأختي في السويد، وأمي وأختي الثانية في سوريا وليا أخ في فرنسا، وأنا لوحدي في برلين، العائلة تشتت بشكل غير طبيعي وعشان تتجمع تاني صعب”.

بسبب ما يتعرض له أطفالها من مضايقات وتفرقة في المدرسة، وعدم تقدير بعض المواطنين الألمان لكونهم سوريين أتوا إلى ألمانيا جراء الحرب وأهوالها، غيّرت “أم نمر” نظرتها المتفائلة الأولى يوم وصولها إلى ألمانيا، وقالت في نهاية الحلقة بأسى، إن قرارها بالسفر ألمانيا غير صحيح، مؤكدةً: “ألمانيا كانت اختيار غير صحيح، وأرجع بلدي أقعد على الرمل مع أولادي بدون بيت أحسن عندي إني أعيش وسط نظرة الألمان لي ولأولادي”.