منى سلمان تكتب: دفاعًا عن ريهام سعيد

لا أعرف السيدة ريهام سعيد بشكلٍ شخصي و لم يسبق لي أن قابلتها في أي مناسبة، ومثل معظم زملائي الذين دخلوا إلى المهنة من باب الدراسة والتدريب المستمر كانت لي تحفظات كثيرة على نوعية ما تقدمه في برامجها و طريقة الأداء التي تتبعها في هذه البرامج، ولاعتبارات مهنية وأخلاقية كثيرة لم يسبق أن علقت على ما تقدمه بشكل علني، وإن كانت هي المثال المفضل لعدد كبير من الطلاب والمتدربين الذين شاركت في تدريبهم في أماكن متعددة كنموذج لكل ما يجب ألا يُقدم على شاشة التلفزيون، ولم أتخيل أبدًا أنني يمكنني أن أكتب مدافعة عنها في يوم من الأيام.

أعرف أن ريهام متهمة في قضية جنائية محل تحقيق أمام النيابة والقضاء، وأدعو الله أن يفرج كربتها وينجيها من هذه المحنة القاسية، لكن هل تتحمل ريهام وحدها مسئولية وصولها إلى هذه الأزمة؟!

في نهاية التسعينيات كان مشهد طوابير الغلابة التي تنتظر مقدم برنامج “كلام من دهب” أمام باب الإذاعة و التلفزيون مشهدًا مألوفًا، كان الأستاذ طارق علام يقدم برنامج منوعات ناجحًا بكل المقاييس، يعتمد فيه على مفاجأة المشاهدين في أماكن غير مألوفة بأسئلة غير متوقعة، ويقدم لهم جوائز ذهبية، في إطار من خفة الظل، ثم ظهرت الفقرة الإنسانية.. مُشاهد يروي حالته الصعبة ويطلب المساعدة فتتوالى التبرعات التجاوب الجماهيري جعل “الحالات الإنسانية” فقرة ثابتة في البرنامج، ولاحقا انتقلت الفقرة ومعها طوابير الغلابة إلى برامج أخرى يقدمها نجوم آخرون، قبل أن تغادر ماسبيرو وتستقر أمام مدينة الإنتاج الإعلامي في انتظار مصادفة مرور زملاء آخرين على رأسهم ريهام سعيد.

نرشح لك.. محامي”ريهام سعيد”: لا يوجد أي إجراء لإخلاء سبيلها الآن

ليس لديَ أي شك بالطبع في الدافع الإنساني للزملاء ومحاولتهم تخفيف معاناة قاسية تعيشها فئات غير قليلة من مواطنينا الذين يستحقون علاجًا ومسكنًا لائقًا دون أن يضطروا إلى إراقة ماء وجوههم على الشاشات أو يتحولوا إلى دجاجة تبيض ذهبًا لوكالات الإعلان، و لم يخبرنا أحدهم من قبل إن كانت هناك أي رقابة تمارس على التبرعات التي تجمعها هذه البرامج أم أن الأمر متروك لضمائر العاملين فيها؟

ومن جانب آخر علينا أن نسأل أنفسنا عن دور هذه البرامج في تحويل “حق” المواطن في العلاج والسكن إلى “حسنة”، وعن مسئولية علانية هذه الحسنة في الوصول إلى الكثير من مظاهر “الأفورة” في أداء المحسن والمحسن إليه ومقدم برامج الإحسان.

بمنطق مهني بحت تابعت بعض ما قدمته الزميلة ريهام مما يمكن أن يطلق عليه “خبطة صحفية”، قد يحارب من أجلها زملاء مجتهدون، وهو ما يدل على جرأة وحس صحفي لديها كان يمكن أن يتم تطويره من خلال التدريب و التوجيه، لكنه يدل أيضًا على نسق موجود في الإعلام المصري وهو تسخير كل إمكانيات القناة للمذيع النجم، والنجومية هنا ترجمتها “اللي بيجيب إعلانات”، وبالطبع لا أحد يسأل النجم عما سيفعله بهذه الإمكانيات! فيمكنه مثلا أن يسافر إلى أرض محتلة ويفاجأ أن هناك احتلال! أو يقطع رحلة شاقة إلى منطقة وعرة شهدت مأساة إنسانية ولا يجد ما يفعله سوى “الصعبانيات”.

كما أنني توقفت أمام صورة “معدة البرنامج”؛ شابة صغيرة في مقتبل العمر دفعها الحماس والبحث عن الفرصة بحسب الوقائع المنشورة إلى تحمل مسئولية تحتاج إلى قدر كبير من الخبرة والتدريب والارشاد المهني والقانوني الذي لم تحصل عليه، لينتهي بها الأمر متهمة في جناية!

عندما تعطي لأحدهم سيارة سباق سريعة دون أن تعلمه قيادة السيارات ويبدأ سقوط الضحايا، فمن الطبيعي أن يكون هو نفسه من بين الضحايا، ومن العدل ألا يتحمل وحده اللوم.

مرة أخرى أتمنى أن تكون ريهام قد قدمت عونًا حقيقيا للحالات التي قدمتها، و أن يكون منهم من هو مستجاب الدعوة ويدعُ لها بالنجاة و العودة لأسرتها وأطفالها.