أنتيخريستوس.. صراع الإنس والجن في رحاب الصهيونية

نورا مجدي

في البداية ستقف عند اسمها الذي لن تتمكن من نطقه بالطريقة الصحيحة في المرة الأولى، لكن بعد أن يأخذك الشغف لتعرف من هو أنتيخريستوس -معتقدًا من الاسم والغلاف بأنها رواية “رعب”- ستكتشف أنك تعيش في كوكب الرعب ذاته، واضعًا اسم أنتيخريستوس -الذي بدأت تردده داخلك- نصب عينيك، ومع قليل من نظرية المؤامرة التي تخوضها مع الكاتب والروائي أحمد خالد مصطفى يتضح لك أشياء ومعانٍ لم تكن تفكر فيها أو بحكم خضوعنا كـ عالم عربي لنظرية المؤامرة طوال الوقت أصبحنا نرى أن الحديث في مثل تلك الأمور التي يسردها الكاتب لا يقدم ولا يؤخر.

“الصهيونية”.. إذا أردنا تلخيص هذه الرواية في كلمة سيقول البعض إنها تتحدث عن الصهيونية، لكن بالنظر إلى الرواية بصورة أكثر عمقًا سنجد أن الصهيونية ما هي إلا غلاف أراد الكاتب إيصال رسالته به بحكم أنها الكلمة الأكثر تعبيرًا عن الشر والدمار في ذهن القارئ العربي، لكن في الحقيقة فالكاتب يتطرق في روايته للسحر وعلاقة الإنس والجن على مدار القرون العديدة من خلال بعض القصص الحقيقة التي ورد ذكرها في القرآن أو الكتب السماوية.

نرشح لك: زيارة لمكتبة “حوش عيسى”.. (2-4)

يبدأ الكاتب رحلته معك بـ “لعبة الأوراق” التي يروي لك من خلالها 13 قصة تاريخية، وقبل البدء يعطيك تنويهًا بأن جميع شخصيات الرواية حقيقية بإنسها وجنها وشياطينها وأن جميع الأحداث التي رواها مبنية بالفعل على وقائع وأحداث حقيقية، وبالفعل ستكتشف أنك قد سمعت عن بعضها ولم تسمع عن البعض الآخر، وهو ما يجعلك تُصدم في بعض الأحيان حيث يرتابك الشك حول حقيقة ما تقرأه.

تدور الأحداث التاريخية التي يربط الكاتب أحداثها ببعضها في الفترة التاريخية قبل 2500 عام قبل الميلاد وحتى نهاية العالم ويبدأ الكاتب رواية أحداث تبدأ من عند “سميراميس” الفتاة الجميلة التي تتزوج من الملك النمرود أول ساحر في التاريخ والذي كان يحكم وقت بعث سيدنا إبراهيم عليه السلام، ثم قصة الملكين “هاروت وماروت” والمغالطات التي طالت قصتهما، ثم يروي لك قصة فرسان الهيكل “المعبد” وعلاقتهم بمُلك سيدنا سليمان ودفن كتب السحر أسفل كرسي سليمان، وحقيقة حفرهم تحت المسجد الأقصى لاستخراج تلك الكتب.

ويتطرق كذلك للصحابة والحكم العثماني، مروراً باليهود وكيف سيطروا على العالم من خلال الاقتصاد العالمي وكيف مهدوا لحدوث الثورات في العالم، ومن هنا يبدأ للتطرق إلى الماسونية فالصهيونية ودرجاتها الـ 33، لكن بشكل أكثر حيادية حيث أكد الكاتب على الفرق بين اليهود والصهيون وعلاقتهم بالإسلام والمسيحية، وفي النهاية يأخذك إلى ما يُعرف بنظرية المؤامرة ليوضح لك حقيقة المؤامرة، وبروتوكولات حكماء صهيون.

ولقد نجح الكاتب في جعلك تشعر وكأنك  في رحلة تاريخية تطير بها عبر قارات العالم كله، مزودًا إياك بالمعلومات التي تحتاجها خلال رحلتك لجعلها أكثر تشويقًا، فما يلبث أن يرمي لك كلمة تجذبك لتجد نفسك انتهيت من قراءة الفصل الذي يخص تلك الكلمة كما حدث مثلًا عند قراءة قصة “دراكولا” الذي نكتشف أنه كان شخصية حقيقة وليس خيالية كما روجت الأفلام، وأيضًا قصة “بوكاهونتاس” التي سردها على لسان شخصيتين أحدهما كاذبًا والآخر صادقًا ليتركك تكتشف من هو الصادق ومن الكذاب ثم يصدمك في النهاية بذكر أن الفيلم الكارتوني الشهير الذي يحمل اسم “بوكاهونتاس” هي الرواية الكاذبة التي أردوا ترويجها من خلال فيلم “كارتوني”.

 

إن المعلومات التي تحملها الرواية فضلًا عن القصص الشيقة وأسلوب السرد ليست الطريقة الوحيدة لجذبك، حيث يخبرك الكاتب أن شخصية “بوبي فرانك” التي يستخدمها لسرد روايته تراقبها الشياطين السبع الذين يترصدون لقتله  ويرصد بعض الأفكار من خلالهم، كما يخبرك أن تلك الشياطين تراقبك أثناء قراءتك للرواية الأمر الذي يمنحك شعورًا فريدًا للتركيز في الأحداث ومحاولة كشف الغموض الذي يربط بين عالم الإنس والشياطين.

لكن ما يؤخذ على الكاتب هو أنه لم يتطرق لذكر مصادره التي استند إليها ليؤكد لنا بعض الحقائق، وإن كان ذكر بعض المعلومات التي ثبت صحتها من كتب أخرى دينية أو تاريخية قد يحمل القارئ لتصديق المعلومات الواردة، إلا أن التنويه الذي وضعه الكاتب في المقدمة لا يكفي لتصديق كل كلمة ذُكرت داخل صفحات تلك الرواية.

وختامًا ينتهي بك المطاف لتقف أمام قصة الشيطان السابع “أنتيخريستوس” الذي تكتشف أنك  تعرفه جيدًا لكن من خلال اسم آخر سبق أن سمعته وعلمت قصته والتي يرويها الكاتب مرة أخرى بشكل يؤكد لك صدق كل ما ذكره الكاتب من معلومات طوال رحلته الطويلة في العالم الغامض الملئ بالسحر والجن والشياطين، وبعدها تنتهي من قراءة الرواية التي تكتشف عند التعمق في ثناياها أنها أقرب للتصنيف كـ كتاب وليست رواية بالمعنى المعروف حيث أن أحداثها وقصصها حقيقية لكنها حملت براعة الجمع بين الشكل والمضمون لينتهي القارئ من قراءة رواية تشبع رغبته في حمل المزيد من المعلومات عن طريق أسلوب سردي فريد.