مها ناجي تكتب: مش فارقة

يدهشني التناقض الغريب الذي ألاحظه الآن بين ما تنادي به مختلف فئات المجتمع من إعلاميين وأكادميين ومسؤولين بالحكومة وأولياء أمور بأهمية الاهتمام بالتربية السليمة التى ينتج عنها مواطنين أسوياء، وما أشهده على أرض الواقع من طريقة أولياء الأمور في التعامل مع أبناءهم في مختلف الأماكن العامة.

فعلى سبيل المثال صادفت عائلة من أب وأم وطفلين في أحد المتاجر الكبيرة، الطفل الصغير يجلس في عربة التسوق ولسبب ما بدأ في البكاء. كل ذلك عاديًا بالنسبة لي، نظرا لتعودي علي سماع بكاء الأطفال في مختلف المواقف ومعايشتي لتلك التجربة اللطيفة المثيرة لأعصاب أي أب أو أم. ولكن ما لفت انتباهي هي قطع هذا البكاء بصراخ الأب ونكزه لابنه الصغير وشتمه بألفاظ قد لا تكون خارجة في نظر البعض ولكنها حتما مهينة لأي إنسان مهما كان عمره أو مستوى فهمه وإدراكه لمعني الشتائم.

نرشح لك: مها ناجي تكتب: البحث عن السعادة

سكت الولد وكتمت غضبي من تصرف الأب وأكملت رحلة التسوق وأنا لا أتوقف عن التفكير في مشاعر هذا الطفل وما إذا كان يشعر بالإهانة وربما الكره لوالده، أم يكون قد تبلد بالفعل لما ظهر من رد فعل باقي العائلة الواقفة بجانبه علي أنه تصرف عادي ومقبول تماما. ماذا فعل هذا الطفل الصغير الذي لم يتعد طوله المتر لرجل بالغ يبدو عليه أنه متعلم ومتحضر وفي كامل قواه العقلية؟؟؟

ومن ناحية أخرى أجد عدد كبير من الآباء والأمهات وحتي الجدود والجدات في يومنا هذا يتفاخرون بمعرفة أولادهم لكلمات خارجة ويضحكون وسط أصحابهم لـ”شقاوة” أطفالهم، ليس هذا فقط بل ويستخدمون ألفاظا خارجة أو شتائم أمام أولادهم بمنتهى الأريحية بدون الانتباه إلى طريقة استيعاب وتخزين ابنائهم لتلك الكلمات لاستخدامها فيما بعد في حياتهم اليومية. ألفاظ كثيرة كانت منذ بضعة سنوات “عيب” أصبحت الآن من العادي سماعها واستخدامها في مختلف الجلسات العائلية والخاصة بالعمل، ولكن المفزع هو استخدامها في حضور أطفال من المفترض أن يكبروا وهم يعلمون الفرق علي الأقل بين الكلمات المقبول باستخدامها والكلمات الخارجة. أضف إلى ذلك طريقتنا جميعا في التعامل مع بعضنا البعض والتي أصبحت جافة ومتحفزة وعدوانية في كثير من الأحيان والتي جعلت من الصوت العالي والصراخ بتشكيلة مناسبة من الألفاظ هما ما يسيطران على أي موقف وعنصر التفوق على الشخص المعارض لك.

أتذكر عندما كنا أطفالًا حينما كان والدي يتحدث عن أي شيء بحدة ويكون هناك احتمال أن يتلفظ بأية كلمات “غير لائقة” كانت والدتي تحذره في وسط الكلام بعبارتها المعتادة “مش قدام الولاد”. وكبرنا على أن هناك خطوط حمراء في الحديث وألفاظا قد نكون نعرفها ولكن لا نتلفظ بها مهما حدث، وأن نراعي جيدا ما نقوله في حضور من. ويدهشني رد فعل البعض بأن “الدنيا كلها بقت كده” وأنهم سوف سيسمعون تلك الألفاظ في كل مكان فـ”مش فارقة”.

لا فارقة! عندما تجد شخص بالغ يشتمك بأقذع الألفاظ لاختلافك معه في المرور في الشارع اعلم أنها “فارقة”! عندما تجد أولادك حين يصبحون في سن المراهقة يبدون ويتصرفون كأنهم في العشرينيات من عمرهم اعلم أنها “فارقة”، وعندما تكبر وتصبح من كبار السن ولا تجد أي احترام من الذين هم أصغر منك في السن اعرف انها “فارقة”!.

لا أدعي أنني مصلحة اجتماعية أو مربية فاضلة ولكني مؤمنة أن ما أراه الآن منتشر بين الأطفال بسبب أباءهم وامهاتهم “مش كول خالص وهييجي على دماغنا” عندما يكبر هذا الجيل ونصبح نحن “العواجيز”.