٨ قصص عن فكري أباظة.. أبرزها الحكم عليه بالإعدام

هاله أبوشامة

كل من عرفوه في رحلة حياته الطويلة والتي تجاوزت الثمانين عامًا، يتفقون على سماته التى اتصفت بالنبل والعطاء والحب والمرح والوطنية، فهو أبٌ روحي لكثيرين من معاصريه، هو فكري أباظة، صاحب العديد من الألقاب منها، المحامي وشيخ الصحافيين العرب والنائب البرلماني والفنان الحائر والإذاعي والباشا والضاحك الباكي، الذي تحل اليوم ذكرى وفاته.

نرشح لك: محمد سعد .. الجوائز تبدأ عند الخمسين

شوكة نخلة

يروى “أباظة” فى لقاء تليفزيوني قديم فى برنامج “لقاء المشاهير” مع الإعلامية سهير الإتربي، بعد أن سألته عن فلسفته فى الحياة روى عن نفسه قائلًا: “أنا ولد لم أبكي مثل الأطفال فجاءوا بشوكة نخلة لكي يجبروني على البكاء لكنني لم أبكي، وأحسست باضطهاد من أسرتي فبرغم أنني كنت أصغر أشقائي إلا أنني لم أحصل على هدايا مثلما كانوا يحصلون عليها، وتابع: “أطلق عليّ زملائي في المدرسة اسم خوفو وخفرع بسبب البثور التي كانت تظهر في وجهي وكانوا يسمونني بالأهرامات، وحينما تأثرت بجورج أبيض وأردت تمثيل قطعة تراجيدي بائت محاولتي بالفشل، لكنني على الرغم من ذلك كنت أحب حفظ الحكم وأول حكمة حفظتها وعملت بها هي أدي الواجب ودع ما يكون”.

العصيان الأول

ولد فكري أباظة عام 1896 في قرية أبوشحاتة مركز منيا القمح بمحافظة الشرقية، تعلم في كُتاب القرية، ثم في المدرسة الابتدائية، ثم انهى دراسته الثانوية عام 1914 في مدرسة السعيدية بالجيزة، والتحق بعدها بكلية الحقوق، لكنه سرعان ما تم فصله ضمن مجموعة طلاب عام 1915 بسبب امتناعهم عن استقبال السلطان حسين كامل احتجاجًا منهم على إعلان الحماية البريطانية على مصر.

الإعدام من أجل الثورة

وبعد تخرجه من كلية الحقوق عمل محاميًا فى أسيوط، وتصادف فى هذا التوقيت اشتعال ثورة 1919 الشعبية، التى لم يتردد فى الاشتراك فيها، بل وتأليف نشيد وطني حماسي ذاع وانتشر سريعًا بين الجماهير مما اضطر الإنجليز إلى مطاردته، وذلك بعد أن هرب إلى القاهرة متخفيًا في هيئة تاجر ماشية، فصدر عليه حكمًا غيابيًا بالإعدام.

النائب المعارض

شغل أباظة بعد ذلك منصب “نائب برلمان” بعد أن تم انتخابه عام 1923، وتكرر انتخابه عدة دورات أخرى، فكان من أولئك الذين دعوا بحرية الرأي ملخصًا فلسفته في ذلك في جلسة يوم 14 ديسمبر 1948 قائلًا:” النائب المعارض لا ينبغي له أن يعترض فحسب، بل يجب أن يشارك الحكومة بقدر مايستطيع، فقد يستفيد منه رئيس الحكومة أو الوزير المختص مما يقول من آراء تمثل الرأي الآخر والفكر الصادق”.

كلمة حق

هجر المحاماة وبدء العمل الصحفي في صحيفة المؤيد ثم في الأهرام ثم محررًا في مجلة المصور التي أصبح رئيسًا لتحريرها 1926، وانتخب نقيبًا للصحفيين عام 1944، لمدة خمسة دورات متتالية، وكان صاحب القانون الأول لنقابة الصحفيين، وأصبح رئيس تحرير مجلة الهلال الشهرية لعدة سنوات إلى أن صدر في العهد الناصري قرار حكومي بإعفائه من جميع مناصبه فجأة.

علل أباظة ماحدث له بأن المقال الذى تم نشره في مجلة المصور بعنوان “الحالة جيم” كان السبب في ذلك وملخصه : “أن إسرائيل لو تخلت عن عضويتها ونزعتها الصهيونية، وقبلت العيش داخل إطار دولة فلسطينية يهودية، إذًا لضمنت البقاء”، لكنه أكد أن ذلك لم يكن إلا سببًا ظاهريًا، والسبب الحقيقي كان مقالًا آخر بعنوان “كلمة حق” بنفس العدد بالمصور قائلًا: “سئلت فيه لماذا يكره الإسبان الجنرال فرانكومع أنه خلصهم من قبضة الشيوعيين بعد حرب دموية؟، أجبت بلسان الحكمة رغم عظمة فرانكو، فإنه قضى على حرية الكلمة، والعقيدة، وهذه هي أعز قيم الإنسان والإنسانية، فظن جمال عبد الناصر بمنطق “الكلام لك يا جارة”، أنني أغمزه هو شخصيًا”.

الحرية من أجل الكتابة

شملت شخصية “أباظة” على جوانب فنية وأدبية، فألف مائة قطعة موسيقية تعزف على الناي والمندولين، بالإضافة إلى المشاركة في التأليف المسرحي” لفرقة عكاشة” بأوبريت غنائي باسم “سعاد” لكنه اختلف مع زكي عكاشة الذي طلب منه تغيير اسم المسرحية وتعديل بعض أحداثها فرفض وتسلم النص ثم مزقه، معقبًا على ذلك:” توبة عن التأليف المسرحي إذا لم تتوفر الحرية الكاملة للكاتب”.

وكان له مؤلفات عديدة منها “خلف الحبايب”، والضاحك الباكي”، و”أحاديث فكري أباظة”.

الضاحك الباكي

وفي لقائه فى برنامج “لقاء المشاهير” ذكر سبب تسميته بـ”الضاحك الباكي” قائلًا: “أحببت امرأة حب عميق وعظيم عام 1928 وقدمت لها خدمات في قضايا من أخطر ما يمكن، وبعد انتهاء هذه القضايا تولد لديها إحساس بأنها كانت عبدة لي وتحررت بانتهاء حاجتها منه فحدث خيانه منها لي وسرت في الشارع أبكي وأضحك في نفس الوقت، ورآني أحد أصدقائي وسألني عن سبب ضحكي وبكائي ظننا منه أني جننت”.

الإذاعة.. لأنها الأقرب

عمل أيضا بالإذاعة فقدم كل أسبوع حديثا إذاعيا، فكان له أسلوبه الشيق الساخر والصوت المتميز الذي جذب جمهور عريض من مستمعي الإذاعة حينها.

قال في إحدى لقاءاته التلفزيونية: “أحب مهنة إلى قلبة هى الإذاعة فليس لها أي مساوىء كغيرها من المهن، وتضمن لك النجاح على نطاق واسع لجمهور من مختلف الطبقات والأعمار”.

وتوفي فكري أباظة في يوم 14 فبراير 1979 عن عمر يناهز 83 عامًا، تاركًا ورائه ذكرى مليئة بالحب والإبداع.