في ذكرى وفاتها.. 10 حكايات لأغاني أم كلثوم

نهلة سويلم

بعد وفاتها بأكثر من 4 عقود، تظل أم كلثوم متربعة على قمة الغناء العربي، فأغانيها كانت ولا تزال رمزًا للطرب الأصيل في مصر، ولا تزال حتى الآن هي “الست” بكل ما تحمله الكلمة من “عظمة”، فلم ترتبط جملة “عظمة على عظمة يا ست” إلا بـ”الست أم كلثوم”.

نرشح لك: الشاعر أحمد رامي: البعد والهجران “بهار” الحياة

في ذكرى وفاة “كوكب الشرق” يستعرض إعلام دوت أورج 10 قصص وحكايات وراء ما غنته من ألحان خالدة إلى اليوم.

1. الأطلال

تشتهر أغنية “الأطلال” بألحانها المميزة، وأداء أم كلثوم لكل جزء فيها بروعة مختلفة، ولكن ما لا يعرفه الكثيرون هي القصة التي تكمن وراء كلماتها، التي كتبها الشاعر الكبير إبراهيم ناجي، بعد عودته لمنزله بعد نجاحه في عملية ولادة متعسرة، حيث سمع في إحدى الليالي طرقًا على باب منزله من رجل يطلب طبيبًا لمساعدة زوجته التي تعاني من حالة ولادة متعسرة، فأسرع معه إلى بيته، وعند اقترابه من زوجته فإذا به يفاجئ بأنها حبيبته القديمة، التي علم بزواجها عندما عاد إلى قريته بعد دراسته للطب في القاهرة، فأخذ يكتب “وإذا ما التأم جرح .. جدّ بالتذكار جرحُ .. فتعلّم كيف تنسى .. وتعلّم كيف تمحو”.

غنتها “الست” لأول مرة عام 1966، بعد وفاة شاعرها بثلاثة عشر عامًا، وقد اختارت 32 بيتًا فقط من أصل 125، كما أضافت سبع أبيات من قصيدة “الوداع” لإبراهيم ناجي أيضًا، بداية من “هل رأى الحب سكارى مثلنا” الشهيرة، وحتى “وإذا الأحباب كلٌ في طريق”.

أما تلحين الأغنية فهذه قصة أخرى، فبعد أن انتهى الملحن رياض السنباطي من تلحينها، وبدأت أم كلثوم تتدرب على أدائها، طلبت من “السنباطي” تغيير آخر مقطع من الأغنية الذي يقول “لا تقل شئنا فإن الحظ شاء” من النغمة العالية لنغمة أكثر هدوءًا، ولكنه اعترض بشدة على هذا التعديل، بل دام الخلاف لمدة 4 سنوات، رفضت فيها أم كلثوم تغيير رأيها، إلى أن تدخل بعض الأصدقاء للصلح بينهما، فوافقت أم كلثوم على عدم تغيير اللحن، وعندما غنتها في حفل 1966، دوى المسرح بتصفيق الجمهور لدقائق كاملة، ما دفع أم كلثوم للذهاب لبيت “السنباطي” باكية، تشكره على إصراره على عدم تغيير اللحن، وتعتذر له عن تأخير “الأطلال” 4 سنوات كاملة.

2. أغدًا ألقاك

كتبها الشاعر السوداني الهادي آدم، وظهرت في كلماته شوق ولهفة لا تزال تثير الإعجاب إلى اليوم، لا عجب في ذلك حيث كتبها وهو في شدة “شوقه واحتراقه في انتظار الموعد” والذي تجسد منذ بداية القصيدة بهذه الكلمات، وحتى نهايتها، فالقصة وراء هذا الموعد بدأت حين غادر “الهادي” السودان للدراسة في مصر، ووقع في حب زميلة له، ولكنه فوجئ برفض أهلها الشديد عند تقدمه لخطبتها، فتمكن منه الإكتئاب وعاد للسودان، وحين أتته البشرى من حبيبته أن والدها قد وافق أخيرًا على زواجهما، كاد يجن من الفرح وقرر العودة إلى مصر فورًا، ما دفعه إلى كتابة كلماته الشهيرة “اغدا القاك ياخوف فؤادي من غد .. يالشوقي واحتراقي في انتظار الموعد .. اه كم اخشى غدي هذا وارجوه اقترابا .. كنت استدنيه لكن هبته لما اهابا”.

أما “الست” فكان من المعروف عنها أنها تضع لمساتها في كل أغنية تطل بها على الجمهور، لتضفي عليها سحرًا خاصًا، نادرًا ما نلمسه اليوم، فكانت القصيدة في الأصل “غدًا ألقاك”، ولكنها أصرت أن تضيف الألف لتصبح “أغدًا ألقاك” حتى تكتمل معاني الشوق في القصيدة، وبالفعل، لحنها محمد عبد الوهاب، وتغنت بها “الست” لأول مرة بدار الأوبرا عام 1971، لتصبح رمزًا يعبر عن الشوق والإنتظار في أبهى صوره.

3. أنت عمري

تعد هذه الأغنية من أشهر أغاني “كوكب الشرق” وأروعها لحنًا على الإطلاق، فكان نتاج تعاون طال انتظاره ثلاثون عامًا بين العملاق محمد عبد الوهاب، والسيدة أم كلثوم، فطالما أراد “عبد الوهاب” عملًا مشتركًا يجمعه مع أم كلثوم، فعرض عليه الشاعر أحمد شفيق كامل بعضًا من كلمات “أنت عمري”، فأعجب “عبد الوهاب” بها إعجابًا شديدًا، وطلب تلحينها، لعلها تكون الوسيلة التي تحقق التعاون المرجو، فعرض فكرته على أحمد الحفناوي عازف الكمان في فرقة أم كلثوم، وطلب منه أن يجس نبضها في ذلك الموضوع، ليبلغه بعدها بموافقة أم كلثوم المبدئية.

وبدأ التحضير لـ “لقاء السحاب”، الذي كان يتمناه الجميع وقتها، وعلى رأسهم الرئيس جمال عبد الناصر، حيث سألهما في احتفال 23 يوليو 1963 عن الأغنية التي تسربت أخبارها للصحافة وأصرا على إبقائها سرًا حتى تكتمل، فأكد له “عبد الوهاب” أنه يضع اللمسات الأخيرة، وسترى النور قريبًا.

كانت هذه الأغنية أول أغنية تُستخدم فيها آلة غربية في أغاني “الست”، فنجح محمد عبد الوهاب إقناعها بإدخال الجيتار الكهربائي إلى الفرقة لوضع لمسة مختلفة في اللحن، بعد رفضها القاطع على أساس أن فرقتها من التخت الشرقي ولم يعتد جمهورها على أي تغيرات، ولكنها غيرت رأيها بعد سماعها مقطع من اللحن على الجيتار الكهربائي من عبد الفتاح خيري.

وبعد تحضيرات دامت أكثر من خمس سنوات، وتحديدًا في مساء الخميس 6 فبراير 1964، شدت أم كلثوم بألحان محمد عبد الوهاب، الذي بكى في الحفل وهو يستمع لتصفيق الجمهور الذي قاطع لحن المقدمة عدة مرات مطالبين بإعادته، وظل يبكي خلف الكواليس من فرط فرحه وتأثره من نجاح هذا التعاون الأول أخيرًا.

4. هذه ليلتي

ولِدت القصة وراء هذه الأغنية في لبنان عام 1968 بمدينة ضهور الشوير، حيث التقت أم كلثوم بالشاعر اللبناني جورج جرداق في أحد الفنادق التي كانت تعتبر ملتقى للشعراء والفنانين وقتها.

وفي لقاءهما، سألته أم كلثوم: “متى سأغني من كلماتك يا جورج؟”، فأجابها بطريقته المعتادة: “هذه ليلتي وحلم حياتي يا سيدتي أن تغني من كلماتي”، وبالفعل لفتت هذه الكلمات انتباه “الست”، وأصرت أن تكون هذه مطلع أغنيتها الجديدة، التي كتبها “جرداق” فيما بعد، وقدمها لأم كلثوم، فأعجبت بها، وعرضتها على الملحن الكبير محمد عبد الوهاب ليقوم بتلحينها، وما أن قرأها حتى تأثر بها حد البكاء، وعمل على تلحينها لحنًا يليق بعظمة كلماتها.

وتحققت هذه “التوليفة الإبداعية” بين “عبد الوهاب” و”جرداق” بصوت “الست”، لتقوم بغنائها عام 1968، كاسرةً بها قاعدة تبنتها دائمًا، وهي رفض التغني بالخمريات، بسبب ولع “عبد الوهاب” بالقصيدة ورفضه لإلغاء ولو شطر فيها، وتولي إقناعها بذلك ونجح.

5. هو صحيح الهوى غلاب

كانت هذه الأغنية هي سبب إنهاء 13 عامًا من الخلاف بين أم كلثوم والملحن زكريا أحمد، حيث بدأ الخلاف بينهما عندما طالب “زكريا” أم كلثوم بنسبة 5% من المبالغ التي تتقاضاها من الإذاعة المصرية كحقوق ملكية، ولكنها رفضت، كما رفضت الإذاعة المصرية، مدعيةً أن أم كلثوم لديها ما يثبت تنازله عن نسبته فيما تتقاضاه، وحينها لجأ للمحاكم.

في آخر جلسات القضية، عام 1960، نحى القاضي المسؤول أوراق القضية جانبًا، وحاول طويلًا إقناعهما بالتصالح، فمن الصعب أن يوافق على أن يُحرم محبيهم من الأعمال التي يتعاون فيها زكريا أحمد مع أم كلثوم، ونجح في إقناعهم بهذا، بحضور مدير الإذاعة المصرية.

وكانت “هو صحيح الهوى غلاب” هي أول تعاون بينهما بعد الصلح، قدمتها أم كلثوم في العام نفسه، بألحانه وكلمات محمود بيرم التونسي، وكان من المفترض أن تتبعها أغنيتين أخرتين في نفس العام، ولكن رحيل زكريا أحمد عن عالمنا بعد شهرين حرمنا منهما.

6. مصر التي في خاطري

بعد ثورة يوليو 1952، كانت أم كلثوم من أوائل من تم إبعادهم عن ساحة الفن، بالإضافة إلى عزلها من منصب “نقيب الموسيقيين”، لأنها غنت للنظام السابق، ومنحها الملك فاروق وسام الكمال، كما كان لها علاقة قوية به، كما تم محو كل ذكر لها من الإذاعة المصرية، وجاء هذا في قرار فردي لأحد الضباط المسؤولين عن الإذاعة.

عندما علم جمال عبد الناصر بهذا القرار، أمر بالتراجع عنه على الفور، فأم كلثوم رمز لا يمكن محوه، كما أنها غنت للجيش في الفالوجا “غلبت أصالح في روحي” أثناء حرب فلسطين، فعاد صوت أم كلثوم للإذاعة في أكتوبر 1952، بأغنية مهداة للجيش المصري وهي “مصر التي في خاطري”، من كلمات أحمد رامي، وألحان رياض السنباطي، وتغنت بها في حفل كبير بوسط القاهرة.

7. سلوا كؤوس الطلا

لطالما أحب أحمد شوقي الغناء والموسيقى، فوقع اختياره على “سيدة الغناء العربي” لدعوتها إلى حفل تغني فيه في كرمة ابن هانئ، وما أن فرغت من غنائها، أحس “شوقي” بجل التقدير لإحساسها الصادق، وكنوع من التحية، قدم لها “شوقي” كأسًا من الخمر، فلم ترد أن ترفض، فأخذت الكأس ولكنها لم تشرب منه، فهي لا تشرب الخمر، فأعجب “شوقي” بهذا التصرف، وتذكر عندما لاحظ رفضها لكل مرة يُقدم لها الشراب ولا تشربه، وقرر نظم قصيدة لها، قال النقاد أنها “انحناءة تقدير” لأم كلثوم.

أرسل أحمد شوقي القصيدة في مظروف لأم كلثوم في اليوم التالي، ولوهلة ظنت أن هذا المظروف يحوي أجرها على حفل الليلة السابقة، فغضبت وهمت بالإتصال به، ولكنها فوجئت بأنها قصيدة كتبها لها.

لحن القصيدة بعد ذلك رياض السنباطي لحنًا تاريخيًا، وغنتها أم كلثوم بعد 4 سنوات من إهداء “شوقي” لها، فأدتها بحفل في يونيو 1954، متغنيةً على لسان “شوقي”: “سلوا كؤوس الطلا هل لامست فاها .. واستخبروا الراح هل مسّت ثناياها”

8. حيرت قلبي

لن نبالغ إن قلنا أنه يمكننا أننا ننظم مجلدات عدة عن علاقة الشاعر أحمد رامي بأم كلثوم وعشقه لها، فعشق “رامي” لأم كلثوم ظل يعيش في قلبه لأكثر من نصف قرن، لم يبح به إلا بأشعاره، ولم يجسد معاناته في إلا بكلماته، فمنذ أول مرة حضر فيها حفلها، اتخذ منها شعلة يستمد منها أشعاره، التي اعتبرها سبيلًا للاعتراف بحبه الأفلاطوني الذي قدر له أن يكون من طرف واحد، وسرد لعلاقتهما على شكل 136 أغنية قدمها لـ “الست” لتطربنا بها.

كانت “حيرت قلبي” بمثابة اعترافه بحبه لأم كلثوم، فقال: “حافضل أحبك من غير ما أقولك.. إيه اللي حير أفكاري.. لحد قلبك ما يوم يدلك.. على هوايا المداري”، فغنتها عام 1961، وكان رياض السنباطي هو الضلع الثالث في هذا المثلث الذهبي.

كان “رامي” دائمًا يحرص على حضور الحفلات التي تتغنى فيها بهذه الأغنية، ويختار الجلوس في المقعد رقم 8 ليكون في مواجهتها، كما توالت الأغاني التي يفصح فيها عن حبه، أشهرها أغنية “أنت الحب” من ألحان محمد عبد الوهاب.

9. جددت حبك ليه

بحكم أن الأشعار التي يكتبها أحمد رامي لأم كلثوم كانت هي لغة التواصل بينه وبينها، فكما كان يعبر عن حبه بها، كان يرسل لها برسائل العتاب بها أيضًا، فبعد أن تزوجت أم كلثوم من طبيبها الخاص الدكتور حسن الحفناوي، وتزوج هو من إحدى قريباته، لم ينس حبها، ولم يتخلى عنها كمصدر إلهامه، فكتب لها “جددت حبك ليه” وغنتها أم كلثوم عام 1952.

استمعت زوجته للحفل في الراديو، وما أن سمعت كلماتها حتى انفجرت غاضبة، ليقينها بأن “رامي” هو من نظم هذه الكلمات، وتأكدت أنه لا يزال يحب “الست” حتى بعد كل هذه السنين، وعند عودته للمنزل من الحفل حاول جاهدًا أن يقنعها بأنه عمل أدبي لا علاقة له بأي شيء آخر ولكنها رفضت التصديق لإحساسها بحبه المستمر لأم كلثوم.

10. يا مسهرني

كانت هذه آخر أغنية كتبها أحمد رامي لأم كلثوم، معاتبًا إياها قائلًا: “ماخطرتش على بالك يوم تسأل عني .. دي عنيا مجافيها النوم يا مسهرني” في عتاب واضح لها، بعد أن جلس في منزله أيام كثيرة لم تسأل عن أحواله فيها.

بعد أن أرسلها لها، قررت أن تغنيها بألحان العظيم سيد مكاوي عام 1972، وبرغم أنها كانت آخر قصيدة يكتبها أحد رامي لأم كلثوم، ظل حبه حيًا، يرفض الفناء، حتى بعد موت أم كلثوم بعد هذه الأغنية بثلاث سنوات، كسر قلمه وتوقف عن كتابة الشعر ولكنه لم يتوقف عن حبه لها، ولم يتراجع في قوله: “إنني أحب أم كلثوم كما أحب الهرم، لم ألمسه، ولم أصعد إليه، لكني أشعر بعظمته وشموخه وكذلك هي!”.