موسم صيد الغزلان.. بين الاتهامات والإشادات

محمد علي منصور

منذ أيام معدودات استطعت التخلص بأعجوبة من عالم أحمد مراد الجديد المنسوج بإحكام شديد، بعد قراءة الرواية السادسة له ” موسم صيد الغزلان ” ، فهي ليست مجرد رواية لكاتب، بل طبق جديد اتذوقه للمرة الاولى لطاهي محترف، فلا أحد ينكر أن أحمد مراد بأعماله السينمائية والروائية أحد أسباب عودة جيل الشباب للقراءة من جديد وهو إنجاز يحسب له في المقام الأول.

نحن الآن نقف أمام روايته الجديدة (موسم صيد الغزلان)، الرواية صاحبت الضجيج والجدل منذ الساعة الأولى لصدورها، حيث استقبلت بعاصفة من النقد والمديح والتهكم حتي أن الآراء شملت البعض ممن لم يطلعوا على الرواية بالقراءة، فقط لأن ميولهم الشخصية لا تتوافق مع الكاتب، ناهيك عن اتهامات شرسة بأن الكاتب يدعو للإلحاد والعلاقات الجنسية الغير مشروعة، ونحن هنا بصدد تحليل بناء لعمل أدبي دون محاباة طرف على حساب الآخر.

نرشح لك: The Post.. الصحافة تقود ولا تُقاد

بدون حرق للأحداث تدور رواية موسم صيد الغزلان داخل إطار فانتازي في مستقبل بشري أكثر تطور ولكنه تطور مظلم حيث أصبحت الآلة والربوتات تحظى باهتمام أكثر من البشر، وأصبح لهم دور في كل المهام حتى في البغاء.

تدور الاحداث حول شخصية نديم وهو دكتور محاضر يسعى لنشر أفكار تتماشى مع التطور البشري المذهل واختفاء دور الدين، وقد برع مراد في تكوين تلك الشخصية المعقدة صاحب المشاكل النفسية، والتي تتجلي مع تطور الشخصية بمرور الأحداث، وهو شخصية عاشقة للنساء بشكل مذهل، الخصلة التي تؤدي به لكارثة بعد إعجابه بسيدة متزوجة تدعى تاليا بارعة الجمال، ولكن يجد ما يحول بينه وبينها، وهو زوجها طارق الطبيب المتمرد على الواقع ويملك تجربة جسدية ونفسية ببيته تدعي الملاذ، فهو صاحب رحلة فلسفية تدعو لاكتشاف الإنسان ذاته والأرواح التي سكنت جسده في حيواته السابقة وهو ما يجده نديم ضربا من الجنون ولا يتناسب مع العالم العلمي المادي الذي يحياه ولكن يقرر خوض التجربة من أجل تاليا الجميلة، وليرضي غروره خاصة وأن زوجته مريم لا يقربها ويعاملها كونها قديسة لا يقرب منها. وتستمر المغامرة داخل الملاذ ويكتشف نديم أنه كان يحيا في أجساد سابقة وتنكشف مجموعة من المفاجأت..

بالحديث عن العناصر الأساسية للرواية فنستطيع القول أن الكاتب حقق تقدما ملحوظا في مستواه الاحترافي ولكن ليست أقوى أعماله، فرواية الفيل الأزرق لمراد التي نافست علي البوكر ووصلت للقائمة القصيرة مازالت تتربع على عرش أقوى أعماله. أسلوب السرد مشوق وممتع، فقد ألحق مراد عددا كبيرا من المعلومات وبعض التنبؤات بالمستقبل ولكن أصابني ببعض الملل في النهاية لتشابه بعض الأحداث ببعضها البعض، وفيما يتعلق بأسلوب الوصف فمازال أكثر مميزات كتابات مراد فله تشبيهات ووصف للأحداث يجعل القارئ يتعايش معها كواقع متجسد، أما لغة الكاتب فمتقنة وقوية برع فيها مراد بانسجام بين استخدام الفصحى في السرد والحوار بالعامية القوية، وفيما يخص بناء الشخصيات فكل شخصية متفردة عن غيرها ولها بناء وتركيب يتناسب مع تاريخها حسب تكوين الكاتب ويؤخذ عليه عدم صنع ملامح تفصلية لشخصية نديم مما جعل البعض يظن أن مراد يصف نفسه ليوصل أفكار بداخله وهو ما صنع عاصفة من الهجوم اللاذع، مما يعيد للأذهان شخصية الدكتور لانغدون للكاتب دان براون والذي هاجم من خلاله في كثير من روياته شخصيات بارزة كنسية وغيرها .

انتقادي الشديد علي الرواية هو استمرار مراد في النزعة الجنسية في كتاباته على الرغم من عدم حاجة النص لها بنسبة كبيرة، ويمكن القول أن الرواية تستحق أربعة نجوم من خمسة.

وفي النهاية ارجو من معشر مثقفي مصر عدم تناول الأحداث بشكل سطحي دون تعمق في الأمر فالهدف الأسمى من القراءة هو أن نتحول من سطحيين لبشر..