أقامت «شهيرة» الدنيا ولم تُقْعدها بسبب تسريب صورة شخصية لها دون حجاب، قبل بضعة أشهر شاهدنا صورة لسهير رمزى بلا حجاب، ربما كانت بقُبعة ولم تحدث مشكلة، هل صورة المرأة عورة أم خطيئة؟ ما الذى تفعله إذن «شهيرة» بأفلامها، خاصة أنها لم تتبرَّأ منها. إذا كان الأفراد بكل هذا التشدد، فما الذى نتوقعه من المؤسسة الدينية لو سارت على النهج نفسه، حدث العكس تماماً مع تصريح شيرين رضا الذى تناولت فيه «جعير» بعض المؤذنين، تعاملت بقدر كبير من المرونة والأريحية وأيَّدتها بتصريح لأحد الشيوخ فى وزارة الأوقاف التى تهيمن على المساجد المصرية، حيث قال إنها لا تنتقد الأذان بل صوت المؤذن، ولم ينكر أن بعضهم قبيحو الصوت.
هل من الممكن أن تتغيَّر نظرة المؤسسة الدينية التى – بطبعها – لا تملك سوى إصدار أحكام مطلقة تنتقل بين الحلال والحرام وما بينهما من شبهات، بينما المجتمع بكل تلك الصلابة حتى فى أبسط الأمور؟، هل تتحلى بنظرة تمتلك قدراً من المرونة تدخل تحت سقف النسبية، رغم أن الأديان – بطبعها – لا ترضى سوى بالتسليم المطلق.
عمق المأزق الذى نعيشه مؤكد ليس فى الأديان ولكن فى تمسكنا بالقشور، تشدُّد المؤسسة الدينية هو انعكاس طبيعى لما يجرى فى المجتمع، راجع الستينيات فى حفلات أم كلثوم التى تبثها الشاشات الفضائية بين الحين والآخر، تلاحظ نساء مصر من الطبقة المتوسطة – قبل أن تتعرض تلك الطبقة التى هى رمانة الميزان لصحة المجتمع للتآكل فى العقود الأخيرة – كُنَّ يتابعن حفلات أم كلثوم يرتدين «سواريه» على أحدث موضة، وبعضهن يدخن السجائر – ملحوظة: تحذيرات ارتباط السجائر بالسرطان لم تُعرف سوى بعدها بعشرين عاماُ، بل على العكس كان هناك تقدير خاص للتدخين – نحن الذين نصنع الحياة سياسياً وثقافياً ومن ثمَّ دينياً، عندما نختصر الدين فى زى نرتديه، أو كلمة نقولها فى التليفون «السلام عليكم بدلا من آلو»، لقد أباح مثلاً الشيخ الباقورى وضوء المرأة وهو واضعة للمونيكير، ضارباً عرض الحائط بالشكليات.
أُثمِّن موقف المؤسسة الدينية فى التعامل مع تصريح شيرين رضا، بينما «السوشيال ميديا» كانت عنيفة ومتجاوزة، ونال «شيرين» ولايزال طوفانٌ من السُّباب والشتائم.
علينا أن نتأمل أى ملمح مرن من الأزهر أو الأوقاف باعتباره تغييراً نوعياً، ولا أتصوره عشوائياً، هناك ضوء أخضر من الامام الأكبر سواء جاء مباشرة أو بين السطور. تعوَّدنا فى الأزهر أنْ لا أحد يُصدر قراراً أو يدلى برأى له كل هذه الأهمية دون علم شيخنا الجليل، فلا صوت يعلو على صوته.
المؤسسة الدينية – بطبعها – تميل للمحافظة على ميراثها القديم، الأمر فى النهاية ينبع من شخصية واحدة (الإمام الأكبر) حتى لو لاحظنا أحياناً بعض مناوشات بين وزير الأوقاف والإمام الأكبر، فهو فى النهاية المرجعية، وهكذا مثلاً تجد تفسيراً مباشراً لما كان يقوله عباس شومان، وكيل الأزهر، عندما ينتقدون آراءه التى ينشرها أو يعلنها، مؤكداً أنه يراجع فيها كلمة كلمة الإمام الأكبر، فإذا كان وكيل الأزهر يفعلها بكل هذا الانضباط، فمن باب أولى أن يسير على الدرب من هم دون الرجل الثانى.
التشدد فى المجتمع يضع المؤسسة الدينية فى حرج بالغ، لو هى أباحت ما ينظر إليه المجتمع بعين الريبة والشك والتزمت، التحرر لا يعنى قطعاً ضرب ثوابت الدين، ولكن نشر صورة امرأة بلا حجاب لا أتصوره يستحق الغضب والإنكار!!