حسن يوسف.. الرجل الذي فقد "خفة" ظله

فاتن الوكيل

إن كان فقدان مصر المستمر لنجوم زمانها الجميل، ورصيدها من قوتها الناعمة، والذي كان آخره رحيل الفنانة شادية، فإن هذا يثبت لنا أهمية الاهتمام بخلق جيل جديد من المبدعين، بالإضافة إلى الاهتمام بالأحياء من فنانينا الكبار، الذين نتذكر أغلبهم الآن بكل خير، ونعتب على بعضهم. من بين هؤلاء، الفنان حسن يوسف، الذي يوافق اليوم الأحد، 10 ديسمبر، ذكرى ميلاده.

كنا نريد أن يكون اليوم تكريما واحتفالا بميلاد فنان أمتعنا بخفة ظله وهو شاب، واستطاع وهو كبير في السن تقديم صورة أخرى من شخصيته على الشاشة أكثر وقارا، جذبت شريحة كبيرة من الجمهور. لكن تصريحات كثيرة أطلقها خلال العشر سنوات الماضية تجعلنا لا نتمكن إلا من أن نسلك طريق الكاتب إبراهيم الورداني الذي أدار حوارا سابقا مع حسن يوسف، ووصف نقده القاسي للفنانين بأنه يُجري “جراحة سريعة” لاختصار الوقت على القارئ.

تصريح على لسان فنانة راحلة!

التصريحات والتناقضات كثيرة، آخرها ما ذكره على لسان الفنانة شادية بأنها رأت أموالها من الفن حراما، وأن الشيخ الشعراوي أقنعها بإبقاء جزء من أموال للعيش منها والتبرع بالباقي، وهي التصريحات التي عرَّضته للنقد والهجوم الشديد من قبل النقاد والسينمائيين، مثل الناقد طارق الشناوي، والشاعر مدحت العدل الذي قال له: “إنت رجعت تمثل ليه يا أستاذ حسن لما الفن حرام؟ ما هذا الفصام؟.. محدش بيتوب عن الفن لأنه مش حرام ولو فيه فنانين بيتوبوا يبقى عن حاجة تانية”.

نرشح لك.. مدحت العدل يُهاجم حسن يوسف بسبب “شادية”

“يوسف” نفسه قال في حوار سابق له مع الإعلامي عمرو الليثي، إن الشيخ الشعراوي طلب منه عدم اعتزال الفن، والاستمرار في تقديم أعمال تنفع الناس، وأضاف: “قالي بدل ما تعمل أفلام تجري فيها ورا البنات اعمل أعمال تنفع الناس”، وشبه له الفن بالكوب الذي يمكن ملئه بما ينفع أو بما حرم الله، لكن يوسف تطوع من نفسه ليقول عن شادية ما نفته هي نفسها من أنها ترى عملها في الفن “حراما”، وهو ما أكده “مجدي فتحي” مؤسس موقع ومنتدى “شادية ستار” لمحبي الفنانة شادية، الذي تواصل من قبل معها وأكد أنها شعرت باكتئاب بعد امتناع الفضائيات عن عرض أعمالها عقب الاعتزال، ظنا منهم أنها لاترغب في عرضها.

نرشح لك –ماذا طلبت “شادية” من مؤسس موقعها الإلكتروني؟

تناقضات لا تنتهي

تصريحات حسن يوسف متناقضة دائما، حتى في تاريخ ميلاده، فالمعروف لدينا أنه ولد عام 1934، وهو ما ذكره أيضا في أحد حواراته عام 2004، لكن في حوار سابق في نهاية السبعينيات ببرنامج “مشوار مع فنان”، قال إنه ولد عام 1939، لكن على كل حال ليس هذا التناقض الأهم وإن كان غريبا بعض الشيء من فنان رجل، لكن الأهم هو نفيه التام في حوار مع الإعلامي عمرو الليثي أن يكون قد طلب هو أو زوجته شمس الباردوي، شراء أفلامها، حتى يحرقها بعد أن أعلنت “التوبة”، على الرغم من أنه قال قبل ذلك في حوار صحفي مع موقع مجلة “الجزيرة” إنهم حاولوا القيام بذلك بالفعل.. (اقرأ الحوار من هنا)

وهو ما أكدته البارودي أيضا في حوارها عام 2011 مع موقع “الشرق الأوسط”، ويمكن مراجعة الحوار من هنا.

من أبرز التناقضات أن “يوسف” عندما أراد التعبير عن حبه لشيخه “الشعراوي” لم يجد سوى تخليده في عمل فني، وبغض النظر عن العديد من الجمل التي ذكرت في المسلسل، فإنه يبقى الأبرز في مسيرة “النسخة الثانية” من حسن يوسف. لكن من بين هذه الجمل التي ستظهر تناقضا آخر في شخصية حسن يوسف، مشهد لحوار الشعراوي ونجله، يناقشه في الاجتماع المرتقب بينه وبين السادات، ثم تأتي جملة صاعقة على لسان الشعراوي وهو يرفض الانضمام إلى الوزارة قائلا “طول عمر مصر دولة إسلامية لكن اتحالفت مع السوفييت وخدت منهم الأفكار الاشتراكية والكلام الفارغ ده”، ثم يقول في حلقة أخرى عن روسيا “إزاي نعمل علاقات مع دول كافرة ملحدة؟”.

طوال حلقات العمل كانت الاشتراكية وجمال عبد الناصر وروسيا في وضع المواجهة مع “الإسلام”، ولم تكن المعالجة مجرد عرض فقط لأفكار الشعراوي، لكنها كانت مؤيدة ومساندة لهذه الجمل المتطرفة التي ذكرت في السيناريو وتحاربها الدولة الآن ولم يعد يقبل بها عاقل، عن طريق إضفاء هالة من النورانية على الشخصية، من خلال تجسيد فنان كبير لها.

تفاصيل شخصية الشعراوي بهذا الشكل و”الحمقة” الكبيرة من كلمة اشتراكية التي تملكت صناعه، تتناقض مع تصريحات حسن يوسف التي قالها في حوار سابق، عندما قال إنه جاء من طبقة متوسطة، حيث عمل والده مدير عام الإنتاج بالمطابع الأميرية، وتحسر على ضياع هذه الطبقة الآن، مضيفا أن زمان كان “المليان يصب على الفاضي” أما الآن فأصبحنا دولة من الفقراء ودولة من الأغنياء، فهل يعلم الفنان الكبير أن منطق “المليان يصب على الفاضي” هو قلب الاشتراكية التي هاجمها على لسان الشعراوي في مسلسل يُمجده؟.

تناقض أخير نرصده هنا، خاص بنظرة “يوسف” للمرأة والذي سنعرف من خلاله سبب تأييده لارتداء زوجته النقاب واعتزالها الفن، فقبل “التوبة” التي أعلنتها، قال يوسف في حوار صحفي إنه طلب منها الاعتزال والتفرغ لتربية الأبناء، وكان هذا الأمر يُسبب خلافات كثيرة بينهما، لكن بعد قرار اعتزالها أصبح سعيدا وتخوف من تراجعها عن هذا القرار، ومنذ إعلانها الاعتزال لم تشهد حياتهما خلافات أو مشاكل.

نظرة أكثر انفتاحا عبَّر عنها قبل التصريح السابق، وقبل اعتزال زوجته، خلال حوار تلفزيوني في السبعينيات، حيث انتقد طريقة تعامل الأهل في تربية بناتهن قائلا: “بيعقدوها وبيخلوها تفتكر إنها بمجرد ما تكلم واحد أو تقعد جنب زميلها في الجامعة دي جريمة” ودعا لعدم الاعتماد على هذه النظرة “المعقدة”.

ما بعد الشعراوي

على عكس زوجته، لم يعتزل حسن يوسف الفن، وقدم بعض الأعمال مثل “ليالي الحلمية”، و”برديس”، ثم دخل في مرحلة انقطاع وصلت إلى ما يقرب العشر سنوات، إلى أن قدم مسلسل “ابن ماجة القزويني”، ثم “أنوار الحكمة”، إلى أن وصلنا إلى “إمام الدعاة” عام 2003، وهي التجربة الأهم في نسخة حسن يوسف الجديدة والصريحة من أفكاره، فقبل ذلك تشعر أن ظهوره على الشاشة كان على غير اقتناع، أو لأن الفن أصبح “أكل عيش” وليس رسالة.

حاول “يوسف” أن يستمر على هذا الطريق فقدم مسلسل “الإمام النسائي” والذي لم يلق ذات نجاح مسلسل الشعراوي، فبدأ محاولة استرجاع شخصية “الولد الشقي” عن طريق تقديم أعمال اجتماعية، كان أبرزها مشاركته في بطولة مسلسل “زهرة وأزواجها الخمسة” عام 2010 مع الفنانة غادة عبد الرازق، والذي عرَّضه لبعض الانتقادات واتهامات بالتناقض.

حاول الفنان الكبير من خلال هذا الدور استعادة بريقه السابق؛ هذه المرة على طريقة أقرب إلى شخصية “الحاج متولي”، ولكن بلحية وسبحة. وبرر الانتقادات التي وجهت إليه لقبوله الدور بأن المسلسل “حلال”، مضيفا في تصريح لجريدة الشروق الجزائرية: “لم أقل أبدا إنني اعتزلت الأدوار الاجتماعية” ودافع عن الفنانة غادة عبد الرازق بعد اتهامها بالحض على تعدد الأزواج.

بعد ذلك قدم حسن يوسف أدوارا في أعمال مثل “قضاة عظماء، و”كلمة سر”، ويحرص يوسف على التصريح خلال تصوير كل عمل على أنه “نضيف” وحلال، ويستعد الآن للمشاركة في مسلسل من بطولة الفنانة “سميرة أحمد” بعنوان “بالحب هنعدي”، وبالتأكد سيخرج علينا ليؤكد أنه عمل هادف ونظيف، لكن المشكلة ليست في هذه النظرة فقط، لكن الأهم أن حسن يوسف تساقط قطعة وراء الأخرى خلال مشواره بسبب التصريحات والمواقف المثيرة للجدل، ولم يعد لا الشاب الشقي الذي عرفناه قديما، ولا المعبر بوضوح عن أفكاره بعد عام 1981، وبات أمامنا مثالا واضحا على الفنان الذي استطاع بجدارة أن يفقد “خفة ظله” على الشاشة وخلفها أيضا.