مؤذن الرسول في "الرسالة" يحكي ذكريات لا تُنسى

أمنية الغنام
هل تذكرون ملامحه؟ إنه صاحب بشرة شديدة السّمرة، جسد شديد النحافة، وأداء شديد الصدق ،إنه الفنان الليبي علي أحمد سالم أو كما نعرفه ببلال بن رباح مؤذن الرسول في رائعة المخرج السّوري الراحل مصطفى عقاد.
تزامناً مع المولد النبوي الشريف وذكرى رحيل العقاّد في هذا الشهر، تواصل إعلام دوت أورج معه ليحكي لنا عن كواليس الفيلم وعلاقته بمُخرجه وكانت تلك أبرز ذكرياته:
(1)
 

بدأت علاقتي الشخصية به يوم التقيت به لأول مرة في المسرح الشعبي في مدينة بنغازي ليبيا ، وكان قبلها موجوداً في طرابلس للقاء بعض الفنانين الليبيين ليختار من بينهم ممثلين وفنيين ،ودار الحديث بينهم عن أدوار الفيلم وعرفوا من حديثه أنه اختار جميع الشخصيات الرئيسية ، وبقيت شخصية واحدة هي شخصية ( بلال ) رضي الله عنه مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم ، فقد عُرضت عليه شخصيات من عديد من البلدان لكنه لم يقتنع بأيٍ منها ولم يجد الشخصية التي رسمها في خياله وتصوره لها ..

وهنا أشار عليه أحد الزملاء أنه سيجد من يبحث عنه في بنغازي وبالفعل عند وصوله للمسرح الشعبي وكنا في انتظاره ، توقف أمامي طويلا فاحصا متأملا مما أشعرني بحالة تختلط علي حتى هذه اللحظة تسميتها ، فكانت خليطا من الارتباك والخجل والتساؤل لم هذه الوقفة المطولة أمامي وهذا التفرس الفاحص؟ ثم لحظات وأتى إلي وأعطاني سيناريو الفيلم مفتوحاً على مشهد دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم في الطائف والذي جاء في الفيلم على لسان زيد رضي الله عنه – الذي قام بدوره الفنان الراحل أحمد مرعي ، فأحسنت قراءته تأثراً بما عاناه رسولنا الكريم من اضطهاد قومه له ..

عملت مع العقاد مرتين: ممثلا في “الرسالة” وضمن مساعدي الإخراج في “عمر المختار”… كان يتمتع بالجدية في الآداء ، ودائماً ما يترك للممثل هامشا كبيرا للإبداع . فكان أشبه ما يكون بالمايسترو.

 

(2)
حسب ما كان يحكي لنا العقاد فهو يحب قراءة التاريخ وموضوع فيلم الرسالة كان قديماً في تفكيره واستعد وناضل لإخراجه وظل فترة طويلة يبحث عن ممولين له إلى أن نجح بعلاقاته وزملاء له يحملون نفس همه أن ينشأوا شركة الإنتاج العربية تجمع كلٍ من ليبيا والمغرب والكويت وبدأ العمل بالفعل لكن لظروف ما ليس لدي كل تفاصيلها الموثقة توقف التصوير في المغرب وكاد الجهد كله يضيع لولا تدخل ليبيا ودعوتها للعقاد أن ينتقل إليها ومواصلة العمل على الفيلم .
(3)

مشهد خالد بن الوليد على حصانه وهو يحاول أن يستفز (بلال ) رضي الله عنه ،هو من أصعب مشاهدي في الفيلم فقبل تصوير هذا المشهد بيوم لاحظت تغيراً على “جوني سيكه”السنغالي الأمريكي الذي قام بدور بلال في النسخة الإنجليزية ، في طريقة تعامله معي وكنا اعتدنا الكلام والمزاح سوياً وعندما سألته عن السبب أجاب أنه يترقب مشهد الغد وكيف سيواجه هجوم الحصان عليه؟ وعندما حان تصوير المشهد تم تكراره أكثر من ٦ مرات تعرض فيها للضرب يميناً ويساراً . وأنا استفدت من ذلك حين جاء دوري لتصوير نفس المشهد في نسخته العربي وتذكرت دروس كنا تعلمناها في فن التمثيل عن التخيل واستطعت أن أُغيّب رؤية الحصان عن نظري وركزت أكثر على من يمتطيه وتم تصوير المشهد بنجاح من أول مرة.

 

 
(4)
فيلم الرسالة في نسخته العربية والممثلين العرب كانوا أقرب للتعبير عن معنى ومحتوى رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم لقربه من فهمهم ومعايشتهم للسيرة النبوية وهذا الأمر أكده بعض النقاد والمتابعين الأجانب .
العقاد رحمة الله عليه كان قليل الغضب بل لا أذكر أني رأيته غاضبا. وكان يفرحه كل عمل يشعر أنه أشبعه فنيا ونصائحه الغير مباشرة لي كانت كثيرة وكان يشجعني علي الاهتمام بالإخراج خصوصا عند عملي معه كمساعد مخرج في فيلمه أسد الصحراء عمر المختار.

(٥)
مشاريع العقاد وطموحاته كانت كثيرة لمسنا ذلك من خلال حديثه معنا في لندن وكنا نتابع عملية المونتاج والموسيقى وذكر لنا أنه بدأ بالفعل -وقتها- في التحضير لقصة تاريخية عن الناصر صلاح الدين كما كان يود إنتاج عمل عن الزعيم جمال عبد الناصر .

نرشح لك –الحضور بملابس الحداد في ختام القاهرة السينمائي

آخر لقاء جمعني به كان في “توينكهام” في العاصمة البريطانية لندن وتحديداً في “فيلم استديو” وكنت أتحضر للسفر إلى ليبيا لبعض أمور لأعود بعدها إلى لندن لمتابعة الدوبلاج .