محمد حمدي سلطان يكتب: مين اللي ما يحبش شادية

لطالما كانت شادية متفردة بين كل نجمات جيلها، فرغم أنها عاصرت نخبة من أهم نجمات السينما المصرية، واللاتي من النادر أن يجتمع مثلهن في عصر واحد، إلا إنها احتفظت لنفسها بمكانة خاصة جدًا في قلوب محبيها، لصدقها وبساطتها وإطلالتها الرقيقة وحضورها الخفيف على الروح، وقبل كل ذلك لموهبتها الكبيرة.

هذا التفرد نستطيع أن نجد له شواهد عديدة، فإذا كان الجمهور قد انقسم ما بين الكبيرتين فاتن حمامة وسعاد حسني، وكان هناك دائمًا السؤال الشهير عن أيهما أجمل فاتن أم سعاد؟ فكان هناك من أحب سيدة الشاشة، ولكنه يرى سعاد حسني أجمل بكثير. وعلى الجانب الآخر يوجد عاشقون للسندريلا، ولكنهم يرون جمال وحضور فاتن لا يقارن. وسط هذا الاختلاف الجميل لم يكن يأتي أبدًا أي ذكر للفنانة العظيمة شادية، ليس تقليلاً من شأنها، أو لأنها أقل مكانة أو جمالاً من فاتن وسعاد، إنما لأنها كانت قريبة من القلوب بما يكفى ليجعلها أكبر من كل هذه المقارنات. والدليل على أن خروجها من هذه المقارنة التاريخية لم يكن تجاهلاً، بل تكريمًا ومحبة خالصة، هو أنها لُقبت بـ”الدلوعة” واشتهر بين فتيات زمانها تعبير “قَصة شادية” أي أن الاعتراف بجمالها وتأثيره كان حاضرًا بقوة، وفي وجود فاتن حمامة وسعاد حسني.

نرشح لك: تشييع جثمان “شادية” ملفوفًا بعلم مصر

تفرُد آخر لشادية يأتي في كونها الوحيدة التي أجادت في الغناء والتمثيل بنفس الدرجة. نستطيع مثلاً أن نصف سعاد حسنى بأنها ممثلة بالأساس، ولكنها تجيد الغناء، وتمتلك صوتًا جميلاً مميزًا. وهناك ليلى مراد مثلت وأجادت وحققت نجاحًا عظيمًا لدرجة أنها الوحيدة التي تمتلك سلسلة أفلام باسمها، ولكنها بالأصل مطربة. فهذه ممثلة تغني، والأخرى مطربة تمثل، أما شادية فستجد صعوبة كبيرة في تحديد أيهما يسبق الآخر لديها؟ لهذا السبب وجدنا أمس بعض المواقع تكتب خبر وفاتها بعنوان “وفاة المطربة شادية” وأخرون وصفوها بالممثلة، والأصدق والأدق هم من وصفوها بالفنانة شادية فهي كانت بالفعل فنانة شاملة، متفردة، استثنائية، ومتعددة المواهب.

نرشح لك: صورة: ظهور “ابنة ريا” في جنازة شادية

سنجد أيضًا تفردًا لشادية في الثنائيات، فلا أحد ينافسها في عدد الثنائيات السينمائية التي قدمتها على مدار مشوارها الفني. فأي ممثلة أخرى سنجد لها ثنائيًا شهيرًا ناجحًا، أو اثنان على الأكثر، أما شادية فكأن ربنا كان صارفلها القبول، وهو ما جعل “الكيميا بتاعتها تبقى راكبة مع أغلب من شاركوها بطولة أعمالها الفنية”، لتحقق تناغمًا وتجانسًا مع الكثير منهم، والبداية كانت مع كمال الشناوي وهي ما زالت تتلمس خطواتها الأولى في عالم التمثيل، قدما سويًا مجموعة من الأفلام ذات الطابع الرومانسي الخفيف في أواخر الأربعينات وأوائل الخمسينات، أفلام حققت نجاحًا جماهيريًا كبيرًا وإيرادات قياسية بمقاييس زمنها، إيرادات قال عنها كمال الشناوي نفسه “إيرادات بنت عمارات وجابت أراضي”. بعد ذلك شكلت شادية ثنائيًا ناجحًا آخر مع عماد حمدي، وارتبط الجمهور وجدانيًا بالكثير من الأفلام التي قدماها سويًا، لدرجة أنه كان يُقال بشكل تلقائي “فيلم لشادية وعماد حمدي”.

نرشح لك.. علي حشاد يكتب: شادية.. قمر لا يغيب

ثم يأتي العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، ومع أن شادية لم تشاركه سوى في بطولة 3 أفلام فقط من أفلامه الـ 16 إلا أن ظهورها فى فيلمه الأول “لحن الوفاء” ومشاركته بطولة “معبودة الجماهير” بنجاحه الساحق وأغنياته الجميلة، جعل منهم أحد أهم الثنائيات الغنائية التي ظهرت على شاشة السينما. وهناك ثنائي ساحر لا يُنسى جمعها برشدي أباظة، ويكفي ما قدماه سويًا في فيلمهما الأمتع “الزوجة رقم 13”.

أما الثنائي الأجمل فكان مع صلاح ذو الفقار، قدما سويًا “أغلى من حياتي” الفيلم الرومانسي الأشهر، وستبقى أيقونة “أحمد ومنى” حاضرة في الأذهان ولا تغيب، وقدما أيضا “مراتي مدير عام” و”عفريت مراتي” و”كرامة زوجتي” سلسلة أفلام “لايت كوميدى” من أمتع ما يكون، وما زالت تعيش حتى اليوم في ذاكرة المشاهد بمواقفها الكوميدية و”إفيهاتها” الشهيرة.

نرشح لك: تفاصيل آخر لقاء إذاعي للفنانة شادية

ولأن الكلام عن شادية وتفردها لن ينتهي، فسأكتفي في النهاية بذكر ما قدمته قبل اعتزالها في تجربتها الأولى والأخيرة مع المسرح في مسرحية “ريا وسكينة” التي لا أحتاج أن أُذكر أحدًا بها، فالجميع يحفظها مشهدًا مشهدًا. كان نجاحًا يليق بشادية وتاريخها الحافل، ويكفى ما قاله زملاؤها بالمسرحية، عبد المنعم مدبولي وسهير البابلي، وهم من عمالقة المسرح، لهم صولات وجولات على خشبته، وحققا نجاحات كبيرة قبل “ريا وسكينة” لكنهما أكدا أنهما لم يريا في حياتهما جمهورًا مثل جمهور “ريا وسكينة” واعترفا أنهم جمهور شادية الذى يحبها، فجاء لأجل خاطر عيونها. وشادية بالطبع تستحق، تستحق ذلك الحب وأكثر. فمن الذى لا يحب فاطمة ؟ فاطمة أحمد كمال شاكر الشهيرة بـ”بشادية” والتي ملأت حياتنا فنًا وبهجةً وسعادة، وتركت رصيدًا من الفن لا يُمحى ولا يسقط بالتقادم. هي حبيبة قلوب المصريين، وصوتهم الخالد، من هم مثلها لا يرحلون أبدًا، حتى ولو غيبهم الموت. فلنسأل الله أن يرحمها بقدر ما أسعدتنا.