بعد 20 عاما على الواقعة.. نسترجع تصريحات أسر ضحايا مذبحة الأقصر

فاتن الوكيل

كانت الأمور جميعها تسير على ما يُرام. أجواء دافئة نهارا في معبد حتشبسوت، وهو الأمر الطبيعي لمن اعتاد زيارة الأقصر في هذا الوقت، لكن في ذلك اليوم (17 نوفمبر 1997) كان المعبد وزواره على موعد مع حدث لن يُمحى من ذاكرتهم وذاكرة مصر وشعبها، وذلك عندما قام مجموعة من الإرهابيين بالتخفي في صفة رجال أمن، وهبطوا من الجبال المجاورة للمعبد، ليُجهزوا على السائحين بالبنادق الآلية وبالسكاكين على طريقة دواعش اليوم.

قُتل يومها 58 سائحا، بالإضافة إلى أربعة من المواطنين المصريين ثلاثة منهم من رجال الشرطة والرابع كان مرشدًا سياحيًا.

 

 

هنا في حضرة الملكة، شهدت مقتل زوار معبدها الجنائزي الضخم في قلب جبال البر الغربي. البعض ممن حضروا الواقعة رووا بعد ذلك بسنوات قليلة، خلال لقاءات وأفلام وثائقية عن الحدث، أنهم شاهدوا رجالا أقرب إلى المراهقين، ليسوا رجال شرطة رسميين، لكنهم حملوا السلاح وكأنهم من أمن المعبد، وما أن اقتربوا من السائحين، حتى بدأوا في إطلاق النيران، مما دفع الجميع إلى الانبطاح أرضا.

البروفيسور السويسري هانز سكويبر، فقد شقيقته روزالي وابنة أخيه سيسيل، قال إنه كان من الطبيعي فور علمه بالحادث أن يُفكر في أقاربه، خاصة وأن المعبد يشهد تواجد الكثير من الزوار.

” سكويبر” الذي تخلى بعد الحادث عن عمله الأكاديمي الجامعي وتفرغ لأعماله الفنية، أكد أن اللحظات الأخيرة في عمر الضحايا تجعله يشعر بالحزن ويُفكر في أن الحياة تظل قصيرة بالنسبة للجميع.

في ذات السياق، قامت السلطات السويسرية عام 2008 بإغلاق التحقيقات التي كانت تُجريها بعد سقوط عدد كبير من مواطنيها في الهجوم، وذكر موقع BBC عربية وقتها أن تقريرا للشرطة الاتحادية السويسرية أفاد أن السلطات المصرية لم ترد على مطالب سويسرا بشأن الحصول على مساعدة قانونية سوى بعد ستة أشهر من وقوع الحادث.

وقال التقرير إن مصر لم تُعد المتعلقات الشخصية للسائحين السويسريين الذين قتلهم المتشددون، كما أن التحقيقات التي أجرتها مصر لم تتوصل لأدلة كافية، وتابع أن مصر لم تقدم تقارير الطب الشرعي أو الوثيقة الأصلية للتحقيقات. وكانت مصر قد رفضت بإصرار مطالب سويسرا بالحصول على تعويضات.

تابع الخبر أن قرار سويسرا بإغلاق ملف القضية جاء عقب زيارة وزير الخارجية جوزيف ديس لمصر، والتي قال خلالها إن أزمة الأقصر أصبحت تاريخا، وأضاف أن سويسرا تريد فتح فصل جديد في العلاقات الثنائية بين البلدين.

 

“توابيت الضحايا الأجانب في المطار”

وبحكم الأثر الكبير لهذا الحادث على السياحة المصرية، المستهدفة دائما من الإرهاب، حاول المسؤولون انتهاز فرصة قدوم احتفالات الألفية الجديدة، لإقامة حفل كبير بالقرب من سفح الأهرامات، وإزالة آثار الحادث الإرهابي المفجع، وتولى مسؤولية هذا الأمر، وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني، وتردد أن الحفل تكلف ما يقارب الـ تسعة ملايين ونصف المليون دولار ، وهو ما أثار اللغط وقتها حول إهدار الأموال، بل إن أحد أساتذة الجامعة قام برفع دعوى لمنع إقامة الحفل لأنه قد يُسبب ضررا للأهرامات، وحكمت المحكمة برفض الدعوى.

ورد “حسني” على هذا الانتقاد قائلا إن المبلغ المخصص لإقامة الحفل “تافه” ولن يحل مشاكل مصر, مشيرا الى أن هذا نوع من أنواع الاستثمار وأن بعض القنوات العالمية تعاقدت على نقل جانب من الاحتفالية، بالإضافة إلى مكاسب بيع التذاكر التي تخطت الواحدة منها 400 دولار.

 

شوكو ياماشيتا من اليابان، أكدت عام 2002 أنها حتى وإن استطاعت بعد فترة من الحادث محو صدمة فقدان شقيقتها “ساتوكو” وشقيق زوجها الذين كانا في شهر العسل، إلا أنها لن تتمكن من محو الألم.

وعلى الرغم من أن أسباب ودوافع الإرهابيين قتلت بحثا، إلا أنها بعيدا عن ذلك، ظلت تتعجب من دوافعهم، وكيف يمكن لشخص يُقدر قيمة معتقده الديني، أن يصل إلى مثل هذه الأفكار المتطرفة؟.

بعض المشاهد الخاصة بمذبحة الأقصر، أعيد تداولها خلال الشهور الماضية، بعيدا عن الذكرى التي تمر بنا اليوم، وذلك عقب تعرض مصر والعالم على وجه عام لموجة إرهابية جديدة، أشرس وأقوى وأخطر من حيث التجذر الفكري لهذا التطرف المميت، حيث إن هذه الواقعة كانت الأكثر إيلاما للأمن؛ فعندما يستشهد أفراد أمن سواء من الجيش أو الشرطة في معركة مباشرة مع إرهابيين، تكون الشهادة شرفا لهم، لكن الأصعب أمام العالم وأنفسهم هو أن يُقتل من هم في حماهم.

 

“اعطني اسمي في البيت الكبير وأعد إلى الذاكرة اسمي يوم أن تُحصى السنين”… كان الفراعنة يحفرون أسماءهم على الجدران، حتى تستردها أرواحهم بعد الموت وتتعرف عليهم، وكان أقوى انتقام يمكن أن يتجرأ عليه شخص ضد الآخر، هو أن يُزيل الاسم ويمحوه من المقبرة؛ إنه بذلك يجعل روح غريمه هائمة لن تجد جسدها مرة أخرى، وبالتالي لا حياة أبدية، لكن عذاب دائم لا يتوقف. هذا المعتقد يتناسب كثيرا مع عقاب الجناة -في الدنيا على الأقل- لم يعد يتذكرهم أحد سوى الملفات الأمنية القديمة، لكن الذكرى والدعوات الطيبة بالرحمة والمغفرة، ستظل من نصيب الضحايا، أما الإرهابيون فقد أزيلت أسماؤهم مبكرا من الوجود، والله وحده أعلم بمصير أرواحهم في الأبدية.

“توابيت الضحايا في المطار يوم 22 نوفمبر “