الطيبون على الشاشة (3).. حسن مصطفى "بابا رمضان السكري"

نوران عاطف

“أنا طيب زي كمال أبو رية ومحمود الجندي”..

ظهر الفنان غسان مطر في أحد مشاهد فيلم “لا تراجع ولا استسلام” ليلخص مسيرة نوع من الفنانين مثل كمال أبو رية ومحمود الجندي ويذكرنا بجمال إسماعيل، عبدالوارث عسر، حسن مصطفى، وحسين رياض -في أغلب أدواره. فنانون لا غبار على إمكانياتهم وقدراتهم التمثيلية على تقمص أنواع مختلفة من الأدوار؛ لكن ملامحهم وأصواتهم وطريقة أدائهم أهلتهم دائما لدور -حتى وإن اختلفت تفاصيله وتركيبته النفسية- يمكن وصفه بـ “الطيب” أو “اللي مننا وعلينا”.

يستأنف غسان “لكن المخرجين حصروني في أدوار الشر”، في خلطة الدراما المصرية المعروفة – والتي ربما ظلمت قدرات بعض الممثلين بتكرار المزيج المضمون جماهيرياً- يقدم القائمون على العمل الخير والشر والمعركة وقصة الحب؛ يبرز “الطيب” في شخصية الأب أو الأخ أو الصديق الوفي وربما الخادم أو بواب العمارة صاحب النخوة والجدعنة والمشاعر الرقيقة. أصحاب تلك الوجوه أحبتهم أدوارهم وأصرت على استمرارهم فيها فظلوا بمرور عمرهم الفني هي مساحتهم المفضلة للتواصل مع المشاهد الذي ألفهم واطمئن بوجودهم ليبشره بالنهاية السعيدة.

في سلسلة موضوعات “الطيبون على الشاشة”، يرصد إعلام دوت أورج سيرة أبرز تلك الوجوه.

حسن مصطفى

الأكثر تميزًا

يقول حسن مصطفى: “بالنسبة لي، أنا حققت اللي ماحدش حققه”، لذلك فهو يعتبر أكثر شخصيات “الطيبين” تميزاً، حيث إنك أثناء الاستماع إليه تشعر أنك أمام شخصية لامعة، متصالحة مع نفسها تماماً، نجم متألق في مساحته وهو مدرك لذلك جيداً، لا تنتظر تعبيره عن الرضا أو الاكتفاء والفخر بمجهوده بل تراه في كل حرف ونبرة صوت.

 

وكعادة الطيبين أيضاً يُشعرك “مصطفى” أنه أحد أقربائك المتميزين ممن يملكون صفات استثنائية لمن هم في عمرهم؛ ربما مثل جدك أو عمك الأكبر. يتحدث بحماس شديد وحضورٍ طاغٍ. له ذاكرة حديدية تأتي بتفاصيل الأحداث وأبطالها بأسمائهم، يُلقيها بطريقة مصرية خالصة، مليئة بالحب والمودة والدعاء بحفاوة لكل من يأتي ذكرهم -سواء بالرحمة لمن انتقل إلى جوار ربه، أو بالشفاء والصحة وطول العمر لمن مازال على قيد الحياة؛ وتُطعم بتقليد سريع لطريقة كلامهم على غرار أسلوب المصريين في الرواية لكن بلمسة فنية دقيقة.

 

ذكرى للعمر كله

ولد حسن مصطفى في 26 يونيو 1933، بحي الظاهر بباب الشعرية. يروي أن مسيرته الفنية قد بدأت منذ أول سنوات تعليمه بالمدرسة. ظهر مبكراً ولعه باللغة العربية، ومفرادتها، وطريقة إلقائها، حيث تعود الاستماع إلى برنامج “حديث الثلاثاء” للدكتور طه حسين، واصفا شعوره حينها: “كنت بسمع نغم”. صنعت منه تلك الحصيلة اللغوية المبكرة، تلميذا مشهورا بآداءه الإذاعي والتمثيلي. ذاع صيته بين مدارس المراحل المختلفة حتى قبل انضمامه لها، إلى أن جاء اليوم المشهود.

زارهم في المدرسة عميد الأدب العربي واستمع إلى رسالة الترحيب التي ألقاها “حسن” فطلب لقاءه، وسأله عن اسمه كاملا واستمع إلى مجهوداته في سبيل ذلك التميز، وختم الحديث بالثناء عليه قائلاً “إنك طالب مجد ومجتهد”، ثم أشار إلى سكرتيره حسين مؤنس فناوله نسخة من كتاب “الأيام”، مكتوب على أولى صفحاتها “إلى الطالب المجتهد حسن مصطفى”، ووقعها طه حسين بنفسه ثم أعطاها له. يؤكد “مصطفى” في لقائه مع الفنانة إسعاد يونس خلال برنامجها “صاحبة السعادة” في سبتمبر 2014، أن تلك النسخة مازالت في حوزته حتى تلك اللحظة.

فرق التلفزيون المسرحية

انتقل “حسن” بعد ذلك إلى فرقة التلفزيون التي يصفها بأنها جزء من تاريخ مصر، فقد بدأت فرقة واحدة وانتهت بعشر فرق لكبار فناني الوطن العربي. كان هو جزءًا من أحد تلك الفروع وهو “فرقة الفنانين المتحدين”، وذلك بعد نجاحه الباهر في عدد من الأعمال المسرحية مثل “مطرب العواطف” و”أصل وصورة”. 

قدمت “فرقة الفنانين المتحدين” أولى مسرحياتها وهي “أنا وهو وهي” للفنان فؤاد المهندس والفنانة شويكار، ثم “هالو شلبي” للشباب وقتها سعيد صالح وأحمد ذكي. لم يكن حسن مصطفى جزءًا من فريق التمثيل في تلك الأعمال لكنه كان جزءًا أساسيًا من أعمدة الفرقة؛ حيث إنه لم يكن يفترق عن سمير خفاجي مؤسس فرقة ساعة لقلبك وأحد مؤسسين “المتحدين”، إلى أن قدموا مسرحية “سيدتي الجميلة” وهي قطعة فنية متكاملة وكان “مصطفى” جزءاً منها.

حسن مصطفى

على المستوى الجماهيري، تعتبر كل من “مدرسة المشاغبين” و”العيال كبرت” الأعمال المسرحية الأكثر تميزاً ورواجاً منذ أول عرض لها وحتى عروضها التيلفزيونية الآن. عن “مدرسة المشاغبين” حكى “حسن” أنه أدى دور “الملواني” وكان سعيدا به للغاية ويجد فيه مساحة لتقديم الكوميديا بشكل مناسب له تماماً. وكان الفنان “عبدالمنعم مدبولي” يقوم بدور الناظر، إلى أن قرر “مدبولي” ترك العرض من أجل التعاقد مع فرقة الريحاني، فقام “مصطفى” بأداء دور الناظر وتغيير تفاصيله حتى تتناسب مع الاختلافات بينه وبين “مدبولي” سواء في الشكل والهيكل أو الأسلوب. وقام الفنان الراحل “عبد الله فرغلي” بتقديم دور “الملواني”.

بأداءه لدور “الناظر” أصبح “حسن” والد الفنان يونس شلبي في العرض، مما يضعه أمامه في عدة مشاهد. يقول “مصطفى” عنه: “أنا أكره الممثل اللي يقف على المسرح ويضحك خصوصاً لو كان كوميدي، لكن الوحيد اللي ماكنتش أقدر أمسك نفسي قدامه هو يونس شلبي”.

 

من ناحية أخرى قدم حسن مصطفى تجربة متميزة كمذيع، حين ظهر في برنامج “بدون كلام”، والذي يعتبر من أوائل برامج المسابقات الرمضانية، ويقدم فكرة على غرار لعبة شهيرة ومنتشرة الآن وهي “لعبة الأفلام”، ويستضيف عددا من الفنانين الرجال والفنانات النساء ليكونوا فريقين متنافسين؛ كما قدم عددا من الأعمال السينمائية مثل “أرض النفاق” و”مطار الحب” مع الفنان فؤاد المهندس.

 

“حسن بيجمع.. مفيش حد يتخانق وأنا موجود”

 

لا تختلف شخصية “مصطفى” بين أقرانه سواء “أولاده” في العروض أو أصدقائه ورفاق دفعته. يصف نفسه بفخر “حسن يجمع.. مفيش حد يتخانق وأنا موجود”، ويتابع الحديث عن إجراءاته في حالة حدوث أي نزاع خصوصاً بين النجوم الشباب وقتها: “بابور اللحام في إيدي ألحم على طول”.

حسن مصطفى

تزوج الفنان حسن مصطفى من الفنانة ميمي جمال بعد زيجة أولى غير ناجحة وابنة واحدة. تقول ميمي عن التعارف بينهما الذي جاء من خلال العمل في فرق التلفزيون المسرحية والسفريات المتعددة والمتكررة: “حسن تصاحبه بسرعة وتحكيله سرك بسرعة”، وتعتبر زيجتهم من الزيجات الفنية القليلة المُعمرة والتي استمرت حتى وفاته في 19 مايو 2015. تصفه “ميمي” بأنه “عشرة عمرها” وتوأم روحها، أنجبت منه التوأمتين نورا ونجلا.

حسن مصطفى