أحمد فرغلي رضوان يكتب: هند صبري.. أفوكاتو التمثيل

داخل مسرح جلال الشرقاوي عام ٢٠٠٣ كان لقائي الأول بها، حيث كانت تشارك في العرض المسرحي “امسك حرامي” إلى جانب صلاح عبد الله وأحمد رزق.. حينها كانت الممثلة هند صبري قادمة حديثًا من تونس وتبحث لها عن مكان داخل هوليوود الشرق، بعد أن ظهرت موهبتها مبكرًا في تونس وهي لا تزال صبية صغيرة عبر فيلمها الشهير “صمت القصور” لمفيدة تلاتلي، لفت نظري حينها في غرفتها الصغيرة عدد من الكتب وأيضًا الشموع فالشيئين محببان لها ويعتبران من أفضل الأشياء كهدية تسعد بها.

خلال هذا اللقاء بدأت اكتشفها شيئًا فشيئًا، كانت تتحدث بثقة كبيرة عن أحلامها وطموحاتها الفنية، بعد وقت قليل أيقنت أنها ممثلة لديها هدف تريد تحقيقه، وكانت المفاجأة اللافتة لي في لقائي معها قدر الثقافة الكبير الذي تتمتع به هذه الممثلة الشابة وحينها كتبت عنوان الحوار “قرأت مائة عام من العزلة لماركيز وعمرها ١٤ عامًا”، وهي الرواية الأقرب لها وتحلم بتجسيدها على الشاشة إلى الآن.

ظلت هند صبري تصعد في سلم النجومية رغم صعوبة الفرص المتاحة لها، ولكنها نجحت في فرض نفسها كواحدة من أبرز نجمات الجيل الحالي في السينما المصرية والعربية، حيث حالفها الحظ بأن يكون عملها الأول في مصر ببطولة سينمائية وفيلم “مذكرات مراهقة” أمام أحمد عز وإخراج إيناس الدغيدي عام 2001، ولكن الدور الذي قدمته كان جريئًا وغير معتاد من النجمات الصاعدات وقتها، ولذلك كان مثار حديث الإعلام عنها، حينها أيقنت “هند” المأزق الذي وقعت فيه حيث تصنيفها كممثلة إغراء، وفي مصر عادة صناع السينما يستسهلون ولا يبذلون مجهودًا مع الممثل لتغيير أداءه ومنحه فرص جديدة، ليس هناك رمسيس نجيب أخر يصنع نجما أو نجمة فهنا الممثل وحده هو من يحدد مستقبل مشواره حسب تفكيره وثقافته.

وتعترف هند صبري أنها استوعبت ذلك فيما بعد حيث كانت لا زالت تتعرف على المجتمع المصري وسيكولوجيته المختلفة عن المجتمع التونسي، وبسبب هذا الدور جاءتها عروض مشابهة كثيرة! حيث كان يبحث صناع السينما عن ممثلات يقبلن تقديم مثل تلك الأدوار الجريئة والتي يتم الاعتذار عنها باستمرار!

ولكن يأتيها الحظ مرة أخرى سريعا في نفس العام ليمنح هند فرصة جديدة حيث كانت كلمة السر لدى المخرج داود عبد السيد ليعيد اكتشافها حيث أعطاها الفرصة لتقدم واحدا من أفضل أدوارها على الإطلاق مع فيلم “مواطن ومخبر وحرامي”، وبالفعل تلفت نظر الجميع وتجسد شخصية الفتاة الشعبية كأنها مصرية أبا عن جد! وتحصل على تقدير الجمهور و النقاد وجائزة مهمة ونادرة لفنانة عربية أفضل ممثلة من المهرجان القومي للسينما المصرية، ومعه تبدأ مشوار الجوائز في مصر وخارجها والذي وصل لـ27 جائزة أخرها كان جائزة التمثيل عن فيلم “زهرة حلب” من مهرجان الإسكندرية في دورته الأخيرة، وممكن القول لم تنجح أي ممثلة عربية حضرت إلى مصر مثلما نجحت هند صبري.

خلال مشوارها مع الفن المصري والذي يصل ل16ـ سنة نجحت هند في تحقيق حضور سينمائي متنوع مع 27 فيلمًا ما بين مصر وتونس، وخلال مرحلة الانتشار إلى جانب الأفلام الموسمية التجارية كانت حريصة على اختيار أعمال تحقق لها تواجد “مميز” مع مخرجين مهمين مثل “أحلى الأوقات” بمشاركة الموهوبتين حنان ترك ومنة شلبي وإخراج هالة خليل، و”بنات وسط البلد” لمحمد خان ثم “ملك وكتابة” أمام محمود حميدة وإخراج كاملة أبو ذكري و”جنينة الأسماك” ليسري نصرالله وصولا للفيلم الحدث “عمارة يعقوبيان” أمام عادل إمام، وبالفعل حققت تألقًا واضحًا مع تلك الأعمال وقالت لي ذات مرة أحب البطولات الجماعية فهي تجعلنا نشاهد مباريات فنية تظهر خلالها إبداعات الممثلين وأنا سعيدة بهذه الأعمال والجمهور يقبل عليها، كذلك نجحت هند في تكوين ثنائي ناجح جماهيريا وتجاريا أمام أحمد السقا مع أفلام “الجزيرة” 1, 2 لشريف عرفة وإبراهيم الأبيض” لمروان حامد.

ورغم النجاح والتواجد ظل حلم البطولة المطلقة يراودها مثل كل ممثلات جيلها ورغم صعوبة هذه الفرصة انتاجيا، إلا أنها نجحت أن تقدم فيلم “أسماء” للمخرج عمرو سلامة وينجح في حصد أكثر من جائزة داخل وخارج مصر لطبيعة القضية التي ناقشها.

تأثر تواجدها الفني فترة بسبب الزواج والإنجاب ولكنها بدأت مرحلة فنية جديدة في 2010 وأول بطولة درامية مع مسلسل “عايزة اتجوز” للمخرج رامي إمام والذي حقق نجاحا جماهيريا لافتا وقدمت الكوميديا الصريحة لأول مرة، ولكن لم يحالفها نفس النجاح في الأعمال الدرامية التالية قبل أن تعود العام الماضي وتحقق النجاح مجددا مع الدراما الإنسانية “حلاوة الدنيا”.

هي ممثلة حتى النخاع رغم أنها قالت ممكن أتخلى عن التمثيل وأتجه للعمل كمحامية يوما ما ولذلك كانت حريصة على مواصلة دراستها حتى درجة الماجستير في الملكية الفكرية بالسينما، وخاضت معركة قضائية لتحصل على عضوية نقابة المحامين بتونس في ٢٠٠٧ بأمر المحكمة.

تميز أداء هند صبري في معظم أدوارها بالصدق والإحساس العالي بالشخصية التي تجسدها وتمتلك ملامح وعيون معبرة إلى جانب الاجتهاد والدأب في البحث عن ما يضيف لها، لا تتبرأ من أي عمل قدمته مهما كان قيمته الفنية ولكن لكل مرحلة قناعتها الفنية التي قد تختلف الأن وربما الاعتراض الوحيد الصريح والذي خرج للعلن منها كان على فيلم وحيد هو “ويجا” لخالد يوسف، وأتذكر أنها لم تحضر للعرض الخاص للفيلم وقتها بسبب الخلاف مع المخرج على كيفية تأدية أحد المشاهد.

ضايقها مثل ممثلات عربيات أخريات أن يتردد في الصحافة وقتها أنها جاءت لتقدم الأدوار “الجريئة” ولذلك كانت تسعى طوال الوقت لإبراز الجانب الأخر لها كأنسانة تحمل قدر عالي من التعليم والثقافة وهو ما سبب الضيق للبعض.

تعرضت لمشكلات “خاصة” كأي إنسانة ولكنها ظلت قوية ومتماسكة ولم يتأثر عملها ولم تهتز؛ وأذكر أنني زرتها في “اللوكيشن” أثناء تصوير فيلم “جنينة الأسماك” وكانت تمر بظرف خاص صعب، ولكني وجدتها قوية وتجسد دورها ببراعة.

مشاكل بسبب السياسة

في أكتوبر 2009 قامت برحلة “عنترية” إلى رام الله للمشاركة في مهرجان سينمائي فنالت من هجوم الصحف العربية ما ناله المثقفين العرب الذين سبقوها في رحلات مماثلة لفلسطين، ولكنها ظلت على موقفها وقالت “التطبيع كلمة مضللة، من يأتِ إلى هنا، يكسر الحصار على الشعب الفلسطيني، ويقدم خدمة للقضية الفلسطينية”.

في عام 2010 اختيرت سفيرة لمكافحة الجوع لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة إلى جانب قيامها بالعديد من الأنشطة الاجتماعية الأخرى بالعالم العربي، انخرطت هند في السياسة وذاقت النقد القاسي من الكثيرين على مواقفها، لكنها تبدو على قناعة ولا تتراجع عن رأيها وبالتأكيد كانت تعرف أنها لن تسلم من الهجوم بسبب مواقفها المعلنة.

بعد أيام قليلة ستنال هند صبري التكريم الأهم في مشوارها السينمائي بمصر بعد أن تم اختيارها لتكرم في الدورة 39 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي ولا زال أمامها الكثير لتحققه من أحلامها.