في ذكرى وفاته.. نجيب سرور و"مين يشتري الورد منه"

نوران عاطف

تحل اليوم الذكرى الـ 39 لرحيل الشاعر الثائر نجيب سرور، الذي تبنى قضايا الفلاحين والفقراء، ورغم ما امتلأت به حياته من نضال وكفاح وملاحقات أمنية إلا أنها لم تخل من تعبيره عن نفسه كشخص مرهف الحس رقيق المشاعر يحمل الحب والخير لكل من حوله، وموهبة مسرحية وفنية ضخمة، قادته في يوم إلى الوقوف بميدان التحرير لأداء مشهد تمثيلي برفقة ولده الصغير، قائلاً: “ألا ترى.. مين يشتري الورد مني”، ليخاطب الجموع أن المسرح لا يكفي حماسه ورسالته.

في ذكرى وفاته، يستعرض إعلام دوت أورج أبرز المحطات من حياة “سرور”.

(1)

“أنـا ابن الشـقاء.. وفى قـريتي كلهم أشـقياء”

محمد نجيب محمد هجرس هو اسمه الحقيقي، ولد بقرية “أجا” بمحافظة الدقهلية في 1 يونيو 1932، عانى سرور من محدودية الإمكانيات المتاحة للتعليم والثقافة، لكن كما تُنتج الأزمة حفنة من الجهلة والأُميين أحياناً تّثمر من يصنع منه الضيق شخص أكثر إصراراً على الظهور والوصول، وأشد إحساساً بماهية الألم والاحتياج .

عاصر “سرور” الإقطاعيين وتعرض لظلمهم حين قام عمدة قريته بضرب أبيه أمامه وكان للحادث أثر في تكوين شخصه الرافض للظلم ولقهر الفلاحين وحكى فيما بعد عن تلك الوقعة في قصيدته “الحذاء”، وفي المرحلة الثانوية اهتم نجيب بالأدب والفلسفة والشعر ليكون الناتج هو الثائر والشاعر والمؤلف والمخرج والممثل المسرحي نجيب سرور.

(2)

“لم أكن أتصور أنه على هذا القدر من الوَسامة، وسَامة الرجل الشّرقي واسع العينين، خفيف السمرة”

ذلك هو وصف الروائي “عبده جبير” لسرور في حوار له مع جريدة الدستور.. فقد بدأت علاقة نجيب بالأدباء والمثقفين بعد التحاقه بالمعهد العالي للفنون المسرحية عقب تركه للدراسة بكلية الحقوق، ثم سافر ضمن بعثة حكومية للاتحاد السوفيتي لدراسة الاخراج المسرحي عام 1958، بدأ خلالها إظهار ميوله الماركسية الشيوعية.

كونه جزء من بعثة حكومية، أثار ذلك شكوك الشيوعيين حول مصداقيته، وعلى الجانب الآخر أثارت اراءه غضب بقية أفراد الوفد المصري، مما تسبب في سحب المنحة الحكومية منه، قام بعدها بتأسيس “مجموعة الديمقراطيين المصريين”، التي نددت بسياسة القمع في مصر والأردن، مما أكسبه ثقة الشيوعيين من أبناء الشرق الأوسط والتفافهم حوله لحل مشكلته، وذهب سرور للمغرب بمنحة حزبية أممية.

عند عودته لمصر قدم نجيب للمسرح عدد كبير من الأعمال منها مسرحية “ياسين وبهية” في عام 1965 و”يا بهية وخبريني” في عام 1969 وكلاهما من إخراج “كرم مطاوع”، كما قدم “ألو يا مصر” و”ميرامار” عن رواية نجيب محفوظ ومن اخراجه، من المسرحيات النثرية أيضاً “الحكم قبل المداولة”، “الكلمات المتقاطعة”، “البيرق الأبيض” و “ملك الشحاتين”.

قدم للنقد الأدبي والمسرحي “رحلة في ثلاثية نجيب محفوظ”، “هكذا تكلم جحا”، و”تحت عباءة أبي العلاء”.

أما أعماله الشعرية فقد كتبها بشكل منفرد خلال حياته ورحلاته وتم تجمعيها لاحقاً في دواوين سواء خلال حياته وبواسطته أو بعد وفاته بواسطة أصدقاءه، صدرت لسرور دواوين مثل “لزوم ما يلزم” و”التراجيديا الإنسانية”.

(3)

“أنا لست أُحسب بين فرسان الزمان.. إن عد فرسان الزمان

لكن قلبــي كان دومـاً قلب فارس.. كـره المنــافــق والجبــان”

بدأ النضال في حياة سرور يتخذ شكل الملاحقات الأمنية بعد عودته إلى مصر واصطدامه بمراكز القوى عام 1964، حيث كانت في أوج نشاطها، فعانى من الاعتقال والتعذيب داخل السجون من جهة والتضييق عليه خارجها من جهة أخرى.

كان أكبر صدام في حياة نجيب عقب مذابح سبتمبر الأسود عام 1970 التي ارتكبها الملك حسين حاكم الأردن في حق المجموعات الفلسطينية عندما اعتبرها تُمثل تهديد للحكم الهاشمي، فقام سرور بتأليف وكتابة مسرحية بعنوان “الذباب الأزرق” في عام 1971، وتم وقفها سريعاً من قبل الحكومة المصرية وبتدخل من السلطات الأردنية.

ظلت السنوات الأخيرة في حياة الشاعر نجيب سرور سنوات عصيبة لم تهدأ فيها المطاردات الأمنية، ولم تخل قوائم الانتظار والمطلوبين فيها من اسمه، يقول سرور في رسالة استغاثة أرسلها للأديب يوسف إدريس نشرتها “البوابة نيوز” في ذكرى ميلاده عام 2016:

“لقد تلقفوني فور عودتي من دمشق وأرسلوني.. لكن مهلا، ليس في معتقل من المعتقلات الحكومية المعروفة والمزدحمة بالنزلاء، وإنما في مستشفيات المجانين، مستشفى الأمراض العقلية بالعباسية!!… المهم أنني خرجت من مستشفى الأمراض العقلية بمعجزة حطاما أو كالحطام! خرجت إلى الشارع.. إلى الجوع والعري والتشرد والبطالة والضياع وإلى الضرب في جميع أقسام البوليس المخلص في تنفيذ أغراض الأعداء والمحسوب علينا من المصريين أو نحن العرب! خرجت أدور وأدور كالكلب المطارد بلا مأوى، بلا طفلي وزوجتي.. وظللت مجمدًا محاصرًا موقوفا، وبعيدًا عن مجالات نشاطي كمؤلف مسرحي ومخرج وممثل، وبعيدًا عن ميادين النشر كشاعر وناقد وزجال ومؤلف أغان”!

لتوضح الرسالة مقدار ما تعرض له نجيب من إهانة وضياع وتعذيب حتى توفي في مستشفى الأمراض العقلية عن عمر يناهز 46 عاماً، وكُتب على قبره أبيات من قصيدته “لزوم ما يلزم”:

يا نابشًا قبري حنانك ، ها هنا قلبٌ ينام

لا فرق من عامٍ ينامُ وألف عام

هذى العظام حصاد أيامى فرفقاً بالعظام

أنا لست أُحسب بين فرسان الزمان

إن عد فرسان الزمان

لكن قلبي كان دوماً قلب فارس

كره المنافق والجبان

مقدار ما عشق الحقيقة