إيمان خيري تروي اللحظات الأخيرة في حياة "شيخ الحكائين"

أمنية الغنام

عندما أجريت معه حواراً في أواخر عام ٢٠٠٤، عن شخصية “فاطمة تعلبة” بطلة روايته الشهيرة “الوتد”، لم يدر بذِهني لحظةً أنه سيأتي يوم أحاور فيه ابنته الصغرى إيمان بمناسبة ذكرى وفاته السادسة، وذلك ضمن ملف خاص لـ إعلام دوت أورج، عن “شيخ الحكائين” خيري شلبي، حيث تحدثت عنه من خلال التصريحات التالية:

1. كان والدي يعتبرني “الصبي بتاعه” وكان يناديني دائماً بـ “عم جاد الله”، فبعد خروجه على المعاش وزواج أختي ريم وعمل إخوتي زين وإسلام، كنت دائماً ما أقوم بطلباته، وكثيراً ما كنا نسهر ونتحدث سوياً، وأُعد له القهوة والشيشة ويأخذ رأيي فيما يكتب. وكنت أساعده أحياناً خلال توليه رئاسة تحرير مجلة الشعر، في قراءة الجوابات وتفريغها وتوزيعها حسب العناوين.

2. كان يتمتع بخفة دم وظل كبيرة جداً، وبالرغم من جديته وعمله وأحياناً عصبيته إلاّ أنه في المجالس الخاصة دائماً ما كان “ابن نكته”، ويغني بصوته المليء بالحياة، فهو يحب طرب سيد مكاوي وعبد المطلب، وفي سماعه لا يسمع سوى فيروز.

3. في رمضان كان له طقوس خاصة جداً، فكان يتفرغ تماماً للكتابة وكان معروفاً عنه كتابة بورتريهات الشخصيات في مجالات عدة، وأذكر أنه كتب مرةً بورتريهاً رائعاً عن السيدة زيْنب، كما كان يهتم في هذا الشهر بسماع الشيخ مصطفى إسماعيل والشيخ محمد رفعت والنقشبندي.

4. الشخصية الوحيدة التي كان يتجنب عمل بورتريه عنها هي شخصية والده “جدي أحمد”، فقد كان يعشقه ويرى أنه شخصية روائية كانت صعبة عليه جداً، وغالباً ما كان يذكر ذلك حيث كان والده يعمل مهندساً بوزارة الري وكانوا من أسرة غنية وثرية لكن تدهور بهم الحال وعندما تزوج بالأسكندرية رُزق بولد أسماه “خيري” ولكنه توفي وبعد استقراره بمحافظة كفر الشيخ تزوج بجدتي ورُزِقا بـ ١٢ ابن وابنة، وكان أبي أكبرهم، وأصر والده على تسميته باسم خيري أيضاً عوضاً عن شقيقه المتوفى.

5. جميع رواياته تعكس مقتطفات من حياته، حتى شخصية فاطمة تعلبة هي شخصية حقيقية وموجودة بالفعل، فهي زوجة عمه ومن عائلة العكايشة أيضاً، فوالدي بالمناسبة اسمه خيري عكاشة، ولكنه اختار اسم شلبي حتى لا يربط أحد بينه وبين الكاتب ثروت عكاشة بصلة قرابة، ولكنه كان يتفاخر كثيرا بوجود صلة قرابة نوعاً ما من الأصول بينه وبين الكاتب أسامة أنور عكاشة وكثيراً ما كانا يتحدثان عن ذلك.

6. منذ وعيت على الدنيا وأنا لم أر أبي يفعل شيئاً سوى القراءة والكتابة، فالقراءة بالنسبة له ليست خياراً فهي مسألة حياة. كان يقرأ للصغير والكبير ويهتم جداً بالشباب والأجيال المتعاقبة ويساندها، أمثال حمدي أبو جُليّل وياسر عبد اللطيف وياسرالزيات وجرجس شكري وطارق إمام (فقد كان يسانده منذ كان ١٥سنة)، ودعم الكثيرين منهم حتى تم تعيينهم في مجلة الإذاعة.

7. كانت لديه قدرة كبيرة على تذكر آخر مكان وضع فيه كتاب قرأه ولو مر عليه عشرون عاماً، فهو يستطيع أن يميز بين كعوب الكتب والطبعات المختلفة ودور النشر وعدد الترجمات للكتاب الواحد ويستخرجها بسهولة.

8. أرشيف خيري شلبي منظم جداً وبه كل ما كتب عنه سواء بالسلب أو الإيجاب وكان عنده القدرة على الفصل بين شخصية سببت له الأذى وبين أن يتناولها في نفس الوقت ببورتريه يستحق أن يُكتب عنها.

9. كان عاشقاً للمسرح ومقاهي وسط البلد وشارع المعز ومنطقة الأباجية، ويوماً ما تعطّلت به السيارة ماركة فولكس في المقابر ناحية الدراسة وقام بحمل أوراقه وأقلامه والكتابة هناك حتى قام الأهالي بإصلاحها، وأحب سكان هذه المنطقة وأحبوه وعرف صغيرهم وكبيرهم بالاسم، ومن وقتها بدأ ارتباطه بالمقابر بالصدفة حتى إنه استأجر أحد الأحواش هناك وأصبح يقضي سهرته الأساسية فيه لفترة معينة رغم أنه كان متزوجاً.

10. رأيت خيري شلبي باكياً مرات قليلة جداً آخرها قبل وفاته بأيام قليلة حينما تعب صديق عمره الفنان سعيد صالح ودخل المستشفى وأبلغه بذلك الفنان لطفي لبيب، حيث أصابته حالة انهيار شديدة واهتز كل جسده ولم يستطع أن يتمالك نفسه من البكاء، رأيته كذلك متأثراً بالدموع عند وفاة محمد مستجاب، وإبراهيم منصور.

11. كان يُقدر أمي ويحترمها كثيرا ويُفوض لها التعامل في كافة الأمور وكانت القارئة الأولى له وهذا طقس أساسي لم يتنازل والدي عنه أبداً، فما من رواية كتبها وذهب لدار النشر لاستلام النسخ إلاّ وتكون أول نسخة هي إهداء مكتوب لأمي، وظل الحال كذلك حتى آخر إهداء دخل بيت خيري شلبي وهي رواية” أُنس الأحباب”.

12. اللحظات الأخيرة في حياة خيري شلبي، وهو “كائن ليلي بطبعه”، بدأت ليلة الجمعة الموافق ٩ سبتمبر 2011، عندما كان يكتب مقاله الأسبوعي لجريدة الوفد فجرًا -وبالمناسبة مازال المقال موجوداً ومُدبسا على مكتبه كما هو- وكانت والدتي معتادة على الاستيقاظ في ذلك الوقت لتحضير كوب اللبن بالعسل له لينام بعدها ، ولكنه طلب منها أن تجلس بجواره ليتحدثا سويا، بعد أن أغلق سمّاعة التليفون لتوّه مع صديقه إبراهيم أصلان، وكانا يضحكان على موقف ما وأخذ يحكي لأمي ويضحك وعندما قامت لتحضر اللبن قال لها “استني شوية أكملك الحكاية”، وفي وسط الحكاية -وكان جالسًا على سريره- سكت فجأة ولم يرد عليها، واعتقدت أنه يمازحها ولكنها اكتشفت أنه قد رحل عن عالمنا.