19 تصريحًا لـ زين خيري في ذكرى رحيل "شيخ الحكائين"

أمنية الغنام

“الابن سر أبيه”، هكذا هو الكاتب الصحفي زين العابدين خيري، الابن الثاني من حيث الترتيب للأديب والروائي خيري شلبي، والذي تواصل معه إعلام دوت أورج، ضمن ملف خاص عن “شيخ الحكائين” بمناسبة الذكرى السادسة لرحيله، وكانت تلك أبرز تصريحاته:

1. بدأَت موهبة الكتابة عند والدي في سن مبكرة، أخذت في البداية شكل “الحكي” والقدرة على التخيل وتأليف الحكايات، وفي مرحلة المدرسة كانت البداية بكتابة الشعر، وأول مطبوع له كان في مدرسة المعلمين عن طريق الاكتتاب، حيث قام بجمع المال بكوبونات من أصدقائه وزملائه ومدرسيه، ولما تم طبع الكتاب قام بتوزيع النسخ التي اشتروها مقدما عليهم؛ وظل يكتب الشعر حتى أدرك مع الوقت أن موهبته الحقيقية في كتابة القصص والروايات.

2. للأسف لم يحتفظ بأي من كتاباته القديمة والمبكرة باستثناء الكتابات الصحفية، لأنه كان يهتم بأرشفة كل ما ينشر له وكان شخصا منظما جدا ويأخذ فترة في التجهيز للكتابة؛ فمثلا كان يعد ما بين ١٠ إلى ٢٠ قلمَ حبر بعد تنظيفها بالماء الساخن، ويملؤها حتى لا يوقفه شيء أثناء الكتابة.

3. المراحل الأولى من عمره كانت في قرية “شباس عمير” بمحافظة كفر الشيخ، قبل أن ينتقل منها للدراسة في معهد المعلمين بدمنهور ثم الإسكندرية فالقاهرة، وبالرغم من أن الفترة التي قضاها في قريته بلغت حوالي ١٥سنة فقط، إلاّ أنه كان لها التأثير الأكبر عليه وكتب عنها عدداً كبيراً من رواياته وقصصه القصيرة، وظلت علاقته بقريته مستمرة نظراً لوجود عائلته وعائلة والدتي بها، حيث كانت آخر زيارة له هناك قبل رحيله بعامين.

4. فترة الثمانينات تحديدا في منطقة قايتباي بالقرب من منشأة ناصر، استمر في الكتابة مدة تزيد عن ١٥ عاما في أحد أحواش المقابر هناك، وكتب عن هذه المنطقة رواية اسمها “نسف الأدمغة” ورواية “منامات عم أحمد السماك”؛ وكان عم أحمد من أقرب أصدقائه وكان عمله في سوق منشأة ناصر، وكتب هذه الرواية عن لسانه.

5. كان والدي يحصل على الكتب من سور الأزبكية ومحلات بيع الكتب القديمة كمناطق درب الجماميز، وسط البلد، الحسين والأزهر، وكان على علاقة جيدة بكل بائعي الكتب، وكان حريصا على تجميع الكتب النادرة وقراءة النسخ الأصلية التي اشتراها لأمهات الكتب العربية وكتب التراث.

6. في السنوات الأخيرة سمح لنا بالاطلاع علي مسودات الروايات وسألنا عن رأينا فيها، وأذكر هنا صديقه الناقد إبراهيم منصور عندما كانا يجلسان على المقهى سوياً ويأخذ منه ورقة ورقة أثناء الكتابة ويبدي رأيه فيها أولًا بأول.

7. روايات كثيرة لوالدي أخذت منه وقتا طويلا في كتابتها، كرواية “الشطار”، حيث استغرقت كتابتها ٧ سنوات، وروايات أخرى بلغ عدد مسوداتها ٤٠ مسودة، وسمعته مرة يقول عن رواية وكالة عطية، “مش الأقصر لكنها الأسهل”، حيث لم تأخذ منه وقتاً كبيراً في الكتابة.

8. رفض كتابة العديد من البورتريهات لأنه كان يرفض الكتابة بالطلب، فإذا لم تكن الشخصية التي يكتب عنها يشعر بها لم يكتب عنها، وهناك بورتريهات كتبها وهو سعيد رغم أن بعض شخصياتها كانت مثيرة للجدل، لأن فلسفته ووجهة نظره في كتابة البورتريه تتلخص في إظهار الجانب المضيء للشخصية، لأنه كان يعتقد أنه لا يوجد شخص أسود تماما أو أبيض تماما، خاصة لو كان له تأثير في مجال من المجالات المختلفة، فكان والدي كصياد اللؤلؤ، عنده المقدرة على وضع يديه على الجانب الجيد من الشخصية.

9. أكثر ما كان يسعد والدي، اللعب مع أحفاده بطفولة شديدة؛ وباعتباره زملكاويا شديدًا جدًا، كان يفرح بفوز الزمالك في مبارياته وبطولاته، وأكثر ما كان يغضبه هو الغباء، وكان يعشق الموسيقى ويفهم فيها بدرجة كبيرة وألّف كتبا عن مرسي جميل عزيز، والأبنودي، وكان يتمتع بمواهب يدوية كالخياطة، كما اهتم بأدوات النجارة لأنه عمل في صغره كمساعد ترزي ونجار.

10. لا أدري ما إذا كانت مقولة “الابن سرّ أبيه”، تعكس طبيعة علاقتي بوالدي، ولكني أعلم أنني تأثرت به جداً، وبمرور الزمن والتقدم في العمر أصبح الشبه بيننا على مستوى الملامح والطباع كبيرا، حتى الصفات الشخصية مثل التسامح والمرونة، أما على مستوى الكتابة فيمكن القول بأن عندي “لطشة” منها، أما موهبته هو فصعب تكرارها وأتمنى وجودها لدى أحد أبنائي.

 

11. لم ينصحنا طوال حياته بقراءة كتاب بعينه، بل كانت نصيحته هي القراءة والقراءة فقط، وأتذكر أنني كنت مهتماً في صغري بالعلوم بشكل عام والفضاء بشكل خاص، وكذلك علم المصريات والسيرة النبوية، فكان يسعد بذلك ويشجعني ويوفر لي الكتب ويحرص على إمدادي بالكتب الملائمة للأدب العالمي للناشئين حتى أستطيع استيعابها بسهولة.

12. كان والدي محبا للسفر، فسافر لزيارة الكثير من دول أوروبا ودول البحر المتوسط بالإضافة لسفره لمعظم الدول العربية، وتجربته المبكرة مع السفر جعلته يؤلف كتاب “فلاح مصري في بلاد الفرنجة” وهو من أدب الرحلات وحصل عنه على جائزة الدولة التشجيعية، ووسام الفنون والعلوم من الطبقة الأولى ١٩٨٠-١٩٨١.

13. فوزية السنهوري، هي بالنسبة لأبي الزوجة والابنة، حيث أتت معه للقاهرة ولم يتجاوز عمرها ١٨سنة، وكانت له كالحياة وسببا رئيسيا في تحقيق ما وصل إليه، فكانت له سكرتيرة شخصية؛ تنظم وقته ومسؤولة عن مواعيد إرسال مقالات الإصدارات المختلفة وإرسال الفاكس لأكثر من جهة، ودائماً ما كان يذكر أنه مدين لها بالفضل الكبير.

14. في السنوات الأخيرة بدأ اهتمام النقاد بأعماله بشكل عام، أعتقد أن لدينا أزمة نقدية في مصر، فلا يوجد نقد موازٍ لكم الإبداع الكبير الموجود، وهذه ليست مشكلة خيري شلبي وحده ولكنها معاناة كل المبدعين.

15. لم ينل والدي حقه من التكريم والتقدير، فالأدب بشكل عام ليس له مردود جيد في مصر وهذا حال الإبداع والمبدعين، حتى نجيب محفوظ الأب الشرعي للرواية الحديثة في مصر، لا أرى أنه كُرّم علي أي مستوى من المستويات، ففي الدول الأوروبية مثلاً يتم إطلاق أسماء مبدعيها على مؤسسات بأكملها أو كليات أو أقسام تدريس.

16. بالرغم من إدراك والدي لأهمية الكمبيوتر وتفكيره بالفعل في استخدامه، إلاّ أنه لم يكن على علاقة وطيدة به ولم يستخدمه في كتاباته، فقد كان سعيداً جداً بصفحته التي أنشأناها له على الفيسبوك، ودائماً ما يسألنا عن التعليقات التي تَرد عليها، وكان يلجأ لي أحياناً للحصول على بعض المعلومات من على شبكة الإنترنت، للسهولة والسرعة.

17. قضى “شلبي” سنواته الأخيرة دون سيارة بعد أن تهالكت سيارته “الفولكس” العزيزة عليه والتي قد اشتراها في السبعينات من الممثلة ليلى يسري، فلجأ لركوب التاكسي ليتجنب أخلاقيات السواقة التي تغيرت للأسوأ.

18. “أنس الحبايب” يمكن اعتبارها الجزء الأول من السيرة الذاتية لخيري شلبي ولكنها ليست مكتوبة بالطريقة التقليدية، لأنه كان يرى أن كتابة السيرة الذاتية كما تم التعارف عليها تحمل ظلما ما، لأنها لا تخصه وحده ولكنها تخص أسرته وأصدقاءه وزملاءه في الدراسة ومعارفه في قريته، وبالتالي تناولهم من وجهة نظره فقط وفي لحظة معينة، يعكس منظورا ضيقا جداً عنهم.

19. لم يترك والدي وصية مباشرة وقد تفاجأنا بالوفاة، فلم يكن مريضاً قبلها، لكن بشكل عام كان يوصينا بالشرف وعدم التنازل، فمن يخطو أولى خطواته على سُلّم التنازل لا يستطيع التراجع.