من هو "فرج" بطل فيلم الكرنك؟

وليد رشاد
 
لا أحد يستطيع أن يفسر كيف حول الشعب المصري “فيلم الكرنك” من فيلم سياسي لاذع إلى فيلم جنسي بحت، وكيف تم اختزال الفيلم في مشهد اغتصاب البطلة “سعاد حسنى”، وكيف أن الغالبية العظمى لا تتذكر الفيلم أو محتواه المميز إلا من خلال تلك الرؤية الضيقة.
الفيلم يعتير من أبرز أفلام السينما المصرية على مدار تاريخها لاسيما أنه احتوى على جرأة غير مسبوقة (وربما غير متبوعة) في تصوير التعذيب للمعارضين سياسياً في حقبة من أشد الحقب سوادا في تاريخ مصر الحديث، كذلك أحاط بإنتاج الفيلم مجموعة من المحاذير وسط أجواء مكهربة بسبب تصفية الحسابات بين نظامين، وتوالت الاعتذارات والاعتراضات، ومنها الدعوى القضائية التي رفعها “صلاح نصر” رجل المخابرات القوي في عهد “عبد الناصر” ليطالب فيها بمنع عرض الفيلم، باعتباره يتعرض له ويقدمه في صورة “خالد صفوان” الفاسد ورفضت المحكمة دعواه وحكمت بمواصلة عرض الفيلم، أما وزير الثقافة وقتها “يوسف السباعي” فقد اعترض على وجود شخصية “حلمي” المثقف اليساري التي أداها الفنان “محمد صبحي” وطلب كذلك من صناع الفيلم توضيح أن نظام “السادات” ليس له يد في مسألة التعذيب الذي كان يحدث بالسجون في الستينات !!.
 
وكان من المفترض أن يؤدي الفنان الراحل “أحمد زكي” شخصية البطل “إسماعيل الشيخ” ولكن تظل القصة المشهورة لاستبعاده العنصري من الفيلم ماثلة للأذهان، وحكايته المعروفة مع كاتب السيناريو “ممدوح الليثي” الذي كان يرى أن “زكي” شكلاً ولوناً لا يصلح أن يكون حبيب السندريلا وتم استبداله بالفنان “نور الشريف”، أما الفنان “محمد صبحي” فقد ذكر أن مشهد تعذيبه في الفيلم كان حقيقياً وأن الفنان “كمال الشناوي” أطفأ السيجارة في جسده فعلاً، رغم أنه في بروفات الفيلم كان من المفترض أن يطفئها على “بلاستر” موضوع على بطنه ولذلك كان صراخه حقيقياً وغير مفتعلاً بسبب حرق السيجارة في جسده، والعجيب أن “كمال الشناوي” الذي تألق في أداء شخصية “خالد صفوان” لم يكن المرشح الأول للدور فقد تم ترشيح “جميل راتب” ولكن لكنته الغريبة منعته من الاستمرار بالفيلم، كما اعتذر الفارس “أحمد مظهر” بسبب علاقته القديمة بالرئيس “عبد الناصر”.
 

وقد تم تغيير نهاية الفيلم من نهاية مفتوحة بعرض أجواء نكسة 67 وطرح فكرة أن قمع الحريات كان أحد الأسباب الرئيسية لتلك الفضيحة إلى نهاية سياسية أكدت على ثورة التصحيح التي قام بها “السادات” ونهاية الظالم “خالد صفوان” بدخوله ذات المعتقل الذي كان يعذب فيه المعارضين السياسيين، ثم مشهد ختامي تجاري بعرض لقطات من انتصار أكتوبر في إشارة جديدة إلى أن قرارات التصحيح كانت أحد الأسباب الأساسية في تحقيق الانتصار بعد الانكسار.

 

 ​الأديب سعيد الكفراوي

ولكن أغرب ما يمكن أن تعرفه هو أن الأديب الكبير “سعيد الكفراوي” (والذي تردد أنه البطل الحقيقي للقصة والفيلم “اسماعيل الشيخ”) ذكر في حوار لبوابة الشباب ما يلي: “بأمانة شديدة الفيلم افتعل قسوة غير موجودة بهذا الشكل، خاصة في مشهد الاعتداء على “سعاد حسنى” والذي كان نابعاً من الرغبة في إدانة النظام السياسي السابق، بل يمكن اعتباره ضمن حملة تصفية حسابات بين نظامين ووقتها كانت الأنظمة تتعارك، وأنا شعرت بأن الفيلم كان يمكنه الظهور فنياً بشكل أفضل لأن المبالغة أضرته فالعنف كان موجوداً طبعاً ولكن بطريقة مختلفة، أنا تعرضت لعنف وسمعت صرخات من وراء الزنازين لكن “أهل اليسار” كانوا الأقل تعذيباً لأنهم يعارضون بالكلمة بلا سلاح أو قنابل”، وهذ الكلام ربما يؤثر على مصداقية الفيلم ولكن رغم كلام الأديب الكبير فان الجميع اتفق على وجود التعذيب السياسى في فترة “عبد الناصر” ولذلك تم بعد عرض الفيلم إنتاج سلسلة من الأفلام أدانت نفس الفترة.

وبعيداً عن واقعية ومصداقية التعذيب الموجود في الفيلم نعود إلى مشهد الاغتصاب والذي حظى بشهرة ربما أكثر من الفيلم نفسه !! وكانت المفارقة الكبيرة أن مخرج الفيلم “علي بدرخان” والذي أصر على تصوير المشهد بمصداقية كان في تلك الفترة زوجاً للبطلة المغتصبة “سعاد حسني”!! ويبدو أن “علي بدرخان” تعمد اختيار كومبارس غير مشهور لأداء دور “فرج” لأنه كان يريد التركيز على الحدث وليس الممثل، أراد أن يأتي بشخص يؤدي الدور ثم يختفي بعدها وسط الزحام، ولكن الغريب أن “فرج” أصبح من أشهر شخصيات الفيلم وصار الجميع يحفظ ملامحه وشكل جسده الضخم الذي يوحي بحيوانية مفرطة.

​علي المعاون (فرج)والسؤال من هو “فرج”؟! والإجابة هو الكومبارس “علي المعاون” الذي ظهر في أكثر من 60 فيلما ولم يترك بصمة إلا من خلال مشهد “فرج”، رغم أنه لم ينطق بكلمة واحدة ولكن يتذكره الجميع بسبب ظروف الفيلم وطبيعة المشهد وطريقة أدائه وكأنه محترف اغتصاب !!!! ومثله مثل الكثيرين الذين تميزوا بضخامة الجسد والملامح القاسية انحسرت أدواره في الشر وتجسيد شخصية رجل العصابات أو المخبر، ومثل 11 فيلماً بعد “الكرنك” آخرها فيلمين عام 1982 وهما “حسن بيه الغلبان”،”خمسة في الجحيم”.

ورغم أن “فرج” (باستثناء فيلم “الكرنك”) لم يحقق الشهرة في أعماله التي تخطت الستين بما فيها دوره في مسرحية “سيدتي الجميلة” والذي مثل فيه دور صاحب الخمارة في شجاره الشهير مع “حسب الله بعضشى” وعم “لالو” الطرشجى، إلا أن زميله الكومبارس الآخر “محمد أبو حشيش” والذي ساعده في اغتصاب السندريللا في المشهد المعروف كان الأكثر شهرة والأغزر انتاجاً، حيث شارك في 267 فيلماً ويذكره دائماً معظم المشاهدين، وكانت المفارقة الكوميدية حينما تم الاستعانة بالكومبارس “محمد ابو حشيش” في أحد أفلام فانتازيا التسعينات، وتم تهديد البطلة بأنه سوف يغتصبها كما اغتصب “سعاد حسني” في السبعينات وهنا سخرت منه البطلة لأنه لا يستطيع الوقوف على قدميه !!!!.