20 سنة من إسماعيلية رايح جاي: 1- الوصول إلى حل المعادلة

أندرو محسن

لم يكن أكثر المتفائلين يظن أن فيلم كوميدي وغنائي تقليدي في سبيله أن يصبح علامة فارقة في تاريخ صناعة السينما المصرية. مطرب محبوب هو أشهر أبطال الفيلم، أما بقية فريق العمل فكانوا معظمهم من الوجوه الجديدة التي لم يحفظ الجمهور اسمها بعد، المؤلف والمخرج كلاهما صاحب تجارب قليلة سابقة، وحتى المنتج ليس له خبرة في صناعة السينما، فكيف لهذه التركيبة العجيبة أن تُخرج فيلمًا يقلب حال السينما؟

في 25 من أغسطس عام 1997 كان العرض الأول لفيلم “إسماعيلية رايح جاي” من بطولة محمد فؤاد وهو الاسم الوحيد الذي كان يمكن أن يسوّق للفيلم، أما بقية الأبطال فهم محمد هنيدي وخالد النبوي وحنان ترك، الذين لم يكونوا نجومًا معروفين آنذاك، المؤلف هو أحمد البيه، والإخراج لكريم ضياء الدين، اللذين لم تنجح لهما أي تجربة سابقة، بما فيها فيلم “أبو الدهب” مع أحمد زكي للمخرج نفسه، بينما كان حسن إبراهيم هو المنتج وشارك في التمثيل أيضًا ثم اختفى لاحقًا.

نرشح لك: 11 معلومة عن “إسماعيلية رايح جاي” في الذكرى الـ19 للعرض الأول

يصعب التوصل إلى مقالة نقدية ترى في الفيلم شيئًا استثنائيًا وقت عرضه، لكن الجمهور كان له رأيًا آخر، وهذا الرأي هو ما قلب الموازين. وجعل من هذا الفيلم ظاهرة تستحق الدراسة والتحليل، إذ أن تاريخ السينما احتوى بعده على فصل جديد، فنقول قبل “إسماعيلية رايح جاي” وبعده.

سنوات السينما العجاف

المتابع لتاريخ السينما المصرية في فترة التسعينيات يدرك أنها إحدى أضعف فترات السينما، فحتى بعد نكسة 67 كانت السينما المصرية محتفظة بقوتها بل واستمرت في إخراج المزيد من المخرجين والممثلين المميزين، لكن فترة التسعينيات ربما كانت الأضعف، ليس فقط على مستوى الجودة، التي كانت لا تزال متوافرة في بعض الأعمال، ولكن على مستوى عدد الأفلام في السنة كذلك.

كانت الخيارات السينمائية متمثلة في أفلام الفنانين: عادل إمام وأحمد زكي ومحمود عبد العزيز ونبيلة عبيد ونادية جندي، مع التفاوت الكبير في أفلام هؤلاء بالطبع.

في عام 1997 لم يكن هناك أفلام للزعيم عادل إمام، بينما قدم أحمد زكي أحد أضعف أفلامه “حسن اللول”، وقدم محمود عبد العزيز فيلم “القبطان” الذي لم يكن فيلمًا جماهيريًا بأي حال، بينما تظهر نادية الجندي بفيلم “امرأة فوق القمة” الذي لا يختلف كثيرًا عن الأفلام التي اعتادت تقديمها.

على الجانب الآخر كان مخرجو الواقعية الجديدة مثل: خيري بشارة وعاطف الطيب ومحمد خان قد تراجعوا عن تقديم أفلامهم بشكل منتظم، مع اختلاف معطيات السوق والإقبال الجماهيري.

هكذا يبدو أن الساحة كانت مهيأة جماهيريًا لاستقبال تجربة مختلفة ووجوهًا جديدة، لم يضع أحد قواعد الاختلاف المطلوبة، لكن طالما أن الموجود لا يُرضي الجمهور فما المانع من الإقدام على تجربة مختلفة؟

لكنّ أحدًا لم يعرف ما هي المعادلة المطلوبة لإعادة جذب الجمهور.

في الوقت نفسه إذا أردنا النظر إلى مفردات “إسماعيلية رايح جاي” فسنجد أن كل مفردة منها قدمت من قبل، وحققت نجاحًا نسبيًا، لكن لم يكن هناك المنتج أو المخرج الذكي الذي سيقدم على تجميع هذه المفردات في فيلم واحد.

مفردات “إسماعيلية رايح جاي”

لا يمكن بالتأكيد الجزم بالأسباب القاطعة التي أدت لنجاح هذا العمل دون غيره، مزاج الجمهور متقلب جدًا، وكما ذكرنا فالتوقيت جعل الطريق ممهدًا للفيلم، وربما لو كان الفيلم صدر في وقت آخر للاقى الفشل الذريع، ولهذا فالتوقيت أحد أهم العوامل التي ساهمت في نجاح الفيلم، أما بقية المفردات الأخرى فهي:

  • محمد هنيدي، الكوميديان الشاب الذي شاهده الجمهور في مشاهد متناثرة في عدة أفلام ومسلسلات، منها “بخيت وعديلة” أمام عادل إمام، وفي كل مرة كان ينجح في إضحاكهم، فلماذا لا يأخذ هذا الشاب فرصته؟
  • ثم يأتي محمد فؤاد المطرب الشاب صاحب النجاحات الغنائية، والتجارب السينمائية، الذي يجيد الظهور في شخصية ابن البلد الجدع، لكنه للغرابة، وعكس غيره من المطربين الذين حققوا نجاحات سينمائية، لم يظهر في السينما بمهنته الحقيقية كمطرب، وهنا جاءته الفرصة.
  • بالطبع لم يكن محمد فؤاد ليأتي دون أغنياته. قدم في الفيلم مجموعة من أجمل الأغاني في تاريخه عمومًا، واستفاد من أهم درس تعلمه من أفلامه السابقة، وهو تقديم أغنية خاصة ومختلفة للفيلم، بخلاف الأغنيات العاطفية، وهو ما تعلمه من مدحت العدل وخيري بشارة في “أمريكا شيكا بيكا” إذ قدم أغنية بنفس عنوان الفيلم وبكلمات ليست مألوفة.
    هكذا جاءت “كمانّانا” الأغنية التي لم يوجد أحد في مصر وعدة دول عربية لم يستمع إليها ويحفظ كلماتها، حتى مع عدم معرفة المقصود بالكلمة إلى الآن. الأغنية وحدها صنعت للفيلم زخمًا ودعاية بأكثر مما يمكن أن تحقق وسائل الدعاية التقليدية.
  • لكن كل المفردات السابقة كان ينقصها شيء آخر حتى تتزن المعادلة، العنصر الأهم ذكرناه بالفعل وسط السطور السابقة، وهو الشباب، السينما كانت تحتاج إلى دماء جديدة، ودائمًا كانت الدماء الجديدة هي ما تدفع السينما إلى الأمام، في الثمانينيات كانت المخرجين الشباب: عاطف الطيب ومحمد خان وغيرهما هم من أعادوا تعريف شكل السينما، وهكذا كانت السينما في حاجة إلى شباب جدد لصياغة مرحلة جديدة، تقل أو ترتفع عن سابقتها، ليست هذه هي المشكلة، لكن هناك دماء جديدة مطلوبة.

معادلة تربك السوق

كل مفردة مما سبق، كانت قد ظهرت بشكل أو بآخر من قبل ولكن لم تحقق نفس النجاح، هنيدي ظهر في العام نفسه 1997 في دور بطولة مع علاء ولي الدين في فيلم “حلق حوش” لكن لم يكتب له أي نجاح، محمد فؤاد لم تنجح أيًا من أفلامه أو أغنياته السابقة بنفس نجاح الفيلم و”كمانّانا”، وإذا بحثنا عن تجارب الشباب في التسعينيات فلا يمكن أن نغفل ما قدمه الثنائي شريف عرفة وماهر عواد في عدة أفلام في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات قبل أن يوقفا مشروعهما المختلف إلى الأبد، إذ لم يلق إقبالًا جماهيريًا.

هكذا كان اجتماع كل هذه العناصر معًا، بنسبة كبيرة، هو ما حقق هذا النجاح الاستثنائي في ذلك العام، نجاحًا حقق إيرادات حوالي 15 مليون جنيه، وهو رقم استثنائي حتى الآن، إذ كانت أسعار التذاكر غير متفاوتة بشكل كبير كما هو الوضع حاليًا.

ربما لم تتكلف أجور الفنانين في “إسماعيلية رايح جاي” أجر عادل إمام أو نادية الجندي في أي من أفلامهما.

هكذا بدا أن هناك شيئًا جديدًا في سيغير من مصير صناعة السينما، ليست الغلبة للنجوم أصحاب الأجور المرتفعة ولا الأفلام ذات الميزانية الضخمة، وفوق هذا، لا خوف من تجربة أسماء جديدة وشابة، فربما يصيب الأمر مرة أخرى.

بجانب هذا أصبح هناك نقطة بدء جديدة للسؤال الأهم عصي الإجابة غالبًا: “الجمهور عايز إيه؟”

هكذا أحدث هذا الفيلم ثورة، وللطرافة لم يستطع معظم صناعه مواكبة هذه الثورة، لكن ظهر لاعبون جدد ومعادلات جديدة شكلت السينما كما عرفناها على مدار عدة سنوات تالية، لكن هؤلاء اللاعبين، وهذه المعادلات لها حديث آخر.