متى تعود "فانتازيا" محمد أمين؟

سما جابر

إذا قمنا بحصر عدد الأفلام المهمة خلال الـ 5 سنوات الأخيرة، فسنجد أن فيلم “فبراير الأسود” إنتاج عام 2013، للمخرج والمؤلف محمد أمين، متصدر لتلك القائمة.. الفيلم يُعد آخر أعمال المخرج المميز حتى الآن، والذي لم يقدم في مشواره سوى 4 أعمال فقط على مدار 13 عامًا، لكنه بالرغم من قلة تواجده الفني إلا أنه نجح في أن يصنع لنفسه عالما ورؤية مختلفة أحبها الجمهور الذي تابعه من المرة الأولى، وظل مؤيدًا ومنتظرًا لها بشغف حتى وإن كان يظهر بعمل سينمائي كل 4 أو 5 سنوات.

لم يعتمد أمين منذ ظهوره لأول مرة على أسماء النجوم الكبار أو الأسماء المعروفة كي تحقق أفلامه النجاح كالسائد وقتها، لكن الوجوه الشابة كانت التحدي الذي نجح المخرج المتميز في تقديمه لصناعة السينما والجمهور.

وجوه أصبحت نجومًا فيما بعد واستطاعت عن طريق عدد من المشاهد القليلة على مدار هذه السنوات الطويلة أن تكون أيقونة لمتابعي السينما، خاصة من الجيل الجديد الذي يستعين بأفلامه في التعبير عن أي موقف كوميدي أو تراجيدي يمرون به.

الفنون جنون.. وعبقرية

كان الجنون والفانتازيا جزءا أساسيا من الأعمال التي قدمها محمد أمين مثل “فيلم ثقافي”، حيث يدور الفيلم عن محاولات مستميتة لـ 3 شباب لمشاهدة فيلم إباحي، لدرجة جعلتهم يتخطون كل الحدود ويحاولون مشاهدته داخل أحد المساجد!، كذلك “ليلة سقوط بغداد” الذي يدور حول كيفية صنع سلاح ردع مصري يمنع محاولات احتلال مصر من قِبل أمريكا، و”فبراير الأسود” ومحاولات عائلة مصرية في العيش حياة كريمة بأي وسيلة في إطار كوميدي فانتازي “مجنون” وعبقري في آن واحد، لكنه ابتعد عن هذا الجنون في فيلم “بنتين من مصر” الذي انتقل خلاله من قمة الكوميديا والفانتازيا إلى قمة الواقعية والبؤس.

لم يقدم أمين خلال “بنتين من مصر” شيئا غير واقعي، بل على العكس، كانت كلها أحداثا ومشكلات يمر بها الشباب في مصر سواء من عنوسة أو البحث عن الهجرة أو الوحدة والخوف من المستقبل، لكنها كانت جرعة مكثفة من “النكد” المصحوب بالأداء العظيم لـ”البنتين” صبا مبارك وزينة، ومحمد أمين الذي شاهدنا الواقع المصري الأليم في فترة زمنية معينة بعينيه، وجعلنا نتخيل معه كل تفصيلة صغيرة ونفكر في مصائر أبطال العمل التي انحصرت في خيالاتنا بمصائر حزينة.

https://www.youtube.com/watch?v=0oB_2lC9CJI

علامات مميزة

على يد محمد أمين وُلد عدد من الفنانين الذين أصبحوا نجومًا فيما بعد، حتى وإن كانت بداياتهم قبل العمل معه، لكنهم ربما لم يحققوا التألق الذي حققوه مع أمين في أعمالهم الأخرى، كان من أبرز هؤلاء، الثلاثي الذي قدم “فيلم ثقافي” فتحي عبد الوهاب وأحمد رزق وأحمد عيد، الذين جذبوا الجمهور بمغامراتهم للبحث عن مكان لمشاهدة فيلم إباحي، ليتعرضوا من خلال تلك المغامرة لأزمات ومشاكل بعضها مضحك وبعضها يرصد الجانب السيء لواقع معظم الشباب.

كما أننا لن ننسى مثلا الشاب الأربعيني الجالس في البلكونة الذي يشاركهم جزء من الرحلة وهو الفنان إبراهيم يسري، والذي يكون سببًا في فقدان جزء من أمل الـ 3 شباب بسبب وصوله لسن الأربعين دون زواج.

كذلك الفنان محمد تهامي أو “الريس برايز”؛ الذي لم يظهر سوى في مشهد واحد لكنه كان أحد أهم أبطال الفيلم، حتى بمجرد ذكر اسمه فقط في باقي المشاهد، لكنه العقل المدبر لمجموعة الشباب، والذي أصبحت جملته “العيب في النظام يا كاوركات” من أشهر جُمل ومشاهد الفيلم والتي نجدها في الكثير من الكوميكس للتعليق على أي موقف سياسي أو اجتماعي أو حتى رياضي.

ساهم محمد أمين أيضًا في اكتشاف الفنانة روبي التي شاركت في مشاهد صغيرة في “فيلم ثقافي” حيث ظهرت كصديقة أحمد عزمي الشقيق الأصغر لفتحي عبد الوهاب، واللذان جسدا -روبي وعزمي- المعنى البريء للحب خلال العمل.

كذلك كان سببًا في تعلق المشاهدين بالظهور القليل لكل من الفنان طارق عبد العزيز -صديقهم المسيحي- خلال جنازة والده بالكنيسة، الخادمة التي قدمت دورها الفنانة شمس، الفنان محمود البزاوي والفنانة نشوى مصطفى، الأطباء بالمستشفى.

رهانات “كسبانة”

تمسك “أمين” بمحاولة إبراز اسم الفنان أحمد عيد كبطل رئيسي لفيلمه الثاني “ليلة سقوط بغداد”، حيث قدمه كبطل للعمل لأول مرة في مشواره، في شخصية العالم الشاب طارق عبد الصمد الذي يقوم باختراع جهاز ردع للاحتلال الأمريكي في حال دخوله لمصر، في إطار من الكوميديا التي تتخللها المواقف والأحداث السياسية التي كانت تمر بها البلاد العربية في تلك الفترة، ونجحت وجهة نظر أمين في الاعتماد على “عيد” للقيام ببطولة الفيلم الذي يعتبر من أهم الأفلام الحديثة مؤخرًا.

كذلك في فيلم “بنتين من مصر”، ساهم في تقديم الفنانة صبا مبارك لأول مرة للجمهور المصري، والتي حققت من خلال الفيلم نجاحًا كبيرًا لدى هذا الجمهور، حيث ربح الرهان في أن تكون الفنانة الأردنية “مصرية” لأقصى حد في الفيلم الشهير، كما قدم زينة بشكل مختلف، حيث رأى البعض أنها كانت “تمثل” جيدًا للمرة الأولى في مشوارها.

بعد ثورة 25 يناير لم يسلك المخرج المميز الطريق الذي سلكه الآخرون في تقديم صورة عن الثورة من وجهة نظرهم، لكنه اختار أن يقدم –كعادته- عملًا مختلفًا بفيلم “فبراير الأسود” مع الفنان خالد صالح والفنان طارق عبد العزيز، والذي يرصد معاناة الطبقة الوسطى في العيش في مصر بدون واسطة أو مؤهلات تجعل الجميع يهابها ويضع لها ألف حساب، وذلك في إطار كوميدي ساخر، ينتهي بقيام ثورة دون توقع أي نتائج لها، ليصبح من أصدق من تحدثوا عن الحالة السياسية في ذلك الوقت.

https://youtu.be/3SwcIdJb6wk

 

انتظار العودة

مرت 4 سنوات بعد فيلمه الأخير، ولم يخرج حتى الآن محمد أمين من قوقعته أو الحالة التي لن يعرف مُسماها إلا هو فقط… ولم نعرف سببا رئيسيا لغيابه لفترات طويلة هكذا، فهل هو كسل أم أن أعماله لا تليق على الوضع السينمائي الحالي أم هناك أسباب أخرى، حتى وإن كانت عودته مختلفة ومميزة و”ثقيلة” دائمًا إلا أن الفئة الكبيرة المتابعة له تفتقد مع كل فيلم “تافه” يعرض سنويًا؛ “الفانتازيا” والأفكار المختلفة التي يقدمها في أعماله، ولا تزال تتسائل هذه الفئة: متى تعود “فانتازيا” محمد أمين؟