أحمد فرغلي رضوان يكتب: جواب اعتقال.. تعرف إيه عن المنطق؟

تخيلت مخرج وكاتب الفيلم محمد سامي واقفا مكان سعيد صالح في مدرسة المشاغبين وسهير البابلي، بدلا من أن تسأله تعرف إيه عن المنطق؟، يكون السؤال تعرف إيه عن الجماعات الإسلامية؟!

المتابع لهذا الملف الشائك صاحب التاريخ الطويل والخاص بالجماعات الإسلامية والجهادية يكتشف أن الفيلم ربما اكتفى باعتماده على قراءة “الصحف” وسماع نشرات الأخبار في تناوله لهذا الموضوع الهام والخطير! رغم أنه يصنع فيلما لنجم جماهيري وإنتاج كبير ولا يعيب المؤلف هنا الاستعانة بشخصية تكون مراجع له مثلما فعل كاتب كبير مثل وحيد حامد لم يكتفِ بقراءته ومعلوماته واستعان بمراجع تاريخية للجماعات الإسلامية في مسلسله الأخير، لكن المتتبع للأعمال السينمائية والدرامية لمخرج الفيلم يكتشف أن تركيزه الأكبر يكون على صناعة صورة مميزة وديكور وملابس جذابة ولايزال متأثرا بعالم الفيديو كليب وإبهاره، لكن الدراما والسيناريو وأيضا عنصر التمثيل تكون نتيجتها “حسب الظروف”! لدرجة أنه كرر نفس لوكشن وكادرات تصوير مشاهد منزل “خالد الدجوي” في بيروت التي سبق واستخدمها في مسلسل هيفاء وهبي”كلام على ورق”!

ذهبت وأنا مهيئ لمشاهدة فيلم يتناول مشكلة عالمية شائكة؛ “الإرهاب” يعاني منه العالم كله الآن فوجدت سيناريو “سطحي” وحوارا ضعيفا وهزليا! لا يرقى لعمل كهذا عن هذه الجماعات الإسلامية المسلحة، ووصل الأمر لدرجة الخلط فيما بينها، وكما في كل أفلامه ينقلب “رمضان” على جماعته ويبدأ سلسلة الانتقام المسلح! ويصبح مثل “رامبو”، لدرجة أنه يسبق سيارة عدوا على قدميه!، ويتغلب على فرقة مسلحة بمفرده، كل ذلك يتناقض مع موضوع وهدف الفيلم “الجاد” والمفترض أنه يناقش قضية التطرف والإرهاب، أنت تناقش قضية مهمة وفي نفس الوقت تقدم البطل في شخصية “رامبو”، كان ممكن يكون أصدق لو ظهر كقائد وعقل مدبر مثل بن لادن والظواهري مثلا، ولكن التردد وعدم وضوح رؤية السيناريو جعل الفيلم يخرج مشوها، فأفلام جيمس بوند ورامبو مثلا تكون واضحة المعالم والهدف منذ بدايتها دون فلسلفة.

فيلم “جواب اعتقال” يتناول شخصية قائد الجناح العسكري في الجماعة، وكما تشير الأحداث الجماعة جزء من تنظيم عالمي ظهر أحد قادته في لبنان بزي يوحي أنه تنظيم الدولة “داعش”!، وهو خلط كبير لأن جماعة الإخوان المسلمين في مصر وتنظيم الدولة “داعش” يكفرون بعضهم البعض وليس بينهم علاقة أو رابط فكري! وهناك فرق أيضا بين الإخوان المسلمين والسلفيين وداعش والجماعة الإسلامية وغيرها، وقادة الجناح العسكري في مثل تلك التنظيمات تكون شخصيات سرية للغاية ولا تظهر إلا نادرا، ولو تم كشف ملامحهم عادة ما يقومون بعمليات “لتغييرها” كما حدث في بداية الفيلم بعد رسم الشرطة صورة لخالد الدجوي!، لأن مثل هذا القائد يكون أخطر وأهم العناصر في تلك الجماعات، وليس كما ظهر في الفيلم إنه مهندس في الحي وشخصيتة معلومة للشرطة ويذهبون إلى منزله يعتقلونه ويستدعوه للتحقيق بهذه السذاجة أو يتم “تغييره ” بسهوله كما حدث مقابل مبلغ من المال كهدية! ذلك “شغل” مافيا وليس جماعات إسلامية أو جهادية.

مثلا أحد قادة الأجنحة العسكرية لتنظيم ما، ظل مطاردا من الموساد والسي آي إيه لأكثر من ١٢ سنة وأنشأوا وحدة عمليات خاصة من أجله ولا أحد يعرف مكانه وتم تغيير ملامحه أكثر من مرة وكلفهم اغتياله المليارات.

اتفاق مع الجمهور

هناك اتفاق غير معلن بين الفنان وجمهوره حول ما يريدونه منه، ويبدو أن “رمضان” اعتقد أنه سيشبع رغبة جمهوره بجرعة الأكشن التي في الفيلم ولكن المفاجأة أن جمهوره لم يزحف لصالات العرض كما عوده، لأنهم لم يجدوا نفس التيمة القديمة وشخصياته التي عشقوها مع عبده موته ورفاعي الدسوقي، ولم يفهموا هل هو فيلم جاد يناقش قضية الإرهاب أم هو فيلم أكشن لبطلهم الشعبي الذي ينتقم من أعدائه! فالفيلم يصدر لهم قضية جادة غير جاذبة لجمهور “محمد رمضان” ولا ينتظرونها من بطلهم الشعبي ولذلك أكبر مشكلة تواجة النجم الشاب الآن، بعد رفض جمهوره، تقديمه لشخصيات فنية مغايرة بعيدة عما اعتادوه! ماذا يفعل في هذا التحدي الكبير الذي بات يهدد مصيره في شباك التذاكر؟ أعلم أن لديه رغبة فنية كبيرة في تجسيد أعمال كثيرة ستكون في الغالب صادمة لجمهوره، وبالتأكيد سيكون هناك صراع مع المنتجين لفرض وجهة نظره.

كذلك اللافت في هذا الفيلم “المشوش” فكريا أن الجمهور تعاطف مع الإرهابي وهو بالتأكيد يتناقض مع هدف الفيلم وتمنوا عدم قتله لمجرد اعترافه لقائده إنهم ليسوا على حق وهو أمر مستحيل حدوثه من القائد العسكري لأي تنظيم مسلح، كذلك أظهر الفيلم جهاز الشرطة بالعجز والاكتفاء بمشاهدة الخلافات بين أجنحة التنظيم والجماعة فيما بينهم! واعتمد على حبيبته “فاطمة” التي يحبها خالد “حبا مرضيا” يصل لحد البكاء عليها، وهو يتناقض مع شخصيته كقائد عسكري وإرهابي ونجد “فاطمة” تقبل بالمهمة الصعبة وتقوم بتركيب كاميرات لزوجها وكأنها عميل مخابرات “مدرب”! ليتم تصويره متلبسا. ما هذه الحبكة الساذجة؟!

الممثلين في أضعف حالاتهم وعلى رأسهم إياد نصار، الذي يأتي الفيلم بعد تألقه في مسلسل “هذا المساء” ومعه دينا الشربيني والتي أصبح أداؤها مكررا كما هو في الدراما.

محمد رمضان اجتهد وقدم الشخصية بشكل جيد ويعتبر من أفضل أعماله فنيا وكذلك من أفضل الأعمال التجارية لهذا الموسم، ولكنه كممثل لديه أداء أفضل بكثير مما شاهدناه و يحسب له تقديم مشاهد الأكشن وخاصة مشهد المعركة مع “المعتصم” بإتقان ومهارة شديدة وتعتبر من أفضل مشاهد الأكشن في السينما الحالية، اما مشهد صبري فواز في خطبة المسجد بنهاية الفيلم فهو الأفضل على مستوى التمثيل والإخراج.