ياسر المصري في "الجماعة2" وكيف يكون الفنان "مجتهدا"؟

فاتن الوكيل

لم يعد الفنان الأردني ياسر المصري وجها غريبا على المشاهد المصري، فبعد أن شارك في فيلم “كف القمر” من إخراج خالد يوسف عام 2011، بشخصيتي “ضاحي” و”القط”، وطل على الفن المصري ببداية سينمائية موقفة إلى حد كبير، شارك في عدد من المسلسلات الدرامية المصرية مثل “تحت الأرض” و”دهشة” و”العهد”، وأخيرا يقوم في رمضان هذا العام بدور الزعيم جمال عبد الناصر في الجزء الثاني من مسلسل “الجماعة”، ويعيد إعلام دوت أورج نشر التقرير مجددا بعد رحيله المفاجئ إثر حادث سير أليم.

للمصري تاريخ فني قبل أن يُشارك في أعمال مصرية، وهو فنان مقدر بشكل كبير في بلده والخليج العربي على وجه التحديد، حيث قدم أعمالا كثيرة عن البيئة البدوية، أشهرها “نمر بن عدوان”. إيقاعه التمثيلي منضبط تماما مثل الموسيقى التي درسها في الأكاديمية الأردنية للموسيقى، وأفادته هذه الدراسة عندما كان يعمل في مجال الفنون والرقصات الشعبية، منذ عام 1986، ثم اتجه عام 1993 إلى العمل المسرحي إلى أن شارك في المسلسلات الدرامية، وكان أول أعماله هو مسلسل “عرس الصقر”.

الاجتهاد هو الانطباع الأول الذي يؤخذ عن ياسر المصري، وسنركز أكثر على الدور الذي يُعرض له حاليا، ويُجسد من خلاله شخصية الزعيم الراحل جمال عبد الناصر في مسلسل “الجماعة 2”. لم يكن المصري أول من يقوم بدور ناصر، سواء عربيا أوعالميا، أبرزهم على الإطلاق، الفنان أحمد زكي، وأكثرهم الفنان مجدي كامل، وآخرهم الفنان جمال سليمان في مسلسل “صديق العمر”. وفي كل مرة نجد إشادات أو انتقادات، وبخصوص الانتقادات تتمحور أغلبها في عدم وجود تشابه بين الممثلين وشخصية عبد الناصر، أو بسبب اللهجة مثلما حدث مع الفنان جمال سليمان.

لكن لا شك أن المشاهد لا يرغب في أن يرى استنساخا لصورة عبد الناصر، لكنه يريد “الاجتهاد” ولا تنازل عن ذلك، يريد أن يرى دورا “متعوب فيه” من قبل الممثل، ليس فقط فيما يتعلق بالجانب الشكلي وتقليد الحركات التي اشتهر بها “ناصر” لكن أن يشعر بذلك في التفاصيل، النظرة، طريقة الحديث، أسلوب الحوار، الضحكة، كيف سيتصرف ناصر في هذا الموقف؟ كيف سينفعل في موقف آخر؟، خاصة في المشاهد التي وقعت في الحقيقة بعيدا عن أعين الجمهور، وفي الغرف المغلقة والاجتماعات، والصراعات الداخلية التي سمعنا عنها فقط.

مسلسل الجماعة الذي يستعرض تاريخ جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، منذ نشأتها، انتهى فصله الأول باغتيال مؤسسها حسن البنا، ومع الجزء الثاني، نجد أن شخصية الزعيم عبد الناصر، ليست مجرد ضيف على الأحداث، لكنه بطل من أبطال الحكاية، ومحور الصراع في أحيان كثيرة، خاصة بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952.

الاجتهاد الذي تحدثنا عنه في شخصية “المصري” نجده في العديد من المشاهد من بينها مشاهده مع الفنان محمد فيهم أو “سيد قطب” خاصة بعد شراراة العداء التي ظهرت بينهما، وهي المشاهد الأحلى حوارا وتمثيلا، وأفضل كثيرا من المشاهد الذي ظهر فيها “ناصر” كأنه خاضع لفكر سيد قطب ويعتمد عليه اعتمادا كبيرا في تحديد رؤية الثورة مع بدايتها. بالإضافة إلى المشهد الذي ظهر فيه وهو يتحدث مع “عبد الرحمن السندي” عبر التليفون بعد الاشتباكات التي حدثت بين جناحي الجماعة، وفي هذا المشهد استطاع “المصري” الوصول إلى طبقة صوت وطريقة حديث عبد الناصر المتقطعة، بشكل كبير.

لكن من بين هذه المشاهد، يظل مشهد حادثة المنشية، الدليل الأبرز على تدقيق ياسر المصري في الدور، الالتزام بكلمات الخطبة، وحفظها وإلقائها بطريقة قريبة جدا من الخطاب الأساسي. في المشهد نجد “المصري” التزم حتى بالحروف التي أخطئ عبد الناصر في نطقها من شدة الانفعال خلال الخطبة، تحديدا عندما قال “إني لا أريد منكم أن تقرنوا اسم جمال بهذه الطريقة”. لكن يؤخذ على المشهد الظهور البارد للمجاميع بعد وقوع الحادث، وظهور سيدات محجبات في المقهى يحتفلن بنجاه ناصر لكن هذا الأمر لا يُسأل “المصري” عنه.

ومن متابعة تصريحات صناع العمل، الآن وقبل عرض المسلسل، نعرف حجم تقدير ياسر المصري لهذا الدور، ولديه كل الحق، لأن تجسيد شخصية معروفة وكاريزمية مثل عبد الناصر، صار منطقة شائكة فنيا ومحل انتقاد دائم، لجميع الممثلين الذين تقمصوا شخصيته.

ففي تصريح أخير له قال المصري إنه ندم على طلب 6 أشهر فقط لدراسة الدور، وكان الأفضل أن يطلب سنة كاملة، ومن قبل ذلك شهد الكاتب وحيد حامد مؤلف المسلسل، في صالح اجتهاد ياسر المصري، عندما قال : “أسعدني استعداد الممثل الأردني ياسر المصري الشخصي، فأثناء تصوير مشهد توقيع عبد الناصر على قرار إعدام سيد قطب فوجئ كل طاقم العمل -وأنا منهم- أن المصري وقّع بنفس شكل توقيع الرئيس، وهو ما يعني أنه تدرب عليه وهو اجتهاد شخصي”.

صوت جمال عبد الناصر هو نقطة ضعف جميع الممثلين الذين جسدوا شخصيته، صوته الحاد كان الأزمة التي واجهتهم حتى مع تغلب بعضهم على العامل الشكلي، فمثلا الفنان أحمد زكي الذي أدى الدور باقتدار وأكثر من قدمها بتميز، حتى صوتيا، كانت بعض المشاهد تخرج بشخصيته لا شخصية عبد الناصر، ومع ياسر المصري نجد تعاملا احترافيا مع عامل الصوت، فبعين دارس الموسيقى قال في تصريحات صحفية سابقة: “حاولنا لمدة 3 أيام أن نصل إلى نبرة صوت عبد الناصر وأنا دارس للموسيقى، فنبرة صوت ناصر تأتي قبل طبقة السوبرانو بدرجتين، وهذا تحليل علمي لم ولن يستطع أحد أن يتحدث بصوت عبد الناصر من هذه الطبقة”. وبغض النظر عن الجدل التاريخي الذي يتجدد من وقت لآخر عن حقيقة انتماء عبد الناصر إلى الجماعة أم لا، فلنا أن نستمتع بأداء تمثيلي راقي من جميع الممثلين المشاركين في العمل الذي سيكون نقطة تحول في حياة بعضهم بشكل كبير.

يذكر أن “الجماعة2” من بطولة كل من الفنانين “عبد العزيز مخيون، صابرين، ياسر المصري، محمد فهيم، أحمد عزمي، طارق عبد العزيز، رياض الخولي، محمد الشرنوبي، نضال الشافعي”، من تأليف وحيد حامد وإخراج شريف  البنداري.