طارق عباس يكتب: كيف أكد "غرابيب سود" علاقة "قطر" بالإرهاب؟

من الغريب أن يكون هناك ربط واضح بين الهجوم على عمل فني من منصات إعلامية معينة وبين تورط الجهة الممولة لتلك المنصات في تمويل الإرهاب بشكل لا يقبل الشك، هذا ما حدث مع مسلسل “غرابيب سود”، الذي تعرضه قنوات “MBC” السعودية خلال شهر رمضان، والذي لاقى هجوما عنيفا من المتشددين دينيا، إلا أن الهجوم الأبرز كان عبر الأذرع الإعلامية لدويلة “قطر”، متمثلة في قناة الجزيرة وصحف ومواقع من بينها موقع “الخليج الجديد”.

ففي الوقت الذي تهاجم “قطر” عملا فنيا فإنها تدافع بضراوة عن تنظيم “داعش”، بحجة أن الإساءة له هي إساءة لأهل السنة، وإظهارهم بمظهر لا يليق بهم من خلال عمل فني وصفوه بـ”الشيعي”، وهو الأمر الذي أحدث ضجة إعلامية لا سيما أن المسلسل يحظى بنسبة مشاهدة عالية في تلك الفترة طبقا للتقارير الأخيرة.

صراحة أنا أظن أن معظم مسلسلات رمضان لا تقدم أي قيمة للمشاهد، فهي مجموعة من الحكايات والقصص والجمل المسلوقة والأحداث الباهتة الخالية من الإثارة والقيمة الفنية، باستثناء بعض الأعمال، وهو ما يدفع لاختفاء الإجماع على عمل فني واحد يلتف حوله أبناء الأسرة بكل أطياف المجتمع كما كان الحال قديما في مسلسلات كثيرة.

أما عن “غرابيب سود” فقادتني المصادفة لمتابعة حلقة من هذا المسلسل الذي يحكي ما يدور في جنبات إحدى القرى الخاضعة لما يسمى بالدولة الإسلامية بالعراق والشام (داعش)، وفي الحلقة كانت عدة مشاهد للقتل والتعذيب وتجنيد الأطفال وتقديم السيدات أنفسهن للمقاتلين الإرهابيين بدعوى تحصينهم بما أسموه جهاد النكاح وأيضا تجارة الدين ببيع فتاوى وتحريم وتحليل أشياء واضحة وضوح الشمس لأغراض شخصية وتنظيمية للإرهابيين، وكل تلك المشاهد كانت كفيلة بإقناعي أنه لا يزال هناك أمل في تقديم أعمال درامية تناقش قضية هامة، بمضمون مميز الهوية.

المسلسل الذي يتجول في ثنايا قضية التطرف الديني والإرهاب الفكري؛ أشبه بالرصاصة الموجهة في وجه التنظيمات المتأسلمة الإرهابية التي تتمسح في عباءة الدين، فمحاربة التطرف لن تأتي فقط بالسلاح والاعتقالات والتصفيات الجسدية، فخلف كل إرهابي يموت يعتنق آخر نفس الفكر في مكان ما، ويبدأ في الانجراف ناحية التنظيمات الإرهابية، فتصبح دائرة مفرغة لا تنتهي من العنف والقتل والدماء، ويكون السبيل الوحيد لمواجهتها ليس ما يسمونه “تجديد الخطاب الديني” فقط، ولكن بالمواجهة الثقافية والفنية أيضا.

ومن اللافت للنظر في المسلسل كمية الندم والإحباطات التي تسيطر على المنضمين حديثا لتلك التنظيمات، واكتشافهم حقيقة الأمور، وإدراكهم أنهم يصبحون مجرد تروس في ماكينة لا تعترف بهم إلا في حالات التفجيرات والقتال والأعمال الإرهابية، في الوقت الذي يكون الفرار من هذا الجحيم أصعب بكثير من قرار الانضمام له، وهو ما يمثل إنذارا مبكرا لدى الشباب قبل الإقدام على هذا القرار أو الاقتناع بالأفكار المتطرفة.

وأخيرا.. فإن كل مسلم معتدل يعرف الفرق بين التطرف والوسطية والسماحة، والاختلاف بين ابتداع بعض المجموعات لأفكار منحرفة مثل “جهاد النكاح”، وبين ثبوت هذه الاتهامات أو إلصاقها بالسنة أو بحفظة القرآن مثل ما يدعي الدواعش المهاجمين للمسلسل.